هل لا تزال تركيا ترغب في الانضمام إلى مجموعة البريكس؟
ما زال إردوغان قادراً على اللعب على التناقضات الدولية بين الغرب وروسيا، ولكن هذه التناقضات مستمرة في الغليان. وعند درجة سخونة عالية، قد يضطر إلى الإجابة الكاملة عن الخيار بين الشرق والغرب. وعندها، قد لا يكون بوتين في الانتظار!
حظيت قمة مجموعة البريكس المنعقدة في جوهانسبورغ، المركز الاقتصادي لدولة جنوب أفريقيا، باهتمام بالغ هذا العام؛ فعدم حسم الحرب الأوكرانية وتزايد الدعوات إلى عالم متعدد الأقطاب، إضافةً إلى التغييرات المتتابعة في أنظمة الحكم في القارة الأفريقية لغير مصلحة دول الغرب، جعل من القمة حدثاً جديراً بالترقب وانتظار ما سيسفر عنه من مخرجات.
أما الحديث الأبرز، فدار حول إمكانية توسعة مجموعة البريكس لتصبح "بريكس بلس" على غرار "أوبك بلس"، لتشمل دولاً جديدة. حتى الآن، تقدمت نحو 23 دولة بطلب العضوية، فيما يدور الحديث عن أن هناك 40 دولة أخرى ترغب في ذلك، ولكنها لم تقم بالإجراءات العملية للانضمام.
تهافت الدول على الانضمام إلى مجموعة بريكس الاقتصادية إن دل على شيء، فهو على عدم رضاها عن تحكم الغرب بقيادة الولايات المتحدة في العالم.
ومن الإشارات التي لا يمكن المرور عليها مرور الكرام هو اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثاني من آذار/مارس الماضي، إذ صوتت 5 دول على قرار يدين روسيا في حربها مع أوكرانيا، وامتنعت 35 عن التصويت.
أما الإشارة الثانية، فهي مزاج بعض الدول الأفريقية الذي عبر عنه الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو إبراهيم تراوري، قاطع أقدام الفرنسيين في بلاده، عن ضرورة ضمان الاكتفاء الذاتي للشعوب الأفريقية ومعالجة مشكلة نقص الغذاء واحترام الشعوب التي تناضل ضد الاستعمار.
كل ذلك يدل على مزاج عام، تحديداً لدى دول الجنوب، يسعى للتخلّص من أحادية الخيارات التي تطرحها الولايات المتحدة في التعامل مع الدول، ولكن أين تركيا اليوم من هذه التطورات؟ وهل ترغب فعلاً في الانضمام إلى مجموعة البريكس؟ وهل ينسجم ذلك مع سياستها الخارجية معهودة البراغماتية؟
تعد تركيا من الدول التي أبدت رغبتها في الانضمام إلى هذه المجموعة، ولكنها لم تتقدم بطلب رسمي حتى الساعة. يتقاطع خطابها الدولي مع أجندة مجموعة بريكس السياسية على أكثر من صعيد، ومن ذلك التحول إلى نظام دولي متعدد الأطراف وإصلاح الأمم المتحدة، ولا سيما مجلس الأمن الدولي.
حضور الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قمة مجموعة البريكس في جوهانسبورغ عام 2018 كان تأكيداً على هذه الرغبة النابعة من العلاقة المميزة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تلك المرحلة بالذات، ولكن هل لا تزال كذلك إلى يومنا هذا؟
لا شكّ في أن تركيا كانت في أفضل حال قبل الانتخابات التركية العامة في أيار/مايو الماضي، ولكن الحال ما قبل الفوز ليست كما بعده؛ فما أعقب الانتخابات من خطوات تركية يؤشر إلى تبدل الأحوال لدى الرئيس إردوغان الذي قال إنَّ "التوجه نحو الشرق أو الغرب ليس من مبادئنا، وإن تركيا قريبة من الغرب على المسافة نفسها من الشرق".
في هذا الكلام الواضح ما يدلّ على تمسك تركيا بموقف الحياد، كما يصفه البعض، ولكن الكلام أتى على عكس الخطوات التي أقل ما يقال إنها استفزاز صريح لروسيا والرئيس بوتين "الصديق"، ومن ذلك:
أولاً: لم تكتفِ تركيا باستقبال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في إسطنبول قبل قمة الناتو التي عُقدت في ليتوانيا، بل أعرب رئيسها عن دعم بلاده لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، ما يعني أنه مسّ الخط الأحمر لدى موسكو التي دخلت المواجهة وأعلنت الحرب لهذا السبب بالذات.
ثانياً: لم تنتهِ الأمور عند هذا الحد، فالرئيس الأوكراني أعلن أنه أخذ معه في رحلة العودة إلى بلاده قادة كتيبة "آزوف"، الأمر الذي اعتُبر روسياً بأنه "خرق للوعد" الذي قطعته أنقرة بإبقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب.
ثالثاً: بعد عام على التصريحات التصعيدية للرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشأن رفضه انضمام السويد إلى الناتو، أعلن فور انتهاء الانتخابات، وبالتزامن مع جريمة إحراق القرآن الكريم، موافقته على دعم عضوية السويد بشرط طرح الأمر للتصويت في البرلمان التركي.
رابعاً: إعلان إردوغان تدشين مرحلة جديدة مع الولايات المتحدة عقب حديث ودي بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن على هامش قمة الناتو الأخيرة.
هذه التطورات الأربعة قرّبت تركيا أكثر من الغرب، ممثلاً بالولايات المتحدة، وباعدت المسافة عن روسيا، تحديداً عن لحظة 2018 وحضور إردوغان في مؤتمر بريكس في جوهانسبورغ سابق الذكر، وركزت الدور التركي كعضو أساسي في حلف شمالي الأطلسي.
هذا من الجانب التركي. أما من جانب دول البريكس الخمس، فلا شك في أنها ترحب بخطوة تركية في اتجاه الانضمام، استناداً إلى موقع تركيا وثقلها السياسي في الساحة الدولية من جهة، وسعيها لشد الخيوط التركية بعيداً من الغرب من جهة ثانية. كل ذلك مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ الصعوبات التي تعصف بالاقتصاد التركي من تضخم وغلاء معيشة وبطالة قد تخفف من حماسة ترحيب المجموعة التي تبحث عن اقتصادات صاعدة تساعدها في تحقيق أهدافها.
في دراسة بعنوان "التقييم الجيوسياسي لقبول تركيا الانضمام إلى مجموعة البريكس"، يطرح كاتبها في ختامها أسئلة لافتة ومثيرة للانتباه: ماذا سيفعل الرئيس إردوغان إذا طلبت دول الناتو من تركيا الاختيار بين الناتو والبريكس؟ وكيف تنظر روسيا، باعتبارها عدواً لحلف شمال الأطلسي، إلى وجود عضو في الحلف ضمن مجموعتها؟ وهل دخول تركيا سيشكّل فرصة أم تهديداً لها؟
ما زال إردوغان يتملص من الإجابة عن أسئلة: نعم - لا، وما زال قادراً على اللعب على التناقضات الدولية بين الغرب وروسيا، ولكن هذه التناقضات مستمرة في الغليان. وعند درجة سخونة عالية أكثر، قد يضطر إلى الإجابة الكاملة عن الخيار بين الشرق والغرب. وعندها قد لا يكون بوتين في الانتظار!