مقاومة شعبنا تتصاعد.. وكيانكم سيُهزَم
صعّد عرب فلسطين مقاومتهم، واستفادوا من مراكمة خبراتهم، بحيث لم يعد الاحتلال و"جيشه"، الوحشي الممارسات، قادرَين على معرفة أساليب المقاومين وقدراتهم التنظيمية.
مَن يقرأ "العهد القديم" يقشعرّ بدنه مما فيه من استباحة لدم بني البشر، ولما يمتلكون، ولما يُشِيدون من أبنية، وتحديداً في فلسطين، وسيُذهَل من ادعاء "سِفر الخروج" أنه كتاب ديني، وفيه كل هذه الوحشية، والتنكيل بفخر ومباهاة بالوحشية وبالسرقة، بل بالسطو على ممتلكات أناس آمنين في بيوت بنوها لتحميهم من تقلبات الطقس، ومن هجمات الوحوش، وكي تصون استقلاليتهم كأُسر دشنت بدايات الحضارة البشرية، فكانت الأسرة المستقلة في بيت هي نواتها وبدايتها.
هو ما حققوه في أريحا، وما زال ماثلاً في بيوتها القديمة التي ظهرت من تحت الركام، وكانت مدفونة على امتداد ألوف السنين، وكشف عنها أثريون عبر علمهم وجهودهم، فباحت الأرض بحقائقها التي لا يمكن دحضها وتزويرها وانتحالها.
في تلة عين السلطان – أريحا، ما زالت معالم البيوت بارزة. ولقد عشنا جيراناً لتلك البيوت التي تبرهن على أن هذا المكان هو أول مكان عرف استقرار التجمعات البشريّة الأولى الزراعية في التاريخ البشري.
هذا المكان، أريحا، وهو مكان كنعاني، كانت ربّة ناسه: عناة. وهي إلهة الزراعة والخصب، والربة الخطّابة، ربة الزواج، والربة التي تحمل في يدها حربة تذود بها عن مواطنيها وتحميهم من كل الشرور.
أنا عشت على مقربة من تلة السلطان، والتي تشرف على نبع عين السلطان التي تتدفق مياهه باستمرار، في مخيم النويعمة. أمّا سكان مخيم عين السلطان فكانوا جيراناً ملاصقين للتلة، التي هي أريحا القديمة، مدينة القمر، كما سمّى الكنعانيون مدينتهم، وهم كانوا أبناء الطبيعة، وتُجمع كتب ودراسات كثيرة على أنهم عاشوا قوماً مسالمين.
أولئك القوم المسالمون ابتُلوا بمن يدّعي كتابهم "المقدّس" أنهم أُمروا باجتياح تجمعهم المديني المجتمعي، وإحراق بيوتهم، وجدران مدينتهم، وهم يباهون بأنهم نفّذوا تعاليم كتابهم وزيادة، فلقد قتلوا كل السكان، ولم يُبقوا منهم أحداً، وقتلوا حتى حيواناتهم، وأبقوا فقط الأواني التي تنفعهم في إعداد أطعمتهم كونهم عاشوا في الصحراء تائهين أجلافاً، وكما يقولون: بقيادة يوشع!
هناك دراسات أثرية تقول إنهم لم يدخلوا أريحا، وإنهم لا يعرفونها، وإنهم ينتحلون ويزوّرون تاريخاً لا حقائق تسنده، ومع ذلك يقرّون ويباهون بأنهم اقترفوا كل الجرائم الوارد ذكرها في كتابهم ("سِفر الخروج")!
إذا انتقلنا إلى زمننا، وتأملنا ما فعله ويفعله هؤلاء الغزاة من جرائم في فلسطين، فإننا بالتأكيد لن نستغرب الوحشية التي يتلقّنها هؤلاء الغزاة تجاه "الأغراب" الجوييم، وهم كل البشر، والذين يحق لهم أن يستبيحوا حياتهم، ذبحاً وسبياً وغزواً وسرقةً. والحقّ أنهم اقترفوا كل هذا بحق الشعب العربي الفلسطيني، وفي بعض الأقطار العربية، وأولها مصر، فلقد قصفت طائراتهم مدرسة بحر البقر، وأجبروا الجنود المصريين على أن يحفروا قبورهم بأنفسهم، وأطلقوا عليهم الرصاص ليسقطوا في الحفر. وقصفوا حمام الشط في تونس، وساهمت شخصيّاً في جمع فُتات أجساد الشهداء التونسيين والفلسطينيين، التي اختلطت معاً.
أمّا في لبنان، فلم يوفروا القرى، ولا المدن، ولعلّ مذبحة صبرا وشاتيلا ومذبحة قانا تبقيان العنوان الأبرز لبشاعة ممارسات الكيان الصهيوني وجيشه، وولوغهما في الدم الفلسطيني والدم اللبناني، ناهيك بالدم السوري.
مع ذلك، يكتب بعض كتّابهم عن "طهارة السلاح"، ممجّدين جيش الاحتلال وما يقترفه من ممارسات وحشية مُخزية لأي جيش، مثل هدم البيوت، وقتل الأطفال الفلسطينيين علناً - آخرها جريمة قتل الطفل ريان، الذي طارده جنود الاحتلال حتى انقطع نفسه وسقط ميتاً – ومن دون حرج، واغتيال النساء، ومنهن سيدات متقدمات في العمر، وآخرهن حتى اللحظة السيدة غادة السباتين، الأم لستة أطفال.
هنا، لا بد من أن نتوقف أمام مشهد البطل الشاب، الذي نفذ عمليته البطولية عندما اقتحم حي "المتدينين"، وشهدت امرأة يهودية بأنه طلب منها أن تغادر المكان "لأننا" لا نقتل النساء ولا الأطفال. وأضافت أنها شاهدت امرأة يهودية من "الحريديم" – الأكثر تطرفاً وعنصرية - ومعها أطفالها، فطلب منها أن تغادر المكان نجاةً لنفسها ولأطفالها. أترون أيها المُحتلون المستوى الحضاري الرفيع للمقاوم الفلسطيني؟!
لم تكن تلك واقعة نادرة، فالبطل ثائر كايد حمّاد، بطل معركة وادي الحرامية، التي قُتل فيها 11 جندياً صهيونياً، والذي غادر المكان بهدوء، شهدت له امرأة يهودية، كانت تصطحب ابنها. وعندما وصلت في سيارتها إلى موقع الجنود، صاح بها أن تبتعد كي تنجو، ونجت. وتوجّهت إلى المحكمة لتشهد أنه كان يستهدف الجنود وليس المدنيين، وطُردت ومُنعت من دخول المحكمة من أجل الإدلاء بشهادتها، لأن المستوى الحضاري النبيل للمقاوم الفلسطيني يُحرج الاحتلال وجيشه ومستوطنيه.
كيف يُعامل جيش الاحتلال النساء الأمهات الفلسطينيات، وآخرهن السيدة السباتين، الأم لستة من الأبناء والبنات؟!
لقد أطلق عليها الرصاص وهي امرأة مسنة، لا تحمل سلاحاً، ولا سكيناً، في مشهد إعدام من جنود "جيش" الاحتلال الذي يُعدم يومياً أطفالاً ونساءً وشيوخاً بدم بارد، علماً بأنهم لا يحملون سلاحاً، وأنهم مدنيون.
إنه "جيش" يؤمن بالإبادة للأغيار، للجوييم، وينفذ تعاليم حاخامات يحضّون على قتل العرب، لأنهم "حيوانات" و"صراصير".
إن شعار "جيش" العدو، ودليله على التعامل مع العرب، صغاراً وكباراً، هما: العربي الجيّد هو العربي الميّت. فكيف تستقيم "طهارة السلاح" في هذه الثقافة، التي تجلّت في مذابح لا تنتهي، وتواصل التجلّي فلسطينياً، دماً وموتاً، أمام أنظار البشر أجمعين، في كل جهات العالم القريبة والبعيدة؟!
ثمّة ثقافة إنسانية تتجلى يومياً أمام العالم، يتمتع بها العربي الفلسطيني، وثقافة العنصرية والوحشية وحقارة السلاح الذي يحمله "جيش" يسرق بلاداً يدافع عنها أهلُها حتى الاستشهاد، وتفيض من قلوبهم الرحمة تجاه النساء والأطفال وكبار السن على رغم أنهم من الأعداء.
يُصرح قادة الكيان الصهيوني بأن ما يجري في الضفة من مقاومة متصاعدة هو عمليات إرهابية، وبهذا يبرّر هذا الاحتلال القتل اليومي للفلسطينيين، وتدمير البيوت، والحصار المستمر لتيئيس الفلسطينيين، وقطع الطرق بالحواجز... وأين؟ في المناطق التي يُفترض بها أنها تابعة لـ"السلطة"، التي هي نتاج سلام "أوسلو"!
في أرض فلسطين كلها تدور معركة مصيرية كبرى بين الاحتلال الصهيوني، الذي يخوض حربه من أجل الاستيلاء على "كل" فلسطين، و"طرد" كل أهل فلسطين، وبين شعب فلسطين العربي المقاوم، الذي يُحبط خطط الصهاينة وأهدافهم.
لقد صعدّ عرب فلسطين مقاومتهم، واستفادوا من مراكمة خبراتهم، بحيث لم يعد الاحتلال و"جيشه"، الوحشي الممارسات، قادرَين على معرفة أساليب المقاومين وقدراتهم التنظيمية. وهذا ما يُربك أجهزة الاحتلال على رغم ما تمتلكه من قدرات ووسائل.
شعبنا يُبدع في مواجهة الاحتلال، ويصعّد مقاومته، ويطوّر أساليبه. ومن بين صفوفه يندفع شبّان بواسل، شجاعتهم تصدم العدو وأجهزته. وما ينجزه مقاومة وليس إرهاباً. وهي مقاومة تُرهب العدو، وتُفقده الطمأنينة، والشعور بأن له مستقبلاً في أرض فلسطين، كل فلسطين، وليس الضفة الغربيّة، ففلسطين قلب الوطن العربي، ومستقبله.