متى نستفيق من هذا الوهم؟
لقد ثبت في العديد من الأحداث التاريخية أن اليهود الصهاينة، بصرف النظر عن هُويتهم، يبقى ولاؤهم الأول والأخير للكيان الصهيوني.
قبل أيامٍ، نشرت صحيفة "رأي اليوم" اللندنية خبراً للبروفيسور الإسرائيلي الذي يدّعي معاداة الصهيونية أمير حتصروني، على خلفية تعرّضه لاعتداء على يد بعض اليهود الشرقيين من السفارديم، من ضمنهم اليهود المغاربة، بأنهم السبب في نجاح حزب الليكود اليميني المتطرف، وعليهم أن يعودوا إلى المغارات التي كانوا يسكنونها في المغرب، ما يستوجب الوقوف عند هذا التصريح ودلالاته.
والحقيقة أن البروفيسور المذكور أصاب الحقيقة في الشقِّ الأول مما قاله، لكنه جافاها عندما ادّعى أنَّ اليهود المغاربة سكنوا في الكهوف والمغارات، وهذا محض افتراء وقدح تجاه المغاربة جميعاً، لأنَّ اليهود المغاربة عاشوا في غيتو خاص بهم يسمى "المَلاح" أسوةً ببني جلدتهم في الدول العربية والإسلامية الذي سكنوا ما يسمى "حارة اليهود"، وهذا ليس دفاعاً عنهم، لكن الموضوعية تقتضي تبيان الحقيقة كما هي.
لم يؤدِ اليهود الشرقيون أيَّ دور في قيام الكيان الصهيوني، كما هو شأن يهود الأشكناز القادمين من أوروبا، فإذا نظرنا إلى الشخصيات التي حكمت الكيان الإسرائيلي منذ قيامه، نجد أغلبهم من اليهود الأوروبيين، ونخص بالذكر بن غوريون وغولدا مايير ومناحيم بيغن وشيمون بيريز وإسحاق شامير وبنيامين نتنياهو، باستثناء إيهود باراك وإسحاق رابين وإيهود أولمرت الذين ينتمون إلى يهود السابرا، أي الذين ولدوا في فلسطين المحتلة.
لكن، ومع قيام الكيان الصهيوني في العام 1948، بدأت موجات هجرة اليهود الشرقيين، ومنهم اليهود المغاربة، إلى الكيان الصهيوني. بعضهم استهوته الدعاية الصهيونية التي تتحدث عن "أرض الميعاد" الموعودين من الرب بامتلاكها، كما تزعم نواميسهم، والبعض أُوهِموا بأنهم في خطر لدفعهم نحو الهجرة إلى فلسطين المحتلة، هرباً من بطش الشعوب الإسلامية والعربية وانتقامها، بحسب المزاعم الصهيونية.
يعود تأسيس حزب الليكود إلى العام 1973 بعد اندماج مجموعة من التنظيمات والتيارات السياسية الصهيونية، منها حزب حيروت الذي أسسه مناحيم بيغن في العام 1948، والحزب الليبرالي الذي يؤمن بمقولة "أرضك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات"، ويعارض قيام دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف، ويدعم حق عودة يهود السفارديم إلى الاستيطان في الكيان الصهيوني. وقد تناوب على قيادته كلٌّ من الإرهابي مناحيم بيغن وإسحاق شامير وبنيامين نتنياهو.
وقد تولى العديد من الصهاينة من أصل مغربي بعض المناصب في حكومة الليكود، مثل وزير الخارجية الصهيوني دافيد ليفي في حكومة الإرهابي الراحل إسحاق شامير في الفترة الممتدة ما بين 1990 و1992، وحتى في حكومة نفتالي بينيت، ومنهم من تقلد مناصب عسكرية واستخباراتية مهمة، وكان لهم دورٌ دمويٌّ في المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني.
بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني، سادت أحاديث ونقاشات في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي حول فائدة هذا التطبيع والدور الذي يمكنه أن يؤديه اليهود المغاربة هناك تجاه القضية الفلسطينية، إذ اعتبر عدد ممن أيّدوا مسألة التطبيع – بصرف النظر عن هويتهم - أنه سيصبّ في مصلحة الفلسطينيين، على اعتبار أن وجود مليون يهودي من أصل مغربي في "إسرائيل" سيشكل قوة ضغط انتخابية على المسؤولين الصهاينة لمنح الشعب الفلسطيني حقه بتقريره مصيره.
وإذا كان هؤلاء من الداعمين الأوائل لسياسات حزب الليكود اليمينية المتطرفة، من خلال التصويت له في الانتخابات، فهذا يعني أنه لا يمكن التعويل عليهم، بما أنهم يسايرون النهج المتطرف الذي يسلكه حزب الليكود المعادي للحق الفلسطيني ولكلِّ ما هو مسلم وعربي، الذي سئل زعيمه الراحل إسحاق شامير عن مسألة المفاوضات مع العرب، فأجاب: "كنت سأظل أفاوض العرب سنوات وسنوات من دون أن أمنحهم شيئاً".
إذاً، من الوهم الاعتقاد أنَّ هؤلاء سيفعلون شيئاً ما لمصلحة الشعب الفلسطيني، لأن الحقيقة الساطعة سطوع الشمس في كبد السماء تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الاعتماد عليهم غير ممكن، بما أنهم أول المحرضين على حقوق الفلسطينيين، رغم أنَّ أجدادهم عاشوا في كنف الدول الإسلامية والعربية، آمنين مطمئنين - بشهادة البعض منهم - حاملين هُويتها، متمتعين بكل الحقوق، بما فيها ممارسة شعائرهم الدينية في معابدهم بكلِّ حرية، وخصوصاً أولئك الذين فرّ أسلافهم من محاكم التفتيش في الأندلس التي أقامتها الملكة إيزابيلا بحق المسلمين واليهود، بخلاف أبناء عمومتهم الذين عاشوا عصور الاضطهاد والإبادة في القرون الوسطى على يد الحكام الأوروبيين، بدعمٍ وتشجيعٍ من باباوات الكنيسة الكاثوليكية، الذين كانوا ينظرون إليهم نظرة دونية يملأها الاحتقار، وصلت إلى حد تكفيرهم.
لقد ثبت في العديد من الأحداث التاريخية أن اليهود الصهاينة، بصرف النظر عن هُويتهم، يبقى ولاؤهم الأول والأخير للكيان الصهيوني، وليس للبلد الذي ولدوا وترعرعوا فيه، والأكثر دلالة على ذلك قضية الجاسوس الأميركي من أصل يهودي جوناثان جاي بولارد الذي حُكم عليه بالسجن 30 سنة بتهمة التجسس لمصلحة "إسرائيل" حين كان يشتغل محللاً في هيئة الاستخبارات البحرية الأميركية ويحمل الجنسية الأميركية. ومع ذلك، قام بتسريب وثائق ومعلومات خطرة تخص الأمن القومي الأميركي وسلَّمها للكيان الصهيوني، ولم يبدِ أيَّ ندمٍ حيال ما فعله عقب الإفراج عنه.
في الختام، على أولئك الذين يتوهمون -من دعاة التطبيع- أن اليهود الشرقيين يمكنهم تحقيق شيء ما لمصلحة القضية الفلسطينية أن يستفيقوا من غفلتهم، لأنهم شركاء في سفك دم الفلسطيني ومعادون لحقوقه، وكل من يكون شريكاً في الجريمة لا يكون صانع سلامٍ أو داعية حق، فمتى نستفيق من هذا الوهم؟