محمد بن زايد رئيساً للإمارات.. قراءة في المتغيرات المحتملة

الشيخ زايد الذي أسس اتحاد الإمارات السبع في مطلع السبعينيات اختار دور النأي بالنفس عن معظم قضايا المنطقة.

  • محمد بن زايد
    رئيس الإمارات محمد بن زايد

تلقى الكثيرون خبر تسلم ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الرئاسة في بلاده ببرود، ذلك أنه ظل حاكماً للإمارات فعلياً لثماني سنوات بسبب مرض أخيه، الذي تسلم الحكم من أبيه الشيخ زايد آل نهيان في العام 2004، وطرحه المرض في العام 2014، حتى توفي في 13 أيار/مايو الجاري.

تلك النظرة تنطوي على جزء كبير من الواقعية، وخصوصاً فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، لكن ليس هذا كل ما في بطن الجدل من تراكمات وتعقيدات في المشهد الإماراتي. لنرجع إلى العام 2006، حين أراد خليفة بن زايد أن يبصم على تاريخه السياسي بشيء من الإيجابية والانفتاح، إذ دشن في ذلك العام ما عُرف بـــ"المجلس الوطني الاتحادي" الذي يضم 40 عضواً، والذي كانت مهمته استشارية لا تشريعية، لكنه عُد خطوة من الانفتاح قليلاً على الشعب، ولو بصورة مخملية ونخبوية. استطاع خليفة بن زايد أن يطور البنية التحتية للاقتصاد الإماراتي، ما جعل البلاد تزدهر اقتصادياً ومالياً بشكل كبير، لكن الأهم من كل ذلك أنه كان كأبيه تماماً على المستوى السياسي.

الشيخ زايد الذي أسس اتحاد الإمارات السبع في مطلع السبعينيات اختار دور النأي بالنفس عن معظم قضايا المنطقة. صحيح أن الإمارات في عهد زايد شاركت في دعم صدام حسين في حربه على إيران، ومن ثم في دعم التحالف الدولي لمحاربة صدام حين غزا الكويت، لكن هذا القرار لم يكن إماراتياً، ولا خليجياً حتى، بل كان قراراً أميركياً صرفاً، دفع كل دول الخليج إلى هذه المطاحن.

السمت العام للإمارات في ظل حكم الشيخ زايد كان سمتاً هادئاً يراعي تنمية البلد وعدم الانخراط في حروب ونزاعات وانقلابات وما شابه. وجاء بعد رحيل الشيخ زايد في العام 2004، ابنه البكر خليفة، ليحاول استكمال هذا الطريق. وقد نجح في ذلك في بداية حكمه، قبل أن يقعده المرض.

إذاً، الانخراط الإماراتي في أكثر من ملف خارجي جاء حين أدار ولي العهد - وقتها - محمد بن زايد دفة الحكم، وعرّض الإمارات للكثير من التحديات، أهمها التحدي الأمني الذي فرضه الجيش واللجان الشعبية في اليمن. وكاد مجلس التعاون الخليجي يتصدع بسبب حصار السعودية والإمارات والبحرين لقطر، والأخيرة تتهم الإمارات ضمنياً بأنها العقل المدبر لحصارها، كما تتهم محمد بن زايد تحديداً بأنه أدار مشهدية الحصار.

لذلك، إن الدوحة حتى هذا اليوم تبدو أقل حماساً لتأسيس علاقة طبيعية مع أبو ظبي، رغم أنها أبدت حماستها لإعادة العلاقة مع الرياض منذ أن بادرت الأخيرة إلى ذلك في قمة العلا. بالطبع، تعود تلك الحنكة القطرية في إدارة الصراع إلى رئيس الوزراء القطري السابق جاسم بن حمد؛ الخبير في فهم الكيانات والشخوص بشكل واضح.

إذاً، مدار الإشكال يتمثل بالسؤال التالي: هل انخراط الإمارات المحموم في ملفات خارجية سيرضي رؤساء  الإمارات الأخرى؟

تتشكل الإمارات العربية المتحدة من 7 إمارات، هي: أبو ظبي، دبي، عجمان، الفجيرة، أم القيوين، الشارقة، رأس الخيمة. تشكل مساحة أبو ظبي أكثر من نصف دولة الإمارات، وتقع أغلب الثروة الطبيعية فيها، ما يجعلها متفوقة على أخواتها في الموارد. وقد ساهمت أبو ظبي في رفد كل الإمارات الست الأخرى بالدعم الاقتصادي الكبير إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، بما في ذلك دبي، التي اهتزت بسبب الأزمة واحتاجت إلى دعم أختها الكبرى للنهوض من جديد.

ومن المعروف أن الإمارات مقسمة بحسب العوائل على مستوى الحكم، فآل نهيان يحكمون أبو ظبي، وآل مكتوم يحكمون دبي، وعائلة القاسمي تحكم الشارقة ورأس الخيمة، لكنْ لكل إمارة حاكم مختلف من عائلة القاسم. أما عجمان، فتحكمها عائلة النعيمي، فيما يحكم أم القيوين عائلة المعلا، التي تعرف أيضاً بعائلة العلي، وعائلة الشرقي هي العائلة الحاكمة لإمارة الفجيرة. ويعد حكم كل إمارة أشبه بالنظام الفيدرالي، لكن السياسة الخارجية تنبع من أبو ظبي، ولا تخلو من تأثير دبي، وخصوصاً أن آل مكتوم لهم نصيب وافر من حكومة الاتحاد الإماراتي.

تجتمع رؤوس العوائل تلك في مجلس يسمى "مجلس الاتحاد الأعلى" لبت الأمور المهمة والكبيرة المتعلقة بالإمارات المتحدة أجمع، كتثبيت الرئيس وولي عهده. عملياً، هم يوالون آل نهيان، لأنهم يعتبرون أن قبيلة آل نهيان هي الأكبر، وتحكم المساحة الأضخم من الإمارات، ومقدرات أبو ظبي تعد الأوفر.

لكل تلك الأسباب، يعد سيناريو خروج أحدهم على حاكم أبو ظبي مستبعداً جداً، ذلك أن مقدرات بعض الإمارات لا تكفي حتى تكون دولة مستقلة. ولو قدر للإمارات الأربع الصغيرة أن تستقل كل منها كدولة، فهي كالسمكة الضعيفة في محيط من أسماك القرش والحيتان.

لكنَّ هذا لا يعني أن حكام الإمارات المتبقية راضون عن سياسة محمد بن زايد الكارثية، فعائلة القاسمي تجنح إلى المهادنة مع المحيط، وتهتم عائلة النعيمي بالتنمية وإيجاد البدائل عن نواقص إمارتها، ويسعى آل مكتوم بكل جهد وجدية لإبقاء دبي بعيدة عن أي تهديدات أمنية جدية قد تكسر هالة الاقتصاد المبني أساساً على دعامة الأمن والاستقرار.

قياس مدى إمكانية وجود الخلاف يقع مباشرة على مدى الأضرار التي تجلبها السياسات الخاطئة لمحمد بن زايد. ورغم أن تلك السياسات لم تدخل الإمارات حد الكارثة حتى اللحظة، فإنها تألمت في بعض الأوقات، فنار حرب الناقلات مثلاً وصل إلى ميناء الفجيرة في أيار/مايو 2019، وتعرض معرض "دبي إكسبو" للتعثر بعد تهديد يمني بقصفه، وهناك الكثير من التحديات التي واجهت الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال، جراء سياسات محمد بن زايد، الأمر الذي يضع العوائل الحاكمة للإمارات السبع أمام نسق مختلف عما اعتادوه وبنوا وفق منطقه نهجهم الاقتصادي وبرامجهم السياسية.

وبناء عليه، إن وضع رئيس كل إمارة هو بين حاجته إلى أبو ظبي كراعٍ سياسي واقتصادي، لكن في الوقت نفسه يحتاج كل منهم إلى العودة إلى السياسات التقليدية التي جعلت الإمارات موئل كل الاستثمارات ومركز الشركات والمؤسسات والوكالات العابرة للقارات.

وفي ظل تفاقم الأزمات العالمية، وخصوصاً في ما يتعلق بالطاقة ومشتقاتها، فإن الإمارات أمام حاجة ملحة -كغيرها طبعاً من الدول العربية- إلى تخفيف التدخلات الخارجية، وخصوصاً تلك التي تبدو أكبر من حجم الدولة وطاقتها الجيوسياسية فعلاً.

مشكلة الإمارات والسعودية أيضاً أن قياسهما خيار التدخل هنا وهناك يعتمد على المكنة الاقتصادية والمالية لتحمل تكاليف هذا التدخل أو ذاك، وهذا هو تماماً المقتل في سياستهما الخارجية، لكن السعودية يمكن أن تبتلع الضربات والكدمات التي تتلقاها، لأنها دولة ذات مساحة واسعة، وطاقتها المالية والاقتصادية أكبر، وتموضعها السياسي أفضل من الإمارات. لذلك، إن الأخيرة تخشى صواريخ اليمن مثلاً أكثر من خشية السعودية، وهذا الذي جعل أبو ظبي تناور في تموضعها السياسي والعسكري في اليمن، لئلا تثير حنق صنعاء.

لذلك، أعتقد أن حُكّام الإمارات الستة سيستخدمون لهجة مختلفة مع أبو ظبي لحثها على التواضع في الساحة الدولية، وعدم زج إمكاناتها ومكانتها في بعبع يبتلع الكبار فكيف بالصغار! لكن هذا لا يعني أن حُكام الإمارات الست في وارد الخروج على حاكم أبو ظبي في المدى المنظور. 

هذا العامل قد يخلق غشاوة على السياسات الخاريجة لمحمد بن زايد، ما سيدفعه إلى المزيد من الانخراط غير المدروس أكثر فأكثر، رغم أن خارطة المنطقة السياسية تتغير بشكل واضح، ما يجعل الاحتمالات الصعبة ممكنة إذا تعمّق أذى الإمارات الست بسبب أبو ظبي.