ما دلالات زيارة وزراء خارجيّة دول مجلس التّعاون الخليجيّ للصين؟

 تسعى الصين إلى أداء دور الوسيط بين دول الخليج وإيران، وتقريب وجهات النظر بين الجانبين، والدفع نحو إجراء المزيد من المشاورات واللقاءات بين السعودية وإيران.

  • شهدت العلاقات بين الصّين ودول الخليج العربي تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة
    شهدت العلاقات بين الصّين ودول الخليج العربي تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة

يزور وزراء خارجية الكويت وعُمان والبحرين والسعودية، إضافةً إلى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، الصين، من 10 إلى 14 كانون الثاني/يناير الحالي، تلبيةً لدعوة وزير الخارجية الصّيني وانغ يي. وتهدف هذه الزيارة إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين في المجالات الاقتصادية، وفي مجال الطاقة وتطوير البنى التحتية والتكنولوجيا والصحة، ولدعم الأمن والاستقرار في المنطقة.

تأتي زيارة المسؤولين الخليجيين في وقت تشهد العلاقات بين واشنطن وكلّ من الرياض وأبو ظبي توتّرات على خلفية علاقتها بالصين، فقد علَّقت الإمارات العربية المتحدة المحادثات مع الولايات المتحدة الأميركية للحصول على طائرات "F-35"، بعد ضغط واشنطن على أبو ظبي للابتعاد عن الصين وإزالة معدات "هواوي" من شبكاتها. 

واتّهمت واشنطن بكين ببناء قاعدة عسكرية لها في ميناء خليفة في أبو ظبي، وألزمت الأخيرة بإيقاف أعمال البناء. من ناحية أخرى، أشارت وكالة الاستخبارات الأميركية إلى أن المملكة العربية السعودية تعمل على تصنيع صواريخها البالستية بمساعدة الصين.

شهدت العلاقات بين الصّين ودول الخليج العربي تطوراً كبيراً على مختلف الأصعدة، وتولي الصين أهميّة كبيرة لمنطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، وهي تحتل المركز الأول كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما نحو 162 مليار دولار أميركي في العام 2020. وتتصدَّر السعودية لائحة شركاء الصين التجاريين، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام 2020 حوالى 67 مليار دولار. وتأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 49.1 مليار دولار أميركي. 

وتعتبر السعودية أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين، إذ أظهرت بيانات الجمارك الصّينية أنّ تدفّقات النفط السعوديّ إليها بلغت 7،4 مليون طنّ خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وهو ما يعادل 1.8 مليون برميل يومياً. وللصين علاقات استراتيجية شاملة مع السعودية والإمارات العربية المتحدة. كما تحتلّ دول الخليج دوراً مهماً في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي انضمت إليها دول مجلس التعاون الستّ.

تسعى الصّين منذ سنوات إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج. وقد أعلن عن ذلك صراحة وزير الخارجية الصيني وانغ يي أثناء زيارته إلى المنطقة في شهر آذار/مارس الماضي. ولا تعدّ المفاوضات لإبرام اتفاقية تجارة حرة جديدة، بل تعود إلى العام 2004. ومنذ ذلك الوقت، عقدت جولات تفاوضية واجتماعات فنية لإقامة المنطقة التجارية الحرة. 

ويبدو أنَّ الطرفين يبديان اهتماماً كبيراً ورغبة جدّية في إتمام المفاوضات والتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة، ولا سيما في ظل توتر العلاقات مع واشنطن. لذلك، ستشهد هذه الزيارة مفاوضات حول هذه الاتفاقية.

وتأتي أيضاً زيارة المسؤولين الخليجيين في وقت تشهد أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً. ومن المعلوم أنَّ النفط ذو أهمية كبيرة بالنسبة إلى الصين، التي تعتمد عليه بصفتها أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. كما أثارت الاضطرابات الداخلية التي تشهدها كازاخستان قلق بكين بشأن إمدادات الطاقة منها، إذ تعتبر أحد الموردين الرئيسيين إليها. ويمكن لدول الخليج أن تكون بديلاً من كازاخستان في حال حصول أيّ اضطرابات مستقبلية فيها، من شأنها أن تؤثر في النقل الآمن لأنابيب النفط والغاز بين الصين وكازاخستان.

ولن يغيب عن المحادثات ملفا اليمن وسوريا والملف النووي الإيراني، في ظلّ الحديث عن اقتراب الأطراف في المفاوضات النووية في فيينا من التوصّل إلى اتفاق، والشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران، والتي أعلنت الأخيرة أنَّها ستكون محور المحادثات التي سيجريها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع نظيره الصيني وانغ يي أثناء زيارته للصين نهاية الأسبوع. وتأتي أيضاً دعوة المسؤولين الخليجيين إلى الصين لإزالة أيِّ التباس يمكن أن يحدث بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني لها.

 تسعى الصين إلى أداء دور الوسيط بين دول الخليج وإيران، وتقريب وجهات النظر بين الجانبين، والدفع نحو إجراء المزيد من المشاورات واللقاءات بين السعودية وإيران، التي أعلن سفيرها في العراق أنَّ جولة خامسة من المفاوضات بين الجانبين ستُعقد قريباً في العراق. 

يمكن للصين أن تؤدي دور الوسيط بين إيران والسعودية، إذ إنها على علاقة طيبة مع الجانبين، ولا تتخذ صفاً إلى جانب أي جهة. وقد أبدت بكين خلال السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يستدل على ذلك من الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى المنطقة العام الفائت.

وكانت بكين قد عرضت سابقاً مبادرة من 5 نقاط لأمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، أثناء زيارة وزير الخارجية الصيني إلى المنطقة العام الفائت. وسيشكّل نجاحها في أداء دورها كوسيط بين إيران ودول الخليج صفعة للولايات المتحدة الأميركية التي عملت على إشعال فتيل الصراع بين الجانبين.

مما لا شكّ فيه أنَّ هذه الزيارة ستساهم في تعزيز العلاقات بين الصين ودول الخليج، في ظلِّ توتّر العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية وعدم وضوح سياسة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه تلك الدول. ومن مصلحة الصين تأمين الاستقرار في الشرق الأوسط، لأنَّ ذلك سينعكس إيجاباً على مبادرة "الحزام والطريق" التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ، وحماية استثماراتها واستيرادها النفط وإيجاد أسواق لبضائعها من جهة، وتحقيق التنمية لبلدان الشرق الأوسط من جهة أخرى، ولكن هل ستبقى الولايات المتحدة الأميركية مكتوفة الأيدي أمام تنامي العلاقات بين الصين ودول الشرق الأوسط عامة، ومجلس التعاون الخليجي خاصة؟