هل انتهى خطر تهديد استقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي؟
التصويت على الموازنة يعد بمنزلة تجاوز الامتحان الأصعب والتحدي الأول اللذين راهن عليهما نتنياهو.
أقرّ الكنيست لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي موازنة 2021-2022، وهي المرة الأولى التي يتمّ فيها التصويت، منذ أكثر من ثلاث سنوات، وُصفت بسنوات الفوضى السياسية داخل "إسرائيل"، بعد فشل بنيامين نتنياهو في الحصول على موافقة كل الأحزاب الإسرائيلية في فترة ترؤّسه حكومة الاحتلال على مدار السنوات الماضية، وشكّل هذا الملف التحدي الأكبر أمام حكومة "الائتلاف الإسرائيلي"، الذي يتزعّمه نفتالي بينيت، الرئيس الحالي لحكومة الاحتلال الإسرائيلي.
وتُعتبر هذه الخطوة بمنزلة تجاوز الامتحان الأصعب والتحدي الأول، اللذين راهن عليهما بنيامين نتنياهو، الرئيس السابق لحكومة الاحتلال، بشأن عدم القدرة على إقرار الميزانية الإسرائيلية، وما يترتب عليها من تداعيات كبيرة على المشهد الداخلي الإسرائيلي.
وصوّت الكنيست، لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر بالموافقة على مشروع موازنة العام المالي 2021-2022، بأغلبية 61 عضواً، بينما عارضه 59، من إجمالي 120 عضواً في "الكنيست الإسرائيلي"، إذ تُعتبر الموازنة الأضخم في تاريخ كيان الاحتلال الإسرائيلي، بحيث اقتربت من 200 مليار دولار. فوزارة التعليم، أو ما يُعرف بـ"وزارة المعارف الإسرائيلية" حصلت على أعلى ميزانية مالية، تليها "وزارة الأمن"، ثم وزارة الصحة.
بحسب "القانون الإسرائيلي"، وفي حال فشل الكنيست في التصويت على إقرار الموازنة، يُحَلّ فوراً، ويتم الذهاب إلى انتخابات خامسة جديدة بعد 90 يوماً. وهذا ما راهن عليه بنيامين نتنياهو خلال الفترة التي سبقت إقرار الموازنة. وبالتالي، تُعتبر موافقة الكنيست على الموازنة الإسرائيلية تجاوزاً للتحدي الأول أمام استمرار "الائتلاف الإسرائيلي"، وتجنُّب سقوطه والذهاب إلى خيار انتخابات إسرائيلية جديدة.
وبذلك، يصبح بنيامين نتنياهو، بعد إقرار الميزانية، هو الخاسر الأكبر إسرائيلياً. لكن السؤال المهم، والذي يطرح نفسه هنا، هو: هل انتهى خطر تهديد استقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي عبر إقرار الميزانية؟
معروف أن تركيبة حكومة الاحتلال الإسرائيلي غير متجانسة، إلى حدّ كبير، والخلافات داخل الائتلاف الحكومي كثيرة وواضحة، ولا يستطيع أيّ مسؤول إسرائيلي نفي ذلك. ولأنها غير متجانسة، فلكل من الأحزاب داخل "الائتلاف الإسرائيلي" حسابات وطموحات مغايرة عن حسابات الآخر. وهناك قضايا ما زالت محل خلافات كبيرة.
وعلى الصعيد الداخلي الإسرائيلي، أرجأ رؤساء الأحزاب الإسرائيلية قضية التشريعات والقوانين المهمة إلى ما بعد إقرار الميزانية، بهدف منع أي خلافات من شأنها أن تهدّد استقرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أو تؤدي إلى سقوطها. وحتى بعد إقرار الموازنة، هناك مئات القضايا ما زالت تحتاج إلى التوافق بشأن كيفية إنفاقها، وأيّ القطاعات ستنتعش، وأي منها سيعاني جرّاء التقليص، ناهيك بـ"قانون كمينيت" الإسرائيلي، والذي يتعلق بمنع لمّ شمل العائلات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل، وهو يُعَدّ أحد أكثر القوانين عنصرية ولاإنسانية، وتتصدّى له آيليت شاكيد، وزيرة داخلية الاحتلال الإسرائيلي، بصورة كبيرة. ولعلّ من أبرز القضايا الخلافية أيضاً في "الائتلاف الحكومي الإسرائيلي"، مشروعا قانون يدفعهما وزير القضاء لدى حكومة الاحتلال، جدعون ساعر، كمشروعَي قانون حكوميين، هما مشروع قانون تقييد فترة ولاية رئيس حكومة الاحتلال، ومشروع قانون منع متَّهَم بمخالفات جنائية من تشكيل حكومة.
وعلى الرغم من أن نفتالي بينيت لم يعبّر عن موقفه الواضح منهما، فإنّ وزيرة داخلية الاحتلال، آيليت شاكيد، وهي من حزب "يمينا"، عبّرت عن معارضة شديدة أخرى لكِلا مشروعي القانون، بالإضافة إلى عدد من القضايا الداخلية الإسرائيلية والسياسية والأمنية الأخرى. وبالتالي، تبقى مساحة المناورة أمام هذه الحكومة محدودة وضيقة جداً.
حكومة الاحتلال الإسرائيلي الحالية ليست حكومة سياسية مستقرة، على نحو كامل. وعنوانها الرئيس كان، وما زال، إطاحة حكم بنيامين نتنياهو، ونجحت في ذلك. وعلى الرغم من النجاح في اجتياز التحدي الأول أمامها، والمتمثّل بإقرار الميزانية، فإن الخلافات الأيديولوجية فيها تبقى كبيرة، وعلى رأسها الاستيطان في الضفة الغربية، والذي يشكّل عقبة حقيقية أمام استقرار حكومة الاحتلال، والذي يدعمه، بصورة مباشرة، وزيرُ الأمن من جهة، ومن الجهة الأخرى نفتالي بينيت، الذي يريد أن يعزّز مكانته داخل حكومة الاحتلال.
فالأخير لا يمتلك مقاعد كبيرة داخل هذا الائتلاف، وأقرّ مؤخَّراً بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية استيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، من أجل تعزيز مكانته. لكن هذه القضية ستبقى محل خلاف داخل "الائتلاف الإسرائيلي"، بصورة كبيرة.
ملفات سياسية وأمنية أُجِّلت، وما زالت عالقة، وهي ملفات ذات تعقيدات أكبر، مطروحة على الطاولة في وجه حكومة الاحتلال الإسرائيلي، كملف صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وملف إعادة إعمار قطاع غزة، وملف الاستيطان، وملف إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة من أجل تقديم الخدمات إلى الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلَّتين، وطُلب من أميركا رسمياً تأجيل البتّ في هذه القضية إلى ما بعد إقرار الميزانية، بالإضافة إلى عدد من القضايا الأمنية التي تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي.
لا شكّ في أن حالة رضاً أميركية عن "حكومة الائتلاف الإسرائيلي"، بزعامة بينيت، كانت صدرت مؤخراً عبر تصريحات من الخارجية الأميركية. لكن هذه الحكومة ما زالت تسير في طريق وعرة. وكلما تقدَّمت الأيام زاد الخطر والتهديد بسقوطها. فشبح بنيامين نتنياهو، الذي ما زال تحت قبة "الكنيست الإسرائيلي" قائمٌ ويلاحقها على الرغم من ملفات الفساد والمحاكمات ضده. لكنها لم تستطع حتى الآن إزالة خطر هذا الشبح الذي يطاردها. كما أن جملة من الملفات الملحّة ما زالت ملقاة في وجه الائتلاف، وتشكل عقبات أساسية أمام استمراره. فمن المهم أن ندرك أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في تجانسها وهشاشتها، لا تستطيع اتخاذ أي من القرارات الحاسمة، لا على المستوى السياسي ولا الأمني، سواء فيما يتعلق بالخلاف والتباين القائمين في قضية الاستيطان وفي صفقة تبادل الأسرى، أو حتى في التحديات الأمنية في الجبهات الثلاث، مع المقاومة في قطاع غزة، ومع المقاومة الإسلامية وحزب الله في لبنان، ومع جبهة سوريا، أو حتى في الملف النووي الإيراني الذي يؤرّق الاحتلال، صباح مساء.