ليبيا.. هل ستحلّ الانتخابات الصراعات الداخلية على السلطة؟

احتمالات تأجيل الانتخابات الليبية تزاحم عملية إجرائها، لكن عدم إجرائها يمكن أن يؤدّي إلى تداعيات وخيمة.

  • هناك صراع محموم على السلطة، ولا يعني هذا أن الانتخابات يمكنها حسم هذا الصراع.
    هناك صراع محموم على السلطة، ولا يعني هذا أن الانتخابات يمكنها حسم هذا الصراع.

من المقرَّر إجراء الانتخابات الليبية في 24 كانون الأول/ديسمبر، مدعومة من مفوضية الأمم المتحدة والقوى الدولية. قامت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بالشراكة مع المفوضية الليبية العليا للانتخابات، بترتيب جميع جوانب العملية الانتخابية، من تسجيل الناخبين، وبطاقات الهوية، إلى الأمن السيبراني.،وساهمت في تدريب القضاة والمحامين على حلّ النزاعات الانتخابية، والعمل مع وزارة الداخلية على التخفيف من المخاطر والتخطيط للحوادث، ودعمت منظمات المجتمع المدني في إنشاء مواقع إلكترونية. وعملت الوكالة أيضاً، مع محطات التلفزيون والإذاعة والصحف ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، على تأمين موافقتها على مدونة لقواعد السلوك. 

احتمالات تأجيل الانتخابات الليبية تزاحم عملية إجرائها، لكن عدم إجرائها يمكن أن يؤدّي إلى تداعيات، والوقوع في الفوضى المحتملة. فالتجربة الانتخابية العراقية ومآلاتها ماثلة أمام أعين القوى الدولية والإقليمية، إذ أن نتائج الانتخابات في العراق، والتي أعلنتها المفوضية العليا قبل نحو شهرين، ما زالت تتفاعل، وتطالب القوى السياسية المتضررة بالفرز اليدوي، وتشكّك في التلاعب بالنتائج. من هنا، يتحمّل أي قرار بشأن إجراء انتخابات في ظل الصراعات المحلية وِزْرَ النتائج التي قد تُفقد الانتخابات قيمتها السياسية، وتحوّلها إلى آلية من دون أيّ فعالية.

لا شكّ في أن هناك ضرورة للحصول على موافقة القوى الداخلية على الاعتراف بالنتائج وعدم الطعن بها، سياسياً وأمنياً. فبعد إقرار خريطة الطريق عام 2020، كان مخطَّطاً أن تُجرى عملية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، وفق جدول أعمال خريطة الطريق الانتقالية في كانون الثاني/ يناير 2021، لكن هذه العملية تطلّبت 4 أشهر من أجل هندسة الإجراءات بصورة سليمة، في إطار توافقات سياسية وضمانات واضحة.

خوفاً من عدم التوافق، جرى ترحيل إجلاء المرتزقة والمقاتلين الأجانب وتوحيد الجيش إلى ما بعد الانتخابات، مع أنه جرى مؤخراً لقاء بين مسؤولي الجيشين. استقالة المبعوث الأممي يان كوبيتش شكّلت مؤشراً على حجم الإشكاليات والتحديات الداخلية والخارجية، والتي لم يتمكن المبعوث الأممي من تحقيقها. ومن أجل عدم إظهار الحيرة الأممية، جرى حلّ الموضوع عبر إعادة ستيفاني وليامز، المبعوثة السابقة بالإنابة، مكانه، وهي التي تمتلك خبرة ودراية بتفاصيل الملف الليبي، إذ إنها عملت في الفترة السابقة على خريطة الطريق وتفاصيل الانتقال السياسي.

يسعى ممثّلو الإسلام السياسي الليبي للاعتراض على القوانين التي أقرها البرلمان ورئيسه عقيلة صالح، والتي تم اعتمادها بدلاً من اقتراحاتهم. لكنّ لجنة التواصل مع المفوضية التي شُكِّلت، سعت لحلحلة هذه الإشكاليات، وقد توصي بتغييرٍ ما في القانون، من أجل تفادي الطعن القانوني في المستقبل. 

يشكّل الاتفاق مع الأطراف، التي تقف خلف التوترات الأمنية، أي الميليشيات المحلية والأجنبية، ضرورة قصوى من أجل تجنُّب التصعيد، استعداداً لإجراء الانتخابات في أجواء آمنة. 

لا شكّ في أن القوى الإقليمية كتركيا، والدولية كفرنسا، تفضّل تأجيل الانتخابات من أجل إجراء مفاوضات بين القوى السياسية والعسكرية قبل الانتخابات، بينما لا تزال مواقف الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا تميل إلى إجراء الانتخابات. 

ويتقاطع غياب التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بشأن الملف الليبيي، مع عدد من مصالح الدول في منطقة جنوبي المتوسط وشمالي أفريقيا. إيطاليا وفرنسا، على سبيل المثال، لهما عدد من التحالفات داخل ليبيا، ضمنت لهما كثيراً من النفوذ، وكل منهما تتعامل مع مجموعة من الفاعلين الداخليين. فإيطاليا مهتمة بغرب ليبيا، وتهمّهما مشكلة المهاجرين. وتسعى فرنسا، في هذه المرحلة، لتحقيق هدفين رئيسين من خلال ملف ليبيا؛ الأول هو ضمان نفوذ فرنسي في منطقة جنوبي المتوسط وشمالي أفريقيا، والثاني هو حماية المصالح الفرنسية المتعلقة بالاستثمار في اليورانيوم في النيجر. لذلك، نلاحظ أن فرنسا مهتمة بالجنوب الليبي أكثر من أيّ فاعل دولي آخر.

المجموعة العربية ودول الجوار، وفى المقدمة مصر، تعبّر عن الخشية من إهدار فرصة الانتخابات، وهي ترى ضرورة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من خلال دمج أعضاء التنظيمات العسكرية الذين تلقّوا تعليماً عسكرياً مهنياً، وكانوا أفراداً في القوات المسلحة الليبية، ضمن الجيش التابع لقيادة خليفة حفتر، وأن يكون مسار التسوية السياسية نابعاً من الداخل الليبي، وليس مدفوعاً بضغوط خارجية يمارسها المجتمع الدولي. 

بناءً على الصلاحيات المقرَّرة في المادة الـ15، وفق القانون الليبي الحالي، يجري التركيز على سلطة الرئيس، بحسب القانون الذي أصدره البرلمان، وهو يستحوذ على كل السلطات، أي تستحوذ الانتخابات الرئاسية على المشهد الانتخابي مقارنة بالانتخابات البرلمانية. وسيظلّ الجدل الدائر بشأن هذا المنصب عرضةً للجدل، قانونياً وسياسياً، حتى بعد الانتخابات. وحده الرهان الدولي يقوم على إنتاج سلطة موحَّدة أكثر استقراراً من السلطات السابقة، كأنه، بعد تجارب متكرِّرة، وصل إلى هذه النتيجة؛ أي التجارب التي لم تشهد حالة استقرار سياسي. حتى حكومة الوحدة الوطنية لم تُعطَ فرصة الاستقرار والحوار. هناك صعوبة في التنبؤ بالسيناريو التالي لأي تطوّر في المشهد الليبي. فالتوافق يحتاج إلى تغيُّر نظرة أطراف السباق الرئاسي إلى العملية الانتخابية، من كونها ساحة صراع إلى اعتبارها ساحة تنافس، إلاّ أن الانتخابات التي تجرى في الدول الواقعة تحت "الفصل السابع" من الأمم المتحدة، أي تحت الوصاية الأممية، تعكس مواقف ورؤى دولية، على نحو ما جرى في الانتخابات العراقية، ولا تعكس بالضرورة وجهة النظر المحلية.

هناك قواسم مشتركة في الحالتين العراقية والليبية فيما يتعلق بالانتخابات، فالانتخابات العراقية كانت محل إشادة دولية على مستوى سلامة الإجراءات. وعلى الرغم من ذلك، فإنه كان هناك تشكيك في الانتخابات. في دول الأزمات والصراعات، تبدو العملية الانتخابية كأنها عملية إعادة إنتاج مراكز القوى التي تشكَّلَت خلال المراحل الانتقالية، وهو ما تؤكده خريطة الانتخابات الليبية.

التعارض واضح بين محصِّلة الإرادة الدولية والإرادة الوطنية. سيكون هناك اعتراف دولي بالحكومة المنتخَبة، في ظل التوافق، دولياً وإقليمياً، حتى في ظلّ وجود تباينات بشأن المرشحين. كما أن هناك، في حالة سيف الإسلام القذافي، ميلاً روسياً إلى مشاركته، ومعارضة أميركية بريطانية. لكن، تبقى الانتخابات هي الفيصل. هناك صراع محموم على السلطة، ولا يعني هذا أن الانتخابات يمكنها حسم هذا الصراع.