مساهمة الصين في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية

شكّلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض أواخر العام الماضي نقطة تحول للمنطقة التي دمرتها الحروب والصراعات، إذ عرض مبادرة للتوسط بين إيران ودول الخليج.

  • مساهمة الصين في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية
    مساهمة الصين في عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية

بعد مباحثات طويلة حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وافق وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم الاستثنائي الذي عقد في 7 أيار/مايو الجاري على استعادة دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها منذ عام 2011.

يأتي التطور الإيجابي في العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية بعد الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا مطلع شباط/فبراير الماضي، وأدى إلى تسريع خطوات الدول العربية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وبعد المصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية التي أعلنت في شهر آذار/مارس الماضي في بكين.

كان متوقّعاً أن تؤثر المصالحة السعودية الإيرانية في دول أخرى في المنطقة العربية، كاليمن الّذي شهد نقطة تحول بعد الاتفاق، حين زار وفد سعودي رسمي برفقة وفد رسمي من سلطنة عمان العاصمة اليمنية صنعاء، وأجرى محادثات مع "أنصار الله" للعمل على وقف إطلاق النار وإحياء عملية السلام.

وفي الجانب السوري، وبعد أيام قليلة من الاتفاق السعودي الإيراني، أعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق، وألمحت السعودية إلى فك تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.

ولهذا الغرض، عقد وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي بمشاركة نظرائهم من الأردن ومصر والعراق في شهر نيسان/أبريل الماضي اجتماعاً في جدة لتبادل وجهات النظر حول إمكانية عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. 

وفي الشهر نفسه، زار وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دمشق في أول زيارة رسمية سعودية إلى سوريا منذ القطيعة بين الدولتين مع بدء النزاع في سوريا قبل 12 عاماً. واستكمالاً للمفاوضات حول عودة سوريا، عقد وزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية مباحثات في العاصمة الأردنية عمان مطلع هذا الشهر.

أدت بعض الدول دوراً كبيراً في عملية التقارب وعودة العلاقات المجمدة بين دول الشرق الأوسط. مثلاً، أدى العراق وسلطنة عمان دور الوسيط بين السعودية وإيران، وكان للإمارات العربية المتحدة وروسيا دور في التقارب السعودي السوري.

أما الصّين التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع جميع دول الشرق الأوسط، وتسعى لأداء دور أكبر في الساحة العالمية عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، فقد عملت على تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، فرعت المصالحة السعودية الإيرانية، وشكلت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض أواخر العام الماضي نقطة تحول للمنطقة التي دمرتها الحروب والصراعات، إذ عرض الرئيس الصيني مبادرة للتوسط بين إيران ودول الخليج، وأثمرت الجهود الصينية عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران وما تبع ذلك من أجواء إيجابية ألقت بظلالها على اليمن وسوريا.

بعد استعادة دمشق مقعدها في جامعة الدول العربية، رحبت الصين بذلك، وقالت إنها ظلت دائماً تدعم عودتها إلى الجامعة، وأدت دوراً بناء في هذا الصدد، ورأت أن عودة سوريا تسهم في تعزيز التضامن والتعاون بين الدول العربية، وتسرع وتيرة التنمية والنهوض للعالم العربي، وتعزز السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

كانت الصّين تدعو دائماً إلى حل سياسي للأزمة السورية، وترفض التدخل الأجنبي والعقوبات الأحادية الجانب عليها وتدعو إلى رفعها. وقد ساعدت جهود بكين في تذليل العقبات أمام استئناف العلاقات بين الرياض ودمشق وعودة الأخيرة إلى جامعة الدول العربية. 

لقد كان الملفّ السوري من ضمن المباحثات الي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ في أثناء زيارته لجدة وعقده قمة صينية سعودية، إذ شدّد الجانبان الصيني والسعودي على ضرورة تكثيف الجهود للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وحفظ وحدة سوريا وسلامة أراضيها، بما يعيد لها أمنها ويخلصها من الإرهاب. 

وكان الملفّ السوري أيضاً حاضراً في المباحثات التي جرت بين الرئيس الصيني ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي عندما زار الأخير بكين خلال شهر شباط/فبراير الماضي، إذ أكّد الزعيمان احترام سيادة أراضي سوريا ووحدتها، والتزام المجتمع الدولي بالعملية السياسية الشاملة والمصالحة، وتسريع وتيرة إعادة الإعمار، والإلغاء الفوري للعقوبات الاقتصادية.

وقبل زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق، زار المبعوث الصيني الخاص لشؤون الشرق الأوسط تشاي جوان سوريا أواخر الشهر الماضي، والتقى الرئيس السوري بشار الأسد الذي أعرب عن تقديره لأداء الصين دوراً إيجابياً في تعزيز العلاقات السورية مع الدول العربية الأخرى. من جانبه، أكد المبعوث الصيني أن بكين مستعدة لمواصلة أداء دور بناء في تحسين علاقة سوريا مع الدول العربية.

يمكن القول إنَّ عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية شكّلت ضربة موجعة أخرى للولايات المتحدة الأميركية بعد الاتفاق السعودي الإيراني، فقد انتقدت قرار الجامعة العربية استئناف مشاركة الحكومة السورية في اجتماعاتها، وهو ما يحسب انتصاراً لبكين على واشنطن في الحرب الدائرة بينهما، إذ لطالما سعت الولايات المتحدة الأميركية لفرض العقوبات على سوريا وعزل الرئيس السوري بشار الأسد.

في المقابل، تعمل بكين على انفتاح الدول العربية على الرئيس السوري، وتدعو إلى حل الأزمة السّورية عبر الحوار والتفاوض، وستشكل مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية المزمع عقدها هذا الشهر في الرياض، إن حضر، تطوراً كبيراً لا يقل أهمية عن المصالحة السعودية الإيرانية.

ظلَّت الصّين لفترة طويلة تركّز في علاقاتها مع دول الشرق الأوسط على الجانب الاقتصادي، ولكنّها اليوم بدأت تعطي أهمية للطابع الأمني لعدة أسباب، فقد أدركت أن نجاح مبادرة "الحزام والطريق" في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيّما في اليمن وسوريا ولبنان، يتوقف على تحقيق الأمن والاستقرار فيها. كما أنها تريد ضمان أمن الطاقة وسلاسل الإمداد، لكونهما يعدّان أولوية لها لحماية مصالحها الاقتصادية.

وقد ساهم تراجع النفوذ الأميركي في زيادة الحضور الصيني في المنطقة، وبالتالي فإنَّ تأمين الاستقرار سيحمي المصالح الصينية. وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد اتجهت نحو الشرق لتطويق الصين واحتوائها، فإن الأخيرة اتجهت نحو الشرق الأوسط الذي ظل لفترة طويلة منطقة خاضعة للنفوذ الأميركي.

لا تزال الصّين لغاية اليوم متردّدة في الانخراط والاستثمار في سوريا لغياب الأمن ووجود القوات الأجنبية والمسلحين الإيغور على أراضيها، وتسعى بكين لإحلال الاستقرار كي تساهم في عملية إعادة الإعمار وإقامة البنى التحتية لضمان تنفيذ مبادرة "الحزام والطريق"، وضمان عدم عودة مسلحي الإيغور إلى إقليم شينغيانغ، والقيام بأعمال تهدد الأمن الصيني، وربما تشكل عودة العلاقات العربية مع سوريا بداية لتأمين الاستقرار في هذا البلد.

من المحتمل أن يزور وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بكين تلبية لدعوة نظيره الصيني، ما من شأنه أن يعزز العلاقات بين بكين ودمشق، فتبدأ الاستثمارات الصينية على الأقل في المناطق الآمنة التي تسيطر عليها الحكومة. وفي إطار آخر، وبعد اليمن وسوريا، ربما تساهم الأجواء الإيجابية التي تخيّم على المنطقة في إيجاد حل للأزمة اللبنانية بجهود صينية.