هل يتحرر السودان من الوصاية والانتداب الدولي؟
بطريقة سرية جداً، بعث رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان عبد الله حمدوك رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
في 28 كانون أول / يناير 2020، وبطريقة سرية جداً، بعث رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في السودان د. عبد الله حمدوك رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة. صاغ هذه الرسالة السفير البريطاني بالخرطوم. طلب حمدوك في رسالته هذه أن تضع الأمم المتحدة بلاده تحت الولاية الأممية العامة، وأن تتسع ولايتها لتشمل كل الفضاء السوداني، من خلال بعثة سياسية خاصة يشكلها مجلس الأمن لتضطلع بمهام خطيرة تتصل بصياغة حاضر السودان وصناعة مستقبله، وقد حددت الرسالة أجل هذه البعثة بـ 10 سنوات تنتهي بتنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية التي يمتد نطاق تنفيذها الزمني حتى عام 2030.
من أبرز مهام البعثة الأممية بحسب طلب رئيس الوزراء، أن تعمل على ضمان تنفيذ الدستور الانتقالي "الوثيقة الدستورية"، ووضع الدستور الدائم للبلاد، وهيكلة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وإعادة تشكيلها على نحو جديد، بما في ذلك مؤسسة الجيش والشرطة والقضاء والنيابة، وغيرها من المؤسسات. ومن بين المهام كذلك، مهام تتصل بالاقتصاد وموارده وبمستقبل التنمية ومشاريعها، فضلاً عن رعاية اتفاق سلام بين السلطة والحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وغيرها من مناطق الصراع. وفوض حمدوك البعثة الأممية إضافة ما تراه من مهام!! ، يذكر أن حمدوك قد أخفى هذه الرسالة عن مجلس الوزراء والمجلس السيادي حتى كشف الإعلام عنها، بعد أن بدأ الأمين العام للأمم المتحدة في تداول مضمونها مع المعنيين.
وطلب حمدوك في رسالته للأمين العام للأمم المتحدة أن توسع البعثة الأممية للسودان عملياتها من حيث الحجم والنطاق، وأضاف في رسالته تلك: "لكي يكون الفريق على مستوى الغرض المنشود، يرحب السودان بما يجريه الأمين العام من إصلاحات لركائز الأمم المتحدة للسلام، والأمن، والإدارة، والتنمية. وانطلاقاً من روح هذه الإصلاحات، يجب أن يكون وجود الأمم المتحدة في السودان متكاملاً، ومتوائماً من الناحية الاستراتيجية وتحت قيادة واحدة".
وافق مجلس الأمن على طلب رئيس وزراء السلطة الانتقالية في السودان، وأصدر قراره رقم 2524 لسنة 2020 الذي شكل بموجبه بعثة أممية برئاسة الألماني فولكر بيرتس، الذي كان مساعداً للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا 2015- 2018، وعمل قبل ذلك ضمن البعثة الأممية إلى العراق.
وبرغم اعتراض القوى الوطنية السودانية على إنشاء بعثة أممية ورفض الرأي العام لها، باشرت هذه البعثة مهامها بالسودان منذ 3 حزيران/ يونيو 2020 وسط ترحيب حار من تحالف الحرية والتغيير الحاكم آنذاك، وبدعم سياسي غربي كبير. وفي ظل ذلك، تولت البعثة مهام الإدارة الفعلية للسلطة الانتقالية التي قادت دولة الإمارات العربية جهود تشكيلها، ولعبت دوراً في تذليل الصعاب والعقبات التي اعترضت طريق تأليفها في العام 2019.
نشبت خلافات كبيرة بين رئيس البعثة ورئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بعد انفضاض الشراكة التي جمعت القادة العسكريين وتحالف الحرية والتغييرفي 25 تشرين أول /أكتوبر 2021، وقد بلغت الخلافات مبلغاً جعل رئيس مجلس السيادة يهدد بطرد رئيس البعثة الأممية. قاد هذا الخلاف الحكومة إلى الطلب من الأمم المتحدة الشهر المنصرم، تغيير مهام البعثة واختصاصاتها، لتعمل فقط في توفير الدعم اللوجستي للانتخابات المزمع عقدها بنهاية الفترة الانتقالية، وحشد الدعم الاقتصادي الدولي للمساهمة في معالجة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد، والعمل من أجل توفير مطلوبات اتفاقية السلام التي أبرمتها السلطة الانتقالية مع الحركات المسلحة في إقليمي دارفور والنيل الأزرق.
تبذل السلطة جهوداً كبيرة لتتبنى المؤسسة الدولية هذه البنود الجديدة، ولتكون بديلاً للاختصاصات التي تضمنها قرار مجلس الأمن المنشئ للبعثة. وتركز السلطة الآن جهودها مع روسيا والصين من أجل وضع حد لعمل البعثة في السودان، أو إعادة صياغة اختصاصاتها وفق المرئية الجديدة للسلطة بعد خروج حمدوك وتحالف الحرية والتغيير من منصات السلطة الانتقالية في تشرين أول/ أكتوبرالماضي.
تُكمل البعثة الأممية في 3 حزيران/ يونيو القادم عامها الثاني، وينتظر أن يجدد مجلس الأمن لها لعام ثالث خلال الأسبوع القادم، في وقت تتنامى المطالبات الشعبية والسياسية الداعية إلى إنهاء دورها، وإلى إخراجها من البلاد لكونها تمثل أداة كولونيالية أعادت البلاد إلى عهد الاحتلال الغربي، ووضعتها تحت الوصاية والانتداب.
ثمة أسئلة تُطرح في هذا الظرف، هل تنجح جهود السلطة الانتقالية المسنودة إلى الرأي العام الشعبي في وضع حد لوجود هذه البعثة في السودان، وهل تضطلع الصين وروسيا بدور محوري داخل أروقة مجلس الأمن يمكّن من وضع نهاية لأجل البعثة وعدم التجديد لها، وهل تسمح موازين القوى الدولية في هذا الظرف بذلك، أم أن الأطراف الدولية يمكن أن تصل الى تسوية تقضي بالتمديد للبعثة وبتعديل مهامها واختصاصاتها وتغيير رئيسها؟ وهذا الذي ستسفر عنه جهود الأيام القادمة، وبناءً عليه سيتحدد مصير الاستقلال الجديد للسودان.