محاذير الوقوف على حافة الحرب بين إثيوبيا والصومال
بوادر التوتر في منطقة القرن الأفريقي لا ترتبط بتطلّع إثيوبيا للحصول على ميناء في الصومال فقط، ذلك أن المنطقة معبّأة بدوافع التصعيد لكنه محدود في حسابات الأطراف المعنية.
بدأت بوادر أزمة التوتر الحاصل بين إثيوبيا والصومال تتصاعد؛ وشهدت مؤخّراً تدخّل عدة أطراف دولية وإقليمية، وتبادل التصريحات والبيانات والرسائل بين إثيوبيا وتلك الأطراف، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل هل يتجه التوتر الحاصل بين الجارتين ويتدحرج إلى الحرب بالوكالة؟، ولا سيما عقب تحرّك القوات الإثيوبية الموجودة في الصومال صوب بعض المطارات في محافظة غدو بولاية جوبالاند وفرض السيطرة عليها. أم أننا أمام مجرّد تصعيد محدود يمكن احتواؤه؟
بدأ التوتر الحاصل بين إثيوبيا في الصومال يتصاعد عندما أعلن رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد؛ في الأول من كانون الثاني/يناير 2024؛ التوصّل إلى اتفاق تمنح بمقتضاه أرض الصومال غير المعترف بها دولياً إثيوبيا مرفأ على البحر الأحمر يُطلّ على خليج عدن.
ردّت مقديشو على الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال، بالذهاب إلى تحالفات دولية من أجل حماية سيادتها والتصدّي للتغوّل الإثيوبي على أراضيها، وبدأت بتشكيل رأي عامّ مؤيّد لها أمام الإقليم وفي المجتمع الدولي من خلال حراك دبلوماسي نشط لتقديم روايتها، ونجحت الصومال في ذلك دولياً من خلال بيانات التأييد والدعم الصادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية؛ وإقليمياً من خلال تأييد جيبوتي وإريتريا والسودان ومصر، ولكلّ من هذه الأطراف محدّداتها الخاصة ومصالحها في تأييد الصومال.
لم تكتفِ مقديشو بالحراك الدبلوماسي وبيانات التأييد الدولية والمواقف الأفريقية؛ فذهبت الى توقيع اتفاقيتين مع تركيا الأولى في 8 شباط/فبراير 2024؛ وهي اتفاقية إطار تعاون دفاعي واقتصادي، تضمن الصومال بموجبها حماية شواطئها لمدة 10 سنوات، والثانية في 7 آذار/مارس 2024، وهي اتفاقية للتعاون في مجال النفط والغاز، وتشمل استكشاف واستغلال وتطوير وإنتاج النفط.
الاتفاق الدفاعي بين الصومال وتركيا لم يقلق إثيوبيا ويغضبها، ذلك أنّ تركيا اجتهدت في التوسّط بين مقديشو وأديس أبابا وعقدت لقاءين في أنقرة. التحوّل في منحنى الصراع بين الصومال وإثيوبيا بدأ يتصاعد عندما وقّعت الصومال بروتوكول تعاون عسكري مع مصر منتصف آب/ أغسطس 2024.
يُذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد صرّح في كانون الثاني/يناير 2024، بأن مصر لن تسمح بأي تهديد للصومال أو أمنها، اعتراضاً على محاولات إثيوبيا الاعتراف بأرض الصومال.
لم تبتلع إثيوبيا الاتفاق الثنائي بين الصومال ومصر لعدة أسباب، أهمها أنّ استدارة مصر إلى الصومال والتعاون بينهما بعد أربعة عقود من القطيعة؛ سيفضي إلى اختلال التوازنات في منطقة القرن الأفريقي، وسيُفسد الحسابات الإثيوبية المتعلّقة بالتطلّع لتمدّد نفوذها في تلك المنطقة، ولا سيما أنّ الاتفاق العسكري بين مصر والصومال دخل حيّز التنفيذ بعد أسبوعين من توقيعه. وبموجبه ستتمكّن مصر من نشر 5 آلاف جندي في الصومال إضافة إلى تزويدها بالمعدات العسكرية. تتحدّث بعض المصادر أن مصر نشرت نحو 10 آلاف جندي مصري في الصومال.
وبالتالي هذا يعني أنّ الصومال باتت منطقة احتكاك أخرى بين مصر وإثيوبيا تضاف إلى منطقة سد النهضة. مضافاً إلى ذلك بدا الحراك الدبلوماسي المصري في التقديرات الإثيوبية أنه يتجه لتشكيل جبهة تحالف أفريقية -عربية تتكوّن من الصومال ومصر وإريتيريا وجيبوتي، تلتقي معظمها في نقطة خلافات مع إثيوبيا، وتجتمع وتُجمع على مواجهة تطلّعاتها ومطامعها. وبدا الإجراء الذي اتخذته الصومال وإريتريا ضد الخطوط الجوية الإثيوبية بمنعها من استخدام أجوائها والهبوط في مطاراتها يعزّز هذه التوجّه.
إنّ بوادر التوتر في منطقة القرن الأفريقي لا ترتبط بتطلّع إثيوبيا للحصول على ميناء في الصومال فقط، ذلك أن المنطقة معبّأة بدوافع التصعيد لكنه محدود في حسابات الأطراف المعنية، وبالتالي فإن إرسال مصر لقوات عسكرية إلى الصومال يعدّ مؤشّراً ومسبّباً للتصعيد يتفوّق على تبعات مذكّرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال. ونحن هنا أقرب ما نكون من حرب بالوكالة تستقوي فيها الصومال بمصر التي وجدت في ذلك ورقة ضغط لتحريك ملف سدّ النهضة، بينما تقوّي إثيوبيا أرض الصومال لابتزاز الصومال.
كانت حدود التوتر بين الصومال وإثيوبيا مضبوطة حتى لحظة دخول مصر على المسار؛ عند ذلك تحرّكت إثيوبيا تجاه التصعيد، وأصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بياناً في 29 آب/أغسطس 2024، وصفته بعض التقديرات بأنه يعدّ إعلان حرب، جاء فيه إن "إثيوبيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الجهات التي تسعى لزعزعة استقرار المنطقة".
الشاهد أن التحرّك العسكري المصري في الصومال، والاتفاقيات العسكرية التي وقّعتها الصومال، رفعت منسوب التوتر في منطقة تغلب فيها الحروب والصراعات، ولا سيما أن الصراع بين مصر وإثيوبيا على النفوذ في منطقة القرن الأفريقي قد بات واضحاً، الصومال مجرّد حجر الدومينو الذي تحرّك من مكانه.
وبالتالي فإن الحرب إن حدثت لن تحدث بين الصومال وإثيوبيا مباشرة ولكن ستكون من خلال الوكلاء، بمعنى أنّ التدحرج إلى صدام وشيك يفضي إلى الحرب بين أديس أبابا ومقديشو لم يعد مرتبطاً بخلافات وحسابات الطرفين فقط، ولكن بحسابات وتحالفات وطموحات وأجندات أطراف إقليمية ودولية أخرى دخلت بشكل مباشر على مسارات التوتر، لكنها محكومة بعدة محاذير يمكن إيجازها في الآتي:
- على الرغم من أن الحديث عن احتمالية وقوع مواجهة عسكرية بين القاهرة وأديس أبابا، ليس وليد اليوم، ويعود لسنوات مضت، إلا أن هناك عدة محاذير تحول دون الذهاب للصدام المباشر، ذلك أن المنطقة محكومة بعدة تحالفات ما يعني أنّ أيّ صدام سيفضي إلى حرب إقليمية شاملة بين الفاعلين في منطقة القرن الأفريقي ولن يقتصر على مصر وإثيوبيا، ومن ناحية أخرى فإنّ سدّ النهضة انتهى العمل فيه بنسبة 100% ولن يكون العمل العسكري مفيداً، ولم تلجأ مصر إليه في بدايات الأزمة حتى تلجأ إليه الآن.
- التوترات الحاصلة تتزامن مع توقيت انسحاب القوات الإثيوبية من الصومال في كانون الأول/ديسمبر 2024، موعد انتهاء بعثة الاتحاد الأفريقي، وبالتالي من المرجّح أن يتوسّط الاتحاد الأفريقي لتسوية الصراع وسحب فتيل التوتر، خاصة أن جيبوتي قد قدّمت عرضاً لحلّ مشكلة إثيوبيا في المنفذ البحري.
- لا يمكن لإثيوبيا الاحتجاج بالاتفاق العسكري بين مصر والصومال، ذلك أنه منذ أيار/مايو 2023، عقد الصومال 7 اتفاقيات مع كلّ من السعودية، والإمارات، وأوغندا، وكينيا، وإريتريا وتركيا وأخيراً مصر. وبالتالي لا يمكن استبعاد هذه الاتفاقيات من حسابات الطريق عند الذهاب للصدام المباشر. ومن جهة أخرى فإنّ أيّ حرب بين مقديشو وأديس أبابا ستؤثّر على مصالح هذه الدول في الصومال وعليه ستتدخّل هذه الدول للحيلولة دون الذهاب للصدام وهو عين ما قامت به تركيا في التوسّط بين الطرفين.
- عانت الصومال مطوّلاً من الصراعات الداخلية وتبعاتها، وبالتالي ستتجنّب أن تكون طرفاً في صراعات خارجية إقليمية أو دولية، وبالتالي ستُغلّب في سياستها الخارجية مبدأ التوازن. وقد نجحت هذه السياسة في الصراع البحري مع كينيا عام 2016. وهو ما قد تذهب إليه في صراعها مع إثيوبيا.
- الصراع في الصومال أو الحرب بالوكالة محكومة بمصالح أطراف دولية وإقليمية، فمثلاً حتى لو رغبت مصر في التصعيد مع إثيوبيا في الصومال فإن مصالح تركيا قد تدفعها إلى التدخّل للحيلولة دون الذهاب للصدام.
- يعدّ إيجاد منفذ بحري لإثيوبيا مطلباً استراتيجياً ملّحاً ومهماً جداً، في المقابل فإن سدّ النهضة في طريق مياه النيل يعدّ أيضاً مطلباً استراتيجياً للقاهرة، ورغم ذلك لم يحدث صدام مباشر بين القاهرة وأديس أبابا طوال سنواتِ بناء وملء إثيوبيا منفردة للسد، والأهم أنّ هناك رسائل إثيوبية تتعلّق بملف سدّ النهضة وتهدئة مخاوف مصر وخفض التوتر معها، عبّر عنها وزير الخارجية الإثيوبي تاي أتسكي سلاسي بأنّ أبواب بلاده مفتوحة للحوار والتفاوض لإنهاء ملف الخلافات في شأن سدّ النهضة، مشيراً إلى أنّ الخلافات مع الصومال يجب أن تحلّ عبر المفاوضات مطالباً بعدم الاستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده.
محاذير الذهاب إلى الصدام المباشر بين إثيوبيا والصومال لا تعني أنّ سيناريو المواجهة أو الحرب بالوكالة غائب، أو أن أسبابه منعدمة، ذلك أننا نتحدّث عن صراع تتجاوز أبعاده ومحدّداته جغرافية الصومال وإثيوبيا. وبالتالي الكرة الآن خارج الملعب الصومالي، ورهينة بتحرّكات إثيوبيا ومصر، بمعنى إذا أصرّت إثيوبيا على الحصول على منفذ بحري من الصومال ومضت في طريق دعم انفصال أرض الصومال وأنكرت حقوق مصر في مياه نهر النيل فإنه قد لا يكون هناك بديل أو خيار عن الصدام، بالمقابل إذا أصرّت مصر على زيادة عدد قواتها العسكرية البرية والجوية والبحرية في الصومال فإنّ ذلك لا يعني تغليب إثيوبيا للتهدئة.