هل تأخر سعادة الشامي في إعلان افلاس الدولة اللبنانية؟

نائب رئيس الحكومة اللبنانية، إن عدّ أن كلامه بشأن الإفلاس اجتُزئ، ولنسلّم جدلاً بأنه أتى في سياق ردٍّ على سؤال، غير أن ما لا يمكن نكرانه أنه قال، بالفم الملآن وعبر شاشة متلفَزة، صوتاً وصورةً، إن الدولة ومصرف لبنان مفلسان.

  • هل تأخر سعادة الشامي في إعلان افلاس الدولة اللبنانية؟
    يفاخر حاكم المصرف المركزي بأن لبنان صاحب ثاني أكبر احتياطي من الذهب في المنطقة العربية

بين الضجة التي أحدثها تصريح نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، رئيس الوفد المفاوض مع صندوق النقد الدولي، سعادة الشامي، بشأن إفلاس الدولة اللبنانية ومصرف لبنان، وبين المجاعة التي بدأت تطرق أبواب اللبنانيين، خرج التفاوض مع الصندوق بإعلان أقل من اتفاق (اتفاق على مستوى الموظفين) غير ملزم إلى الآن لأيّ من الطرفين اللبناني والصندوق، سوى في نيّات كل منهما تجاه الآخر بشأن خطة لمعالجة الأزمة في لبنان.

اتفاق مرهون بتحقيق لبنان شروطاً قاسية مسبَّقة، كمقدمة تخوّل لبنان الحصول على ثلاثة مليارات دولار مقسَّطة على  أعوام، يأمل حاكم المصرف المركزي اللبناني الحالم، من خلال هذه الشروط، إذا ما طُبِّقت وسارت الأمور كما هو مرسوم، أن تصل لاحقاً قيمة المنح والقروض والمساعدات، التي ستتدفق على لبنان في أعوام لاحقة، إلى  مليار دولار، في حسبة أشبه بـ "شروة سمك في البحر"...

أمّا الشروط التي يفرضها الصندوق على لبنان ليصبح الاتفاق ذا معنى وقابلاً للتطبيق، وليحظى بعدها برنامج ضخ المليارات الثلاثة بموافقة إدارة الصندوق، فيلزمها مسار يستغرق عدة شهور...

المتفائلون يجزمون بأن إطار الاتفاق الذى تمّ إلى الآن يؤشر على نية دولية في الحد من الانهيار، لتبدأ بعدها مسيرة التعافي. والبعض المتشائم يخشى أن يسبق سيف الانفجار العزل، وخصوصاً أن الشروط التي يفرضها الصندوق ما زالت موضع تباين داخلي، وتتلخص في إقرار موازنة عام 2022، وتعديل قانون السرية المصرفية، وإقرار مشروع قانون الكابيتال كونترول، وإعادة هيكلة قطاع المصارف والمالية العامة.

ولم يعد يقتصر التباين على الشروط تلك، من ناحيتيها التشريعية والتقنية، بل بدأ يتعداها إلى نيّات صندوق النقد، من أن يكون وسيلة لإملاءات سياسية، دلت تجارب عدد من الدول مع هذا الصندوق عليها.

ليس هذا التباين، على الرغم من أهميته، هو الوحيد، فلعبة الإفقار ستتصاعد في موازاة هذه الشروط، من خلال تحميل المودعين خسائر لا تقوى على حملها في عملية "قص الشعر" haircut، الأمر الذي يعني فرض اقتطاع على قيمة الوديعة بمنزلة الضريبة أو سندات الدين السيادية وفوائدها ضمن آليات وشروط تحدَّد قانوناً، وذلك في إطار حسبة توزيع الخسائر... وإذا كان سعي البعض لتوزيع تلك الخسائر بين المودعين والمصارف والمصرف المركزي والدولة، فإن العوامل الضاعطة ستُلقى على المودعين بنسبة كبيرة، لأنهم متروكون لقدرهم، بينما للجهات الثلاث الأخرى رب يرعاها.

نائب رئيس الحكومة، إن عدّ أن كلامه بشأن الإفلاس اجتُزئ، ولنسلّم جدلاً بأنه أتى في سياق ردٍّ على سؤال، غير أن ما لا يمكن نكرانه أنه قال، بالفم الملآن وعبر شاشة متلفَزة، صوتاً وصورةً، إن الدولة ومصرف لبنان مفلسان، وهذا واقع صحيح، وإلّا فما مبرر رفع الدعم عن المواد الحيوية، وحاكم المصرف المركزي يردِّد، ليل نهار، أن ليس لدينا أموال لنُبقي على دعم هذه المواد، وفي مقدمها الدواء والمحروقات، والقمح في طريقهما؟ ثم ما معنى أن تتخلَّف الدولة، منذ قبل ثلاثة أعوام، عن دفع استحقاقاتها الدولية من سندات اليوروبندز وسواها؟ فالدولة ومصرف لبنان مفلسان، بل أكثر: الكارثة وقعت.

يحدثونك عن ثراء الدولة عبر الأصول التي لا تزال تمتلكها من مرافق وآلاف الهكتارات من الأراضي. لكن، أين هي المرافق التي ستدرّ الملايين؟ مرفأ بيروت المدمَّر؟ أم مؤسسة كهرباء لبنان التي ما عادت تصلح للبيع حتى كخردة؟ أم مشروع السكك الحديدية للنقل الداخلي والنقل الخارجي؟ أم وألف أم... أم ستعمد إلى بيع أراضيها، وأي منها؟ البحرية أم النهرية، وسط غابات المخالفات والسطو ووضع اليد عليها؟ أم يجب أن تعمد إلى توزيع حصص من أمتار الأراضي على المواطنين المنكوبين؟

يفاخر حاكم المصرف المركزي بأن لبنان صاحب ثاني أكبر احتياطي من الذهب في المنطقة العربية، بقيمة  17.547 مليار دولار، من دون أن يوضح لنا كم هو عدد الدول العربية التي تمتلك احتياطياً من الذهب، وماذا لو كانت المرتبة الثانية هي المرتبة الأخيرة؟

يفاخر، من دون أن يوضح لنا ما إذا كانت الإفادة من الذهب، ستكون عبر هندسات ذهبية صفراء، على غرار الهندسات المالية على بياض للمصارف في عام 2016؟

ثمّ مَن يمكنه أن يوضح لنا، نحن الشعب اللبناني العظيم بنكبته، كيف أن ما يقارب 38 مليار دولار أميركي من احتياطي المصرف المركزي تبخّر أكثر من ثلثيها، منذ بداية الأزمة قبل عامين ونصف عام، ولم نستطع القيام بخطوة واحدة تحدّ الانهيار؟ ليجيء اليوم حاكمه المركزي معوّلاً على احتياطي الذهب، أو مرتاحاً بإيجابية إلى الاتفاق مع صندوق النقد وملياراته الثلاثة، على مدى  أعوام؟ لنبدأ خطة النهوض؟ 

صحيح إن أمعاء اللبنانيين أصبحت خاوية، لكن لا تراهنوا على خواء عقولهم، التي ما زالت تعمل، ولو في حدّها الأدنى، جرّاء خواء مسؤوليهم من أي حس بالمسؤولية، ومن أي كفاءة في ابتكار حلول وخطط إنقاذية، في حدها الأدنى.

بلد عاجز عن الإيفاء بالتزاماته؛ دولة تعتمد على مصرفها المركزي لتمويل حركتها واحتياجاتها؛ مصرف مركزي يستند إلى مساهمات مصارف القطاع الخاص بفوائد تفوق الوصف على عملة غير عملته، من أجل مدّ الدولة بالسيولة وبالاكتتاب في سنداتها الورقية؛ مصارف تعتمد على اكتتابها في سندات الدولة وعلى مدَّخرات المودعين؛ عجز في ميزان المدفوعات؛ عجز في الميزان التجاري... الدولة المفلسة تستنزف المصرف المركزي، الذي أفلس ويمتنع عن تغذية المصارف بسبب إفلاسه؛ مصارف خاصة محرومة من أموالها من المركزي بعد أن هرّبت ما هرّبته من أموال إلى الخارج، وتمتنع عن سداد أموال المودعين، والمودعون في خطر حقيقي وواقعي من خسارة ودائعهم، ويَطْلع عليك مسؤولون كبار ليجمّلوا لنائب رئيس مجلس الوزراء قوله عن الإفلاس، في مراوغة ما بعدها مراوغة، مستحضرين من القاموس النقدي ما تيسَّر من مفردات تميّز بين الملاءة والسيولة، كأن شعب لبنان ما زال في عصر مدرسة تحت السنديانة، متجاهلين أنه حتى أغلبية أطفاله وشبّانه تحدثك بلباقة سياسية واقتصادية يعجز عن فهمها بعض مَن هم في السلطة، وكثيرون من المرشحين للانتخابات النيابية المرتقبة لتجديد السلطة، التي ستحكمنا وتتحكّم في رقابنا في المدى المنظور. 

وهناك بعض من يسأل: تُرى، هل تأخَّر الشامي في إعلان إفلاس لبنان؟ نعم، لقد تأخَّر كثيراً، وصندوف النقد الدولي، إذا ما قُدِّر للاتفاق أن يسير على وقع ما هو مرسوم، فإننا جميعاً سنصبح في مرحلة جديدة من انتداب اقتصادي تُدار مفاصله السياسية على وقع ما حدث في بلدان، لها تجارب مع هذا الصندوق، وما أدراك ما في في داخله. 

بالفعل... لقد تأخر الشامي كثيراً.