هل بدأت "إسرائيل" باختراق المجتمع المغربي؟
يبقى الهدف البعيد المدى للعدو الصهيوني هو ضرب النسيج المجتمعي المغربي، من خلال التحريض بين العرب والأمازيغ.
قبل شهر تقريباً، كتبتُ مقالاً في موقع "الميادين نت" يحمل عنوان "التطبيع الثقافي مع الدول المغاربية مصلحة إسرائيلية"، أشرت فيه إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه المثقفون وبعض الجمعيات في الدول المغاربية لتوجيه الرأي العام المغاربي إلى اختراق عقول الشعوب المغاربية تحت شعارات زائفة، مثل قبول ثقافة الآخر وإشاعة قيم التسامح ونبذ الكراهية، وكذلك دفعهم إلى التعريف بقضيّة "الهولوكوست" وسط الرأي العام المغاربي، كحقيقةٍ مُطْلَقةٍ لا ترقى إلى الشك، والإيعاز إليهم بالدفاع عنها.
وكما كان متوقّعاً، نظّمت جمعية "موشيه بن ميمون" للتراث اليهودي مائدة مستديرة في المركز الثقافي في مدينة الناظور لإحياء ذكرى المحرقة "الهولوكوست"، حضرها ممثلون عما يُسمى "منظمات المجتمع المدني" وأساتذة متخصّصون في التاريخ عامة، والتاريخ اليهودي بصفة خاصّة، بحسب صحيفة "دليل الريف" الإلكترونية التي تصدر في منطقة الريف.
وبحسب الصحيفة نفسها، تناولت المائدة المستديرة أيضاً التعريف بمسألة التراث الثقافي اليهودي في المغرب والتعايش بين الأديان في منطقة الريف.
كان الأمر سيبدو طبيعياً لو تعلَّق بندوة التعايش بين الأديان في الريف والمغرب، لكنَّ مزج المحرقة بالتعايش يجعل العديد من التساؤلات تُطرح حول علاقة الثقافة اليهودية بالمحرقة وخلفيات هذه المائدة المستديرة!
أولاً، لا بدَّ من الإشارة إلى أنّ الثقافة، كما يشير إليها تايلور، هي نظام متكامل يشمل كلّاً من المعرفة والفن والقانون والعادات والتقاليد والأخلاق، في حين أنَّ الهولوكوست، بحسب معجم "لاروس" الفرنسي، تضحية قديمة عند اليهود تحرق فيها الضحية بالنار.
إذاً، يتّضح أنَّ المزج بين محوري النقاش في هذه الندوة ينطوي على عدة مغالطات تهدف إلى تمرير قضية الهولوكوست من خلال إدماجهما ضمن مضامين المائدة المستديرة رغم تناقضهما، من أجل ترسيخها في عقول الشباب المغربي، كقضية مسلم بها لا ترقى إلى النقاش، من دون البحث في حقيقتها وأهدافها، لأنَّ أغلب الشباب الحالي الدي حضر الندوة ربما يجهل جذور الصراع وامتداداته التاريخية والدينية، وهو ما يعضده الحضور الكثيف لبعض الدارسين في التاريخ، وإلا ما معنى هذا الحضور؟
الملاحظ أنَّ الكيان الصهيوني يركز منذ مدّة على المناطق الأمازيغية بشدة، سواء في سوس أو الأطلس المتوسط أو الريف، لتحقيق عدة أهداف:
- تمرير العديد من أطروحاته الكاذبة، للإيحاء بأنَّ الصراع حول فلسطين هو صراع بينه وبين العرب فقط، وليس صراعاً ذا بعد ديني وحضاري يستهدف أركان الأمة الإسلامية وضرب قيمها الإسلامية، والهدف من ورائه استمالة العنصر الأمازيغي إلى صفه، وهذا ما جعل بعض النشطاء الأمازيغ في أحاديثهم يقولون إنَّهم غير معنيين بما يقع في فلسطين، فهذا صراع بين العرب واليهود، وهم ليسوا عرباً. وإذا كان هناك تضامن مع الفلسطينيين، فذلك من باب الإنسانية لا غير.
وإذا عدنا إلى التاريخ، نجد أنَّ الأمازيغ المغاربة شاركوا في الحروب الصليبية دفاعاً عن بيت المقدس، تحت لواء الناصر صلاح الدين الأيوبي الَّذي تم بفضله تحرير بيت المقدس، وأبلوا بلاءً عظيماً. لهذا، قال فيهم قولته الشهيرة، عندما سُئِلَ عن سبب إسكانهم بيت المقدس: "أسكنتُ هنا من يثبتون في البر، ويبطشون في البحر، وخير من يُؤتَمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة".
- إيهام المغاربة الأمازيغ بأنّ اليهود عانوا مثلهم من العنصرية والتهميش. هذه المقولة يروجها الكيان الصهيوني، حتى في دول أفريقيا، رغم أنه النظام الأكثر عنصريةً ودمويةً في العالم في ما يقترفه من سياسات قمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولا يجد حرجاً في التحالف مع الحركات الأكثر عنصرية وتطرفاً في العالم.
وخير مثال على ذلك، العلاقة الآثمة التي كانت تربط بين نظام بريتوريا العنصري الَّذي ساد في جنوب أفريقيا والكيان الصهيوني في فترة الأبارتهايد، وآية ذلك الرسالة الشهيرة التي بعثها الزعيم الروحي للحركة الصهيونية تيودور هرتزل إلى سيسيل رودس، رئيس وزراء جنوب أفريقيا المعروف بوحشيته وعنصريته تجاه "السود"، لكي يؤيّد الأخير المساعي الاستعمارية الصهيونية في فلسطين المحتلة.
ويبقى الهدف البعيد المدى للعدو الصهيوني هو ضرب النسيج المجتمعي المغربي، من خلال التحريض بين العرب والأمازيغ والإيقاع بينهما، عبر دفعهما إلى البغضاء والكراهية، وهو ما حذَّرت منه سابقاً أكثر من مرة الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد الدكتورة نبيلة منيب بأنّ المغرب يواجه خطر التّقسيم.
لا ينكر أحد حقيقة أنَّ اليهود المغاربة عاشوا جنباً إلى جنب مع نظرائهم المسلمين المغاربة منذ العصور القديمة في تعايش ووئام وحسن جوار، ليس في منطقة الريف وحدها، بل في كل المناطق المغربية أيضاً، وكان لهم نصيبٌ وافرٌ في الإسهام في التاريخ والثقافة المغربية، باعتبارهم مكوناً من المكونات الثقافية والعرقية التي يتميز بها المغرب.
وإلى حدود العام 1948 الّذي عرف قيام الكيان الصهيوني، سارع اليهود المغاربة البالغ عددهم حوالى 250 ألف يهودي الى الهجرة نحو "إسرائيل"، بعدما خدعتهم الدعاية الصهيونية المزعومة بقضية أرض الميعاد، وأنهم في خطر.
أما مسألة الهولوكوست، فما زال عمل الباحثين والأكاديميين حول العالم قائماً حولها للتأكّد من صدقيتها، رغم أنَّ العديد ممن كتبوا في هذا المجال جعلوها موضع شكّ، مُسَلَّمِينَ بوجودها، لكنّهم رأوا أنها لا تقتصر على اليهود، بل تشمل كل ضحايا النزعة الهتلرية الذين قضوا في المعسكرات النازية.
وقد سُئِلَ المفكّر اللبناني المرحوم عمر فروخ ذات مرة عن حقيقة الهولوكوست - في مجلة "الجهاد" الليبية التي كانت تصدر في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي - فأجاب: "لقد عشت في ألمانيا في زمن العهد الهتلري... صحيح أنَّ هتلر قام بإقصاء اليهود الألمان من المناصب الحيوية. أما مسألة قتل 5 ملايين يهودي، فهو رقم مبالغ فيه".
ربما هي المرة الأولى التي تُعقد فيها مثل هذه الموائد المستديرة، ولكنها لن تكون الأخيرة أيضاً، لأنَّ الكيان الصهيوني سيحاول توسيع مثل هذه الأنشطة عبر بعض الجمعيات الثقافية مستقبلاً في ربوع المغرب للترويج لمزاعمه، وهو يعزم على تنفيذ مخططاته المتمثّلة باختراق الشعب المغربي بأي ثمن، لكن الفشل سَيُخَيِّبُ مسعاه.