من سيقرر مصير كرد سوريا.. الأتراك أم العرب وربما آخرون!
تضع العديد من الأوساط الغربية والتركية والإسرائيلية، وأحياناً العربية- الخليجية، سيناريوهات مختلفة لمستقبل سوريا وعبرها المنطقة عموماً بغياب الدور الإيراني بسبب أحداث غزة ولبنان وسوريا، وقريباً العراق.
استعداداً لمرحلة ما بعد إسقاط النظام في دمشق، وهو ما لعبت فيه أنقرة الدور الرئيسي، أطلق زعيم حزب "الحركة القومية" دولت باخشالي في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول مبادرته التي قال عنها إنها "تهدف إلى تحقيق المصالحة الوطنية".
باخشالي الذي حظيت مبادرته بدعم من الرئيس إردوغان كان قد دعا زعيم حزب "العمال" الكردستاني عبد الله أوجلان إلى حلّ حزبه، ووقف العمل المسلح ضد تركيا مقابل خروجه من السجن وحلّ المشكلة الكردية، سياسياً وسلمياً.
وكان باخشالي قد دعا أكثر من مرة، خلال الأعوام القليلة الماضية، إلى حظر نشاط حزب "الديمقراطية والمساواة الشعبية" الكردي (الحزب الثالث في البرلمان التركي)، كما سبق له أن ناشد إردوغان قبل 2016 لإعدام أوجلان.
تناقضات باخشالي هذه عدّتها بعض الأوساط السياسية مؤشراً لتطورات محتملة على الصعيدين الداخلي والإقليمي، وهو ما تحقق بسقوط النظام المفاجئ والمثير في دمشق، وبتدخل تركي مباشر، حسب كلام الرئيس ترامب.
وتسارعت الأحداث بعد ذلك، داخلياً وخارجياً، إذ سمحت السلطات لوفد من "حزب الديمقراطية والمساواة الشعبية" الكردي زيارة عبد الله أوجلان حيث يقبع في سجن إيمرالي منذ 25 عاماً.
وتكررت الزيارة في 22 يناير/ كانون الثاني، إذ ترددت معلومات أن أوجلان قد يلبّي دعوة باخشالي ويأتي إلى البرلمان التركي ويعلن حلّ الحزب ووقف العمل المسلح وذلك في 25 شباط/فبراير القادم، أي في الذكرى السنوية الـ 26 لاختطاف المخابرات الأميركية والإسرائيلية له من العاصمة الكينية نيروبي وتسليمه إلى تركيا عام 1999.
الرئيس إردوغان الذي يراقب هذه التطورات من كثب دعا رئيس إقليم كردستان العراق نتشيرفان برزاني إلى زيارة أنقرة في 16 أكتوبر/ تشرين الأول، وبحث معه التطورات المحتملة في هذا الملف، الذي اكتسب طابعاً عملياً بعد تغيير النظام في دمشق، إذ ترى أنقرة "وحدات حماية الشعب" الكردية أنها الذراع السورية لحزب "العمال" الكردستاني التركي.
وكرر الرئيس إردوغان دعوته هذه المرة لمسرور البارزاني، رئيس وزراء الإقليم، إلى زيارة أنقرة في 7 كانون الثاني/ يناير حيث قيل إن إردوغان طلب منه أن يلعب كرد العراق دور الوساطة بين أنقرة و"وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا بعد توحيدهم مع المجموعات الكردية الأخرى في سوريا.
ولبّى مسعود البارزاني هذا الطلب، ودعا مظلوم عبدي، القائد العام لقوات "قسد" إلى لقائه في أربيل في 16 الشهر الجاري وجاءها بمروحية أميركية برفقة ضباط أميركيين.
وأكد الطرفان ضرورة التواصل من أجل تحقيق وحدة الصف الكردي سورياً أولاً، وإقليمياً ثانياً، وكل ذلك بالتنسيق والتعاون مع أنقرة.
ويفسر ذلك الزيارة المفاجئة لمسرور البارزاني إلى كل من الأردن والإمارات حيث اجتمع مع العاهل الأردني عبد الله والرئيس محمد بن زايد، ونقل لهما تفاصيل المباحثات التي أجراها في أنقرة مع الرئيس إردوغان (تحدث أيضاً في دافوس مع الرئيس الأذربيجاني إلهام عالييف حليف تل أبيب الاستراتيجي) وكذلك لقاء مظلوم عبدي مع مسعود البارزاني.
ودفعت هذه التحركات وزير الخارجية العراقي السابق هوشيار زيباري إلى الحديث لإحدى المحطات العراقية في 19 الشهر الجاري، وشرح مضمون هذه التحركات وقال عنها "إنها تأتي في إطار إقليمي كردي-تركي- عربي بل وحتى إيراني، ومن أجل التوصل إلى صيغة عملية تعالج الوضع شمال شرق الفرات "حيث يسيطر الكرد على المنطقة بدعم أميركي- أطلسي. وهي التحركات التي دفعت قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريللا إلى القيام بزيارة مفاجئة إلى القامشلي في 18 الشهر الجاري ولقاء مظلوم عبدي، الذي يتوقع البعض أن يزور دمشق قريباً جداً بعد معلومات غير مؤكدة تحدثت عن لقاء سابق بينهما بداية الشهر الجاري، برعاية أميركية في قاعدة عسكرية، قرب حلب.
ومن دون أن يمنع ذلك أحمد الشرع من رفض أي كيان عسكري كردي شرق الفرات، حسب ما صرّح لإحدى القنوات التركية (الخميس 23-كانون الثاني/يناير) بعد إن قال عن إردوغان "إن التاريخ سيشهد له مواقفه العظيمة".
كل هذه التفاصيل كانت دافعاً للقاء وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع مسرور البارزاني في دافوس على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي. وسبق هذا اللقاء تغريدة للشيباني دوّنها في حسابه على منصة X حيث قال "إن الكرد يضيفون جمالاً وتنوّعاً إلى المجتمع السوري، وأن المجتمع الكردي تعرض للظلم في سوريا خلال عهد النظام السابق، وقد حان الآوان لبناء بلد من قبل الأطياف السورية كافة، يشعر فيه الجميع بالمساواة والعدالة ".
ومن دون أن يقول، حتى الآن على الأقل، كيف سيحقق الشيباني وقياداته السياسية في دمشق هذه "العدالة والمساواة"، وهي موضع نقاش جدي في الداخل السوري برمّته وبكل أطيافه الدينية والمذهبية والسياسية والاجتماعية.
تضع العديد من الأوساط الغربية والتركية والإسرائيلية، وأحياناً العربية- الخليجية، سيناريوهات مختلفة لمستقبل سوريا، وعبرها المنطقة عموماً، بغياب الدور الإيراني بسبب أحداث غزة ولبنان وسوريا، وقريباً العراق.
ومن أهم هذه السيناريوهات الاعتراف للكرد في شرق الفرات بحكم ذاتي مرتبط جغرافياً بالسلطة المركزية في دمشق، و استراتيجياً بتركيا التي يتذكر كثيرون أحاديثها عن حقوق التركمان شمال غرب سوريا، كما يشجع البعض في المنطقة العربية، بما في ذلك الأردن والإمارات ومعهما "إسرائيل"، الدروز للمطالبة بحكم ذاتي مماثل جنوب البلاد.
وحاول البعض الربط بين هذا السيناريو وزيارة وليد جنبلاط المفاجئة إلى أنقرة في 24 ديسمبر/ كانون الأول وبعد يوم من زيارته إلى دمشق ولقائه الحاكم الجديد لسوريا أحمد الشرع، أي الجولاني سابقاً.
ومن دون أن يتجاهل كثيرون تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وفي مقدمتهم وزير الخارجية جدعون ساعر الذي تحدث أكثر من مرة عن "حقوق الأقليات وفي مقدمتهم الكرد" في سوريا، محذراً تركيا من أي عدوان عليهم، وأياً كان شكل هذا العدوان الذي قال الرئيس ترامب "إنهم سيمنعونه ما دام الكرد حلفاءهم في الحرب ضد داعش".
وربما لهذا السبب استعجل مظلوم عبدي التواصل مع الرئيس ترامب وهنّأه باستلام السلطة في البيت الأبيض، مذكّراً إياه بالتحالف ضد الإرهاب والأعداء المشتركين. ويبدو واضحاً أن الرئيس ترامب هو الذي سيحدد هوية هؤلاء الأعداء بعد زيارته القريبة إلى السعودية، بعد أن أعلن ولي العهد محمد بن سلمان عن استعدادهم للاستثمار السعودي في أميركا بقيمة 600 مليار دولار، وهو ما طلبه الرئيس ترامب.
وستكون مساوماته التالية مع الرئيس إردوغان أولاً لتقرير مصير سوريا بانعكاسات ذلك على مستقبل المعادلات الداخلية، أي شرق العراق، والإقليمية أي لبنان والعراق بامتدادات ذلك على إيران، وهي الهمّ الأكبر بالنسبة إلى الكيان الصهيوني وحساباته في المنطقة التي يريد لها ترامب أن تلتقي مع حسابات السعودية وتركيا والأردن وكل من سيرضخ لهذه الحسابات برضى أو من دونه.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف بالنسبة إلى الرئيس ترامب على التوافق العربي -التركي أولاً لتقرير مصير الكرد في سوريا، ثم تركياً وأخيراً المنطقة عموماً، بما في ذلك إيران، وثانياً لتبني أفكار ومشاريع الرئيس إردوغان الدينية والطائفية والاستراتيجية ما دامت ستخدم مساعي واشنطن ومخططاتها العالمية، وأهمها مع العدوّين التقليديين روسيا والصين، اللتين تضررت مصالحهما في المنطقة بعد تغيير النظام في سوريا واستلام الإسلاميين "المتطرفين " السلطة في دمشق.
وأصبح فيها للشيشانيين والايغور والأوزبك والطاجيك وأمثالهم دور مباشر وغير مباشر، وقد يتحوّلون إلى ورقة تستفيد منها أنقرة في مساومتها مع جميع الأطراف، إقليمياً ودولياً، بعد أن تحوّلت إلى عنصر مهم، لا ولن يستهان به بعد أن أثبتت وجودها في سوريا وقبلها في ليبيا والعراق والصومال والسودان وأذربيجان، وبأشكال مختلفة في آسيا الوسطى والبلقان والشرق الأوسط، حيث يوجد العثمانيون، أجداد إردوغان، فيها لمئات السنين.