كيف قرّب العدوان على قطاع غزة بين "إسرائيل" وتايوان؟
من أهم العبر التي يمكن أن تستخلصها تايوان من حرب غزة عدم الاعتماد على المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي فشل لغاية اليوم في إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رغم هول المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
بعد ثلاثة أشهر على عملية طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بدت "إسرائيل" منهكة ومتخبّطة مع عدم تحقيقها أيّاً من الأهداف التي أعلنت عنها في بداية الحرب، وتزايد الدعم العالمي للقضية الفلسطينية والضغوطات الدولية والأميركية على "إسرائيل" لإنهاء عدوانها.
وبعد أن عجزت "تل أبيب" عن استهداف أيّ من قادة حماس في غزة صوّبت نحو اغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في الخارج، فاغتالت نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية لتبيّض صورتها داخلياً وخارجياً، وتزعم بأنها حقّقت إنجازاً يحسب لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
ومع بدء "إسرائيل" عدوانها على قطاع غزة، توجّهت الأنظار أيضاً إلى تايوان، التي كانت أكثر الجهات ترقّباً للأوضاع والأحداث الجارية في القطاع بسبب قلقها وخشيتها من أن تقوم الصين بإعادة توحيدها مع البر الرئيسي الصيني، خاصة مع تزايد إعلان المسؤولين الصينيين، بدءاً من رأس الهرم، الرئيس الصيني شي جين بينغ، عن أن إعادة التوحيد هو أمر حتمي من دون تحديد الوقت لذلك، وتزايد الأنشطة العسكرية الصينية قرب تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً من أراضيها وترفض استقلالها، والتحليق المكثّف للطائرات العسكرية الصينية في أجوائها، كلّ ذلك دفع المسؤولين التايوانيين إلى التصريح بأن أنشطة بكين العسكرية المتزايدة غير طبيعية وقد تخرج عن السيطرة.
ولم تخفِ تايبيه أنها تراقب الأوضاع عن كثب في قطاع غزة، ولهذه الغاية شكّلت فريق عمل "لاستخلاص الدروس" من الحرب الإسرائيلية على القطاع، إذ أعلن وزير دفاعها تشيو كو تشنغ أن الحرب بين حماس و"إسرائيل" انفجرت فجأة، مما دفع تايوان إلى تعزيز قدرتها على "التنبّؤ بالتهديدات المحتملة"، وأضاف بأن تايوان شكّلت مجموعة عمل لدراسة وتعزيز أهمية جمع المعلومات الاستخباراتية.
تسعى تايوان بالدرجة الأولى إلى الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبتها "إسرائيل" ولا سيما ضعف استخباراتها وعدم توقّعها بهجوم المقاومة الفلسطينية. وترى تايوان أنه إذا قررت الصين استعادتها فستفرض عليها حصاراً بحرياً وجوياً.
منذ بدء عملية طوفان الأقصى وقفت تايوان إلى جانب "إسرائيل" وأدانت هجمات المقاومة الفلسطينية يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. فتايوان تعتبر أنها و"إسرائيل" في خندق واحد تتعرّضان لتهديدات أمنية مستمرة من قبل أطراف أخرى تهدّد كيانهما ووجودهما، حيث إنها تتعرّض لتهديدات مستمرة من قبل الصين، و"تل أبيب" تتعرّض لتهديدات من قبل المقاومة الفلسطينية.
علماً بأن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية هو دفاع عن النفس ضد كيان محتل مغتصب لأرض فلسطين، والصين تحاول استعادة الجزيرة التي هي أراضٍ صينية لجأت إليها حكومة الكومنتانغ بعد الحرب الأهلية الصينية.
ورداً على موقف تايوان الداعم لـ "إسرائيل" وصفت "تل أبيب" تايببه بأنها "صديقة جيدة" لـ "إسرائيل"، وانتقدت ردّ بكين على الهجوم الإسرائيلي الذي وصفته بأنه "مثير للقلق" حيث امتنعت الصين عن إدانة هجمات حماس واعتبرت أن الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تجاوزت حدود الدفاع عن النفس.
لم يكن مستغرباً أن تعلن تايوان دعمها لـ "إسرائيل" في ظل تنامي العلاقات بين الطرفين، واعتبار تايوان أنها و"إسرائيل" تتعرّضان لتهديدات أمنية مستمرة. وعلى الرغم من أن "إسرائيل" لا تعترف بتايوان دولة مستقلة، إلا أنها كغيرها من الدول تقيم علاقات اقتصادية وثقافية معها، وافتتحت في "تل أبيب" المكتب الاقتصادي والثقافي لتايبيه، وازدهرت التجارة والاستثمارات بين الجهتين، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2022 إلى نحو 2.67 مليار دولار أميركي، وركّز التعاون على الصناعات عالية التقنية والتقنيات الزراعية والابتكارات الطبية.
كما انخرط الجانبان في تعاون دفاعي سري وتبادل للمعلومات الاستخباراتية. ومؤخراً اقترحت ممثلة "إسرائيل" لدى تايوان التعاون الإخباري بين وسائل الإعلام الإسرائيلية ووسائل الإعلام التايوانية لتقديم أحدث التغطيات الإخبارية على الأرض، ولا سيما الحرب الدائرة في غزة، وبالتالي سيتم نشر الأخبار المزيّفة التي تريدها "إسرائيل" وإظهارها على أنها مظلومة تتعرّض للاعتداءات من قبل المقاومة الفلسطينية، وذلك من أجل كسب تأييد الشعب التايواني لها.
ويوجد في "إسرائيل" نحو 135 تايوانياً بعضهم طلاب يدرسون فيها وآخرون استقرّوا في "إسرائيل" بسبب الزواج. كما يوجد في تايوان بين 700 إلى 800 يهودي يعيش أغلبهم في تايبيه. وإضافة إلى تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية، تعوّل تايبيه على "تل أبيب" للوقوف إلى جانبها في حال الهجوم الصيني عليها ومدّها بالأسلحة والتكنولوجيا المتطورة. ولكن من ناحية أخرى، يمكن القول إنه من المخاطرة الكبيرة أن تضحّي دولة بعلاقتها مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مقابل تايوان التي يعترف بها عدد قليل من الدول (نحو 13 دولة معظمها دول صغيرة).
تتلقّى كلّ من تايوان و"إسرائيل" الدعم العسكري من الولايات المتحدة الأميركية، وإذا كانت واشنطن قد أرسلت الأسلحة ومسؤولين وقادة عسكريين إلى "تل أبيب" لدعمها والاطلاع على سير الحرب، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانت ستفعل الشيء نفسه مع تايوان وتتدخّل عسكرياً، أو تكتفي بتوفير الدعم العسكري، كما فعلت مع أوكرانيا، في حال الهجوم الصيني عليها.
يختلف وضع "إسرائيل" وعلاقتها مع الولايات المتحدة عن وضع تايوان، فمساعدة واشنطن لتايبيه وتدخّلها عسكرياً سيزيد من حدة التوتر مع بكين، ويمكن أن يمتد الصراع إلى بحر الصين الجنوبي، وهو ما لا تريده واشنطن وبكين هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن أميركا لا تهتم باستقلال وسيادة تايوان، جلّ ما يهمّها في المنطقة هو كبح جماح الصين ومنع تمدّدها وتوسيع نفوذها، لذلك من المستبعد أن تضرّ بمصالحها من أجل استقلال تايوان.
من أهم العبر التي يمكن أن تستخلصها تايوان من حرب غزة عدم الاعتماد على المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي فشل لغاية اليوم في إيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، رغم هول المجازر المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، لذلك فإن محاولتها الاستقلال والانفصال عن الصين سيكون أكبر قرار خاطئ تتخذه في تاريخها.