من شرم الشيخ إلى العقبة وما بعدها.. الهدف إيران دائماً
تتحدث المعلومات عن تنسيق إماراتي – تركي – سعودي – أميركي، وإسرائيلي من خلف الستار، من أجل الحدّ من الدور الإيراني في العراق.
بعد خمسة أيام من قمة شرم الشيخ، التي حضرها الرئيس السيسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بينيت، لم يُفاجَأ أحد بلقاء النقب الذي حضره وزير خارجية هذا الكيان ومعه وزراء خارجية الإمارات والبحرين ومصر والمغرب، بإشراف ورعاية من أميركا التي مثّلها حضور الوزير بلينكن، الذي اكد أن "الإدارة الأميركية ملتزمة أمن إسرائيل، قولاً وفعلاً". وهذا ما أكدته الدول الأخرى من خلال مشاركتها في لقاء النقب، وقبله شرم الشيخ، ولقاءات أخرى سرية وعلنية. ولم يخطر في بال مسؤولي هذه الدول "أن "إسرائيل" هي التي تحتلّ فلسطين والجولان وشبعا، وهي التي تقتل الفلسطينيين يومياً، وهي التي تهدِّد بسلاحها النووي الأمن والسلام في المنطقة برمتها".
لقاء النقب، الذي دفع واشنطن إلى تأخير الاتفاق النووي، بحسب الرغبة الإسرائيلية، التي تحظى بموافقة تركية ـ عربية، ضمنيةً كانت أو مكشوفة، يبدو واضحاً أنه يهدف إلى صياغة مرحلة جديدة من التنسيق والتعاون الإقليميَّين.
يفسر ذلك الزيارة المفاجئة (أمس الاثنين) لوزير الخارجية القطري محمد عبد الرحمن آل ثاني إلى القاهرة ولقائه نظيره المصري سامح شكري، في وقت كان بلينكن يشرح هاتفياً لنظيره السعودي فيصل بن فرحان تفاصيل اجتماع النقب. وقد بات واضحاً أن هذا الاجتماع مثل قمة شرم الشيخ ومثل تصريحات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط لجريدة "الشرق الأوسط" أمس الإثنين، تستهدف جميعاً وبلغة إسرائيلية، طهران، سواء على نحو مباشر أو غير مباشر، عبر سوريا ولبنان واليمن، والأهم من ذلك العراق، على اعتبار أن العراق هو همزة الوصل بين إيران وسوريا، ومنها إلى لبنان، حيث التآمر الخليجي ما زال مستمراً على أشده، وفي أكثر الأشكال والأساليب شناعةً ضد شعبه، في كل أديانه وطوائفه وفئاته السياسية والاجتماعية.
وتتحدث المعلومات عن تنسيق إماراتي – تركي – سعودي – أميركي، وإسرائيلي من خلف الستار، من أجل الحدّ من الدور الإيراني في العراق، عبر دعم تحالف مقتدى الصدر مع مجموعتي "تقدم"، التي يتزعّمها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، و"عزم" بزعامة خميس الخنجر (زارا الإمارات في الـ26 من كانون الأول/ديسمبر 2021، وتركيا في الـ26 من شباط/فبراير الماضي)، يُضاف إليهما حليف أنقرة و"تل أبيب" التقليدي، مسعود البرزاني. كما تتحدث المعلومات عن مساعي أنقرة والأطراف المذكورة لإقناع الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة عائلة الرئيس الراحل جلال الطالباني، بالانسحاب من تحالفاتها مع الكتل الشيعية المقرَّبة من إيران، والتي تدعم الرئيس الحالي برهم صالح.
التحرك العربي، الذي يهدف إلى إقناع دمشق بـ"إعادة النظر في تحالفاتها العسكرية" مع إيران، كأحد الشروط الاساسية لإعادتها إلى الجامعة العربية، وبالتالي لمساعدتها على إعادة الإعمار، يريد لتحركاته هذه أيضاً أن تضع حزب الله في موقف حرج في علاقاته بدمشق وطهران معاً، وهو ما تسعى إليه "تل أبيب" منذ زمن طويل، باعتبار أن الخطر الأكبر والأهم الذي يهددها هو حزب الله، وعلى اعتبار أن التخلص من هذا الحزب يتطلّب بالضرورة تضييق الحصار على دمشق وطهران معاً، أو كل على حدة. ومن ذلك إقناع دمشق بتغيير موقفها في مقابل المليارات من الدولارات، مع موقف إسرائيلي ـ تركي "مرن" تجاه الأزمة السورية، في شقيها الشمالي والجنوبي، بل حتى الشرقي، بضوء أخضر أميركي، على أن يكون هناك موقف مرن مماثل تجاه إيران في المباحثات النووية، وإلاّ فإن الجميع سيكون ضدها، كما هي الحال عليه الآن.
وهذا ما جرَّبته وتجرّبه كل الدول المذكورة منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، تارةً بدعم صدام حسين في حربه ضد إيران، وتارة أخرى عبر العقوبات والحصار، وأخيراً من خلال الاغتيالات التي تستهدف أهم رموزها النضالية، ومن دون أن ننسى تبنّي كل هذه الأطراف للمقولات الطائفية التي استهدفت إيران بسبب دعمها سوريا في أعوام "الربيع العربي" الدموي، وكانت "إسرائيل" المستفيدة الوحيدة منها أبداً.
وهذا ما أثبتته "اتفاقيات أبراهام" وما نتج منها من تحالفات جديدة، اكتسبت طابعاً عملياً في لقاءَي النقب وقمة شرم الشيخ، وزيارة المسؤولين الإسرائيليين لتركيا ( بينيت سيزور أنقرة قبل عيد الفطر)، في الوقت الذي يبدو واضحاً أن هذه التحالفات، عبر صِيَغ جديدة ومتعددة، ستستمر وفق السيناريوهات المكتوبة في واشنطن، التي توزّع الأدوار.
فالعاهل الأردني عبد الله (الزعيم العربي الذي يستقبله الرؤساء الأميركيون دائماً قبل غيره، بعد انتخابهم فوراً)، العدوّ التاريخي والتقليدي لآل سعود، والذي لم يشارك في قمة شرم الشيخ ولقاء النقب، هو طرف أساسي في التحالف المصري - العراقي - الأردني.
ويهدف هذا التحالف إلى جرّ بغداد، عبر حكومتها الجديدة، إلى التطبيع مع "تل أبيب"، التي تتمنى أنظمة المنطقة رضاها. ويتطلب ذلك بالضرورة إبعاد العراق عن طهران، التي كانت وما زالت، منذ الثورة الإسلامية، هدف كل التآمرات الإقليمية والدولية، على نحو مباشِر أو غير مباشِر. والسبب في ذلك واحد، وهو عداؤها للكيان الصهيوني، الذي كان حليفاً استراتيجياً للشاه، كما كان حليفاً لتركيا (1950-1960)، وإثيوبيا حتى إطاحة الإمبراطور هيلا سلاسي عام 1974.
كأًن التاريخ يكرّر نفسه، فـ"تل أبيب" عادت إلى تحالفاتها التقليدية مع أديس أبابا وأنقرة، وهذه المرة مع مزيد من العواصم العربية، التي استسلمت لها بعد أن وقفت جميعها خجلاً إلى جانب مصر عبد الناصر، وهي الآن في خندق التآمر، ليس ضد فلسطين فقط، بل حتى ضد شعوبها هي أيضاً. وهذه هي حال محمود عباس وأمثاله، ومنهم رئيس القائمة العربية الموحَّدة، الإخواني منصور عباس، الذي ساعد الصهيوني المتطرف نفتالي بينيت كي يكون رئيساً للحكومة الحالية، التي تحظى برضا ومباركة عربيين وتركيين، وعلى نحو يضمن لها أن تكون الآمر الناهي في المنطقة الممتدة من النيل، أي مصر والسودان وإثيوبيا، إلى الفرات ودجلة، حيث حدود إيران.
إن الحدّ من دور طهران سيساعد الصهاينة على إحكام سيطرتهم، ليس فقط على الأنهار، بل على البحار ومضائقها، من هرمز إلى باب المندب، ثم السويس، بل حتى جبل طارق، بعد أن ضمنت ولاء حكام المغرب، وستستخدمهم في مخططاتها ومشاريعها ضد الجزائر، وعبرها ليبيا.
وقد يفسّر ذلك الاتفاق التركي - الإماراتي - المصري بشأن ليبيا، والذي يهدف إلى إقامة نظام جديد لا يعادي "إسرائيل"، بل يساعدها على اختراق القارة السمراء من جديد، بعد أن فشلت في ذلك خلال القمة الأفريقية الأخيرة، والفضل في ذلك يعود إلى الجزائر.
وستكون الجزائر، من دون أيّ شك، هدفاً لتحركات عربية وإقليمية، تهدف إلى الحدّ من دورها القومي النضالي، ومن أجل إبعادها عن أي نهج يُزعج "إسرائيل" ويعرقل مشاريعها السياسية والاقتصادية والعسكرية، والأهم الدينية وسفسطاتها التاريخية!