لقاءات حماس والجهاد في طهران... رسائل من لظى الميدان
فتحت طهران ذراعيها لقادة المقاومة، في اجتماعات علنية، تبعث رسائل كما حمم البركان، وهي هنا على أرضية انتصار السابع من أكتوبر، ثم أرضية الصمود للشهر السادس على التوالي.
تجاوز الاجتماع القيادي الثنائي، بين حركتي حماس والجهاد الإسلامي في طهران، طابع التنسيق والشراكة، لما هو خصوصية المكان؛ أرض إيران، ولما هو الزمان في وحي الطوفان، بعد لقاء الطرفين مع مرشد الثورة ورئيس الدولة وقائد الجيش. وبين الثورة والدولة والجيش، مسافة تختصر رمزية هذا اللقاء، وحيوية الفعل المقاوم من جبهة غزة المشتعلة، حتى أطراف الإسناد وهي تخترق قلب إيلات.
وحدة معمدة بالدم تجسدها قوى المقاومة، وهي للمرة الأولى تخلو من الهنّات، على نحو يعكس مفصلية المعركة، وتجاوزها للحسابات الحزبية أو المناطقية، فالقلوب تهفو وتحنو على بعضٍ بالكلية، في ظل حرب إبادة تخطت البشر والحجر، وعندما يلتقي القادة في مواجهة هذه الإبادة، تحرسهم عين المكان عبر تسخير متعدد الأوجه، تزداد تكلفته مع تدافع أمواج الطوفان وهي تعصف بالعدو المشترك، وهو في أوج وحشيته.
فتحت طهران ذراعيها لقادة المقاومة، في اجتماعات علنية، تبعث رسائل كما حمم البركان، وهي هنا على أرضية انتصار السابع من أكتوبر، ثم أرضية الصمود للشهر السادس على التوالي، في ظل إسناد المحور من الحديدة حتى النبطية مروراً ببغداد الحشد، وإيران ترقب الميدان، وإن اكتوت بناره في مرقد سليماني، فهي المتهم الأول إسرائيلياً منذ أكتوبر وما قبله، ورموش عينيها تتجاوز البكائية الكربلائية المعاصرة، نحو حماية الظهر سياسياً وإعلامياً ولوجستياً، وإن بدت خارج المشهد عسكرياً.
بثت لقاءات طهران رسائل المعركة عبر ترددات خمسة، أعطت مفاعيل في أكثر من اتجاه، وانصبّ ترددها الأول على تماسك جبهات الميدان، وهو تماسك يتعزز على أرض المعركة ابتداءً، بالشراكة الكلية في الفعل المجاهد، وبيانات كتائب القسام وسرايا القدس لا تنفك عن الإشارة إلى شراكتهما الميدانية في ضربة نوعية هنا، وملحمة جهادية، ليأتي تردد هذه الشراكة عبر نافذة طهران، لما لها من بُعد سياسي مباشر، وإن نأت حركة الجهاد وما زالت عن طموح الحكم في غزة، لكنه اليوم حكم مستهدف كونه هدف الحرب الأول إسرائيلياً.
وجاءت ترددات لقاءات طهران لتتجاوز أحادية فعل السابع من أكتوبر حمساوياً، وإن انغمست فيه حركة الجهاد بعد نصف ساعة من هزيعه المبارك، ليعطي هذا اللقاء اليوم مفاعيله السياسية ونتاج روح الشراكة التي تعززت في الميدان، وفي لقاءات عابرة سابقة في بيروت، بما ينقل العلاقة إلى اتجاهات إضافية، وخصوصاً عندما تتم في طهران؛ محضن التحدي، إقليمياً ودولياً.
أعطت لقاءات طهران شحنة عناد فلسطيني، نحو مفاوضات الدوحة والقاهرة، فالجهاد خارج حسابات الطيف الإقليمي، وهي هنا مع حماس وليس فقط خلفها، وإن ظهرت حماس كمفاوض وحيد في هذا الاستعصاء القابض على جمرة غزة، ليتفق الطرفان على محددات أربعة هي: "وقف العدوان بصورة شاملة، وانسحاب الاحتلال بصورة كاملة من كل قطاع غزة، وحرية عودة النازحين إلى شمالي القطاع، وإدخال المساعدات واحتياجات شعبنا وأهلنا في القطاع"، ضمن أي صفقة لتبادل الأسرى مع الاحتلال في غزة.
انعكست لقاءات طهران على مجمل المشهد الفلسطيني، وخصوصاً نحو الاصطفافات السياسية الداخلية، في وقت يحاول الأميركي مع البريطاني، عبر دول التطبيع، إعادة إنتاج السلطة الفلسطينية، أو إنعاش دورها ليلائم المزاج الإسرائيلي المستحدث، وهو مزاج معكر بزلزال الطوفان العصبي، غارق في تناقضات استراتيجية، تجعله يريد السلطة الفلسطينية ولا يريدها، في انعكاس حادّ لعجزه عن تحديد مساره في اليوم التالي للحرب، فجاءت لقاءات طهران، لتقول إن حكومة التكنوقراط بزعامة محمد مصطفى ليست الحل، لا هي ولا كل إفرازاتها المحلية والإقليمية.
فهم الإسرائيلي مغزى الرسالة الخاصة به، فحماس ليست مكسورة بحسب ما عبر عنه موقع "إسرائيل هيوم"، الذي قال إن سلسلة اللقاءات على مدى أربعة أيام لا يمكن فهمها إلا في سياق استراتيجية المحور ضد إسرائيل ومحاولة القضاء عليها، في وقت ينشغل ساسة إسرائيل بتناقضاتهم الخاصة.
احتفت طهران بقادة المقاومة على أرضها، على نحو خالف أجواء الاحتفال، والجميع وسط لهيب المعركة، وهناك شعب يكتوي بوحشية غير مسبوقة في التاريخ، فكان الاحتفاء لقاءات عمل، قالت فيه المقاومة للأميركي والإسرائيلي، إن الوجود في طهران، عبر هذا الشكل الفعال، مع اللقاءات الثنائية الداخلية فلسطينياً، ومشاركة طيف القيادة الإيرانية، من المرشد إلى الرئيس مروراً بقادة الجيش والبرلمان، أعطى المقاومة فضاءً إقليمياً يتعمد بالوفاء والصدقية الواقعية وفق متطلبات الميدان، تتحرك عبره خارج حسابات الضغط الأميركية.
وجاءت الرسالة الأخيرة لقمة طهران الفلسطينية -الفلسطينية، والفلسطينية الإيرانية، لتقول لمنظومة التطبيع الفلسطينية والعربية والإسلامية إن خيارات المقاومة، داخلياً وإقليمياً، أوسع من ضيق خياركم الوحيد في اللعب داخل المربع الأميركي، ووضعتم كل بيضكم في السلة الأميركية، فاكتشفتكم شعوبكم، فإذا أنتم في المحصلة في خدمة أهداف الحرب الإسرائيلية، سياسياً وميدانياً، تشاركون العدوان في سعيه للقضاء على حكم المقاومة، عبر مفاوضاتكم خلف الستار بشأن القوة متعددة الجنسيات، وتدعمونه بالغذاء والذخيرة، وتتصدون لطائرات العراق واليمن المسيرة عبر أجوائكم في السعودية ومصر والأردن.
وضعت لقاءات طهران مسار المقاومة وهي تكمل شهر صمودها السادس، في سكة تنطلق بإيقاع جماعي ناظم، ووصلت رسائلها، في كل اتجاهاتها، لترفد ميدان الفعل المقاوم في غزة وجنين، كما بنت جبيل وصعدة، بما هو صلابة الصف الداخلي الفلسطيني، كما صدقية إسناد المحور، ووضوح الرؤية لليوم التالي للحرب فلسطينياً وإسلامياً، وهو يوم نلمح عبره أفق التحولات في صراع ممتد منذ خيبر حتى يقضي الله يوماً كان مفعولا.