هل تصلح الوساطة التركية ما أفسدته "إسرائيل"
ردّ الفعل الإسرائيلي على زيارة هنية إلى تركيا أتى على لسان وزير الخارجية يسرائيل كاتس ليعبّر عن امتعاض "إسرائيل"، وتساءل حول إمكانية تضحية تركيا بمصالحها مع "إسرائيل" من أجل حماس؟
هل أيقن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ من يظلّ في الظلّ لا ظلّ له، وأنه حان الوقت لإعادة طرح تركيا الوساطة بين "إسرائيل" وحماس؟ بعد أن تعاملت أنقرة مع الحرب على غزة بعقل بارد أدى إلى انتقاد إردوغان داخلياً وخارجياً؟
أنقرة لم تكن راغبة في إثر عملية طوفان الأقصى واحتجاز رهائن في الظهور كما كانت منذ سنوات مساندة لحماس، في ظلّ سعيها لترميم علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي تجارياً ودبلوماسياً، لكنها طرحت مبادرة الوساطة التي يمكن أن تحقّق لها مكانة، لم تخمّن أن الحرب يمكن أن تستمر ستة أشهر ونيفاً، وأن تصبح حرب إبادة جماعية.
حماس والجهاد الإسلامي وفصائل المقاومة الأخرى في غزة لم تكن مستعدة لبحث أي وساطة في بداية الحرب، أصرّت على وقف إطلاق النار وتحوّلت الاتصالات بين تركيا وحماس في معظمها إلى قطر، مع احتفاظ مصر بدورها التقليدي.
حاول مسؤولو المخابرات التركية إجراء اتصالات مع حماس، بعد أن انتقلت قيادتها إلى قطر، لم يحصلوا على ردّ إيجابي على عروض الوساطة في المرحلة الأولى من الصراع، ساد نوع من الفتور في علاقاتهم مع حماس، إلا أنّ تقارير تحدّثت عن لقاءات عديدة جرت في الدوحة بين إسماعيل هنية ومبعوثين لإردوغان. عملت تركيا على إجراء محادثات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي زار أنقرة التي حثّته من أجل إجراء مصالحة في ظلّ الحرب التي بدأت تتوسّع إلى الضفة الغربية.
قرار قطر إعادة تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، في وقت تمرّ المحادثات "بمرحلة حسّاسة" بعد أن أدّت خلال الفترة الماضية دوراً رئيسياً إلى جانب مصر والولايات المتحدة، من أجل تأمين وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين. فالعلاقات التي تربط قطر بجميع الأطراف تعتبر حاسمة لتحقيق أيّ انفراجة، إلا أنّ قطر صرّحت مؤخّراً على لسان وزير خارجيتها أنه تمّت الإساءة الى دورها لأسباب انتخابية ومصالح ضيّقة بعد ضغوط إسرائيلية وأميركية.
تركيا وقطر ودور الوسيط
الردّ الإيراني على "إسرائيل" خلط الأوراق وبرهن أن باستطاعة إيران مدّ يدها على "إسرائيل"، ولا سيما أنها أكدّت حضورها في المفاوضات الجارية وأصبحت اللاعب الثاني في مواجهة "إسرائيل" والولايات المتحدة، وأنّ الردّ أثبت أنه يمكن لحرب غزة أن تتوسّع وتأخذ منحى خطيراً، الأمر الذي سيجبر الأميركي على التفكير بإنهاء الحرب.
في ظل هده الأجواء أتت زيارة إسماعيل هنية إلى تركيا ليلتقي الرئيس التركي إردوغان والوفد الفلسطيني المرافق بعد زيارة وزير خارجيته إلى قطر وخروجه بمؤتمر صحافي مع وزير الخارجية القطري لإشراك تركيا بالوساطة.
هل يمكن لقطر الانسحاب من دور الوساطة؟ قطر تسعى من موقفها إلى الردّ على الانتقادات ولا تنوي التخلّي عن دورها كوسيط، وهو دور يعتبر من الركائز الأساسية لسياسة القوة الناعمة التي يعتمدها البلد، لكن تركيا يمكن أن تؤدي أيضاً دور وساطة بفضل علاقاتها الإقليمية والدولية، فهل تتوافق مع الولايات المتحدة، وهل يمكن أن تنال موافقة "إسرائيل" على وساطتها إلى جانب مصر، وما هي الحوافز التي يمكن لتركيا تقديمها ويمكن أن ترضي الأطراف؟
ماذا دار في اللقاء؟
ردّ الفعل الإسرائيلي على زيارة هنية إلى تركيا أتى على لسان وزير الخارجية يسرائيل كاتس ليعبّر عن امتعاض "إسرائيل"، وتساءل حول إمكانية تضحية تركيا بمصالحها مع "إسرائيل" من أجل حماس؟
قال إردوغان لهنية إن تركيا فرضت سلسلة عقوبات على "إسرائيل" بينها قيود تجارية، وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أثناء زيارته لتركيا في شهر كانون الثاني/يناير قد شدّد على ضرورة قطع ما وصفها بـ "الشرايين الحيوية للكيان الصهيوني" الذي سيؤدي إلى وقف جرائمه. وكانت تركيا قد تعرّضت لانتقادات من بعض الأحزاب التركية بسبب استمرار تدفّق النفط والبضائع التجارية لـ "إسرائيل"، أثّرت على المشهد الانتخابي الذي أتى ضدّ مصلحة إردوغان وحزبه.
إردوغان خلال لقائه، شدّد على وحدة الصف الفلسطيني، وأكّد أن بلاده ستواصل لفت نظر المجتمع الدولي إلى الظلم الذي يعانيه الفلسطينيون. وناقش إقرار وقف إطلاق نار في غزة بأسرع ما يمكن، وزيادة المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح الرهائن وحل الدولتين من أجل سلام دائم. ويعتبر إردوغان من أشدّ منتقدي سياسة "إسرائيل" تجاه فلسطين، ويرفض تصنيف حماس كمنظمة إرهابية.
كما أنّ تركيا أعربت عن استعدادها لاستضافة الاجتماعات غير المباشرة بين "إسرائيل" وحماس، لعرض العقبات التي تمنع التوصّل إلى اتفاق تهدئة ووقف الحرب في محاولة للتوصّل إلى نقاط مشتركة.
وفي حال حصلت تركيا على موافقة حماس و"إسرائيل" على وساطتها، ستتجه لطرح مبادرة جديدة، تركّز أوّلاً وقبل كلّ شيء على وقف إطلاق نار مؤقت مدة أسبوعين على الأقل، وستتمّ خلالها مناقشة باقي ملفات الصفقة.
وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قد صرّح خلال زيارته للدوحة حول قبول ممثّلي حماس حلّ الدولتين، وأوضح فيدان أن "حماس لن تحتاج بعد ذلك إلى وجود جناح مسلّح وستستمر في الوجود كحزب سياسي.
أما هنية فهو حثّ مصر وتركيا وقطر وكلّ الدول الأوروبية على لجم العدوان الإسرائيلي ومنع الدخول إلى رفح، بل وضرورة الانسحاب الكامل من قطاع غزة وإنهاء العدوان. وأكد أن الفلسطينيين لن يرفعوا الراية البيضاء، والمقاومة في رفح مستعدة لتدافع عن نفسها ولا تفريط في الحقوق، سواء فيما يتعلّق بقضية غزة وشروط وقف العدوان، أو فيما يتعلق بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس.
تبدو حماس متمسّكة بأن تكون تركيا وروسيا من الدول الضامنة لأيّ اتفاق مقبل، وهو ما ترفضه "إسرائيل"، ورغم عشرات الأوراق المتبادلة عبر الوسطاء، لم توافق على وقف إطلاق النار، بل تريد استعادة أسراها، ثمّ استئناف الحرب على غزة، وتريد للمقاومة أن توافق على خرائط لانتشار "الجيش" الإسرائيلي، وشرعنة احتلال القطاع أو جزء من القطاع.
حماس تريد تثبّيت دول مصر وقطر وتركيا وروسيا إلى جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة أطرافاً ضامنة للاتفاق، لكن في كلّ مرة الجانب الإسرائيلي يرفض أن تكون تركيا وروسيا ضمن الدول الضامنة.
هل يمكن للوساطة التركية بين حماس و"إسرائيل" أن تكون مثمرة
تعتمد تركيا على شبكة من العلاقات على المستويين العربي والإقليمي، فهي دولياً عضو في "الناتو" وتحوز على الثقة الأميركية ويمكنها تأدية دور محوري في الأزمة الأخيرة بغزة بمشاركة الدول الفاعلة في القضية، وفي ظلّ الضعف العربي يمكن لإردوغان البراغماتي ممارسة دور تغطية هدا النقص الفادح، بالتنسيق مع مصر، وهو مبدئياً يحوز على الثقة الأميركية في تأدية دور في المفاوضات وتهدئة الأوضاع في المنطقة بالتعاون مع الدول الفاعلة في القضية.
انتقد إردوغان "إسرائيل" في حربها ضدّ غزة، لكنه لم يقطع حبل التجارة معها سوى مؤخراً، فامتنع عن تصدير 54 صنفاً تجارياً، وانتقد نتنياهو بعنف لأنه لم يقطع حبل الود مع الرئيس هرتزوغ، للدلالة على أن العلاقة مع "إسرائيل" لا تتحدّد بالعلاقة مع حكومة نتنياهو، وهو رغم انتقاداته لـ "إسرائيل" لم يسحب سفيره بل استمر في العلاقة ليبرهن للولايات المتحدة أهمية علاقته بها، ولا سيما أنّ إردوغان سيزور البيت الأبيض لأوّل مرة بعد أربع سنوات، ولديه جملة مطالب من الحليف الأميركي اقتصادية وعسكرية بعد أن أثبت بالملموس صدقيّته في التعامل معها ومع حلفائها.
الأهم هو أنه سيكون في منطقة الوسط بين إيران الداعمة للمقاومة و"إسرائيل" والولايات المتحدة، فإلى أيّ حد يمكنه تأدية دور فعّال بعد أن سبق لوزير خارجيته طرح أهمية حلّ الدولتين مقابل سلاح المقاومة، ويأتي الطرح منافياً لرفض الولايات المتحدة حل الدولتين واستعمال الفيتو في مجلس الأمن الدولي!