كتلة "القوات اللبنانيّة": من 13 إلى 10 في أفضل الأحوال
معراب التي كانت تحرص دائماً على استعراض علاقاتها العامة تواجه بعيداً عن الأنظار عزلة كاملة.
لا بدّ من تخيّل رئيس حزب "القوات" اللبنانية سمير جعجع يزحف زحفاً من معراب إلى كليمنصو، مروراً ببيت الوسط، ليتوسّل سعد الحريري، ثم وليد جنبلاط، عدم تركه وحيداً ليتبهدل في الانتخابات المقبلة. ولا شكَّ في أنه سيراجع الاستخبارات السعودية ليؤكّد لها أنّ كلّ قاله سابقاً عن الحريري كان محض أكاذيب، وأنَّ عليها وصل ما انقطع بينها وبين سعد لإقناعه بإنقاذه من الفضيحة الهائلة التي تتربّص به.
المؤشرات العلمية والأرقام، لا أحلام المنجمين والمستطلعين الممولين من معراب، تؤكد أن عدم تحالف "المستقبل" و"القوات" سيؤدي إلى خسارة الأخيرة حتماً (لا ربما، أو لعل، أو بحسب الظروف) مقعدها النيابي في عكار (مقعد وهبي قاطيشا) ومقعدها النيابي في بعلبك – الهرمل (مقعد أنطوان حبشي)، فيما سيُفقِدها عدم التحالف مع "المستقبل" وجنبلاط مقعداً نيابياً في دائرة عاليه – الشوف، إذ تؤكّد جميع الأرقام أنَّ الحاصل الذي تستطيع "القوات" تأمينه لا يكفي سوى للفوز بمقعد نيابي واحد، لا مقعدين، كما هو حالها اليوم.
أما أقل ما يقال عن مقعدها في بعبدا (بيار أبو عاصي)، فهو أنه سيكون "مخوطراً" بشدة في حال عدم التحالف مع جنبلاط. ومشكلة "القوات" التي راكمت المشاكل مع الحريري وجنبلاط (اللذين يتهمانها بتحريض الاستخبارات السعودية عليهما) أنها تأخذ منهما في جميع الدوائر من دون إعطائهما أيّ مقابل، مع العلم أن رئيس حزب "القوات" لم يترك للصلح مطرحاً مع أحد: علاقته سيئة مع جنبلاط، وأكثر من سيئة مع الحريري، وأكثر من سيئة أيضاً مع حزب "الكتائب" وكل ما كان يعرف بمسيحيي 14 آذار (ويصف نفسه بالثورة اليوم)، الذين يحافظون على بعض العلاقات الاجتماعية والشخصية مع جميع الأفرقاء، باستثناء "القوات"، حيث العلاقات مقطوعة بالكامل. أما في المقلب الآخر، فعلاقات جعجع مقطوعة أيضاً بالكامل مع الجميع من دون استثناء.
وعلى مستوى العلاقة مع السّفراء، يبدو واضحاً أنَّ أوروبا عموماً، وفرنسا خصوصاً، لا تلحظ أيَّ وجود أو دور لجعجع، رغم محاولاته الحثيثة للتشبيك بين حزبه وبعض الأحزاب اليمينية في ألمانيا. ويفترض بالمتابع أن يلاحظ أن الحركة الدبلوماسية الفرنسية لا تقيم له أيّ اعتبار.
أما الدبلوماسيّة الأميركيّة، فتحرص على علاقة الحد الأدنى، من دون دليل واضح على رفض الأميركيين منحه تأشيرة دخول لأسباب قضائية لها علاقة بجرائم الحرب. والواضح في هذا السّياق أنَّ علاقته المتينة الوحيدة في كلّ هذا الكوكب تقتصر على الاستخبارات السعودية، التي خفضت مستوى التعاون معه إلى الحد الأدنى، بدليل عفن التفاح لدى مزارعي "القوات" اللبنانية الذين فرحوا بمؤتمر جعجع والسفير السعودي لتصدير منتوجاتهم، قبل أن يتيقّنوا أن السعودية "ما معبرته" ولا تهتمّ أبداً بمصالحه الانتخابية.
وبالتالي، إن معراب التي كانت تحرص دائماً على استعراض علاقاتها العامة تواجه بعيداً عن الأنظار عزلة كاملة، إذ نسف سمير جعجع جميع الجسور التي حاولت زوجته النائب ستريدا جعجع ونائبه جورج عدوان بناءها في جميع الاتجاهات. ومن يدقّق في كلِّ ما سبق ويتأكّد منه، سيتأكد أن "القوات" تتحدَّث عن عزلة غيرها الجزئية في ما هي فعلياً في عزلة كاملة متكاملة.
وبالعودة إلى الانتخابات، تتبجَّح "القوات" في الحديث عن انتصارات ساحقة مقبلة، فيما هي تنطلق انتخابياً من خسارة 3 مقاعد نيابيّة على الأقل من أصل 13، بحكم عدم التحالف مع "المستقبل" و"الاشتراكي". وإذا كان هناك من يعتقد إمكانية التحالف مع بقايا جبهة "النصرة" أو وزير العدل السابق أشرف ريفي أو بعض المجموعات التكفيريَّة هنا وهناك، فإن وجود هؤلاء جميعاً في الدوائر السابق ذكرها ضعيف جداً، ولا يعوّض "القوات" أبداً عن غياب التحالف مع "المستقبل".
ومقابل خسارة "القوات" 3 مقاعد نيابية، كما ذُكر أعلاه، لا توجد دائرة واحدة تستطيع "القوات" أن تثبت بالرقم العلميّ أنها ستضاعف عدد مقاعدها النيابية فيها. ودحضاً للتضليل الذي تمارسه "القوات"، يكفي التجوّل مع أيّ مسؤول قواتيّ على الدوائر الانتخابية:
في دائرة بيروت الأولى، حيث الحاصل الانتخابي (الضروري للفوز بمقعد نيابي واحد) نحو 5500 صوت، حصل مرشح "القوات" النائب عماد واكيم على 3936 صوتاً، قبل أن يكون للمجتمع المدني كلّ هذا الحضور في الدائرة. وبالتالي، إن أفضل ما يمكن لـ"القوات" أن تفعله هو الاحتفاظ بصعوبة بمقعدها النيابي، إذا وجدت من تتحالف معهم لتأمين نحو ألفي صوت إضافيين لتأمين الحاصل الانتخابي.
في دائرة بيروت الثانية، ليس هناك تمثيل نيابي لـ"القوات" وحضور انتخابي. وفي دوائر الجنوب أيضاً، لا يوجد تمثيل نيابي للقوات أو حضور انتخابي يُذكر.
في دائرة جبيل – كسروان، حيث الحاصل الانتخابي نحو 13 ألف صوت، حصلت "القوات" والنائب زياد حواط على 24500 صوت، ففازت بمقعدين انتخابيين. أما اليوم، فرصيد الحواط تراجع جداً في جبيل، بحكم أدائه النيابي الإنمائي والرقابي وتموضعه على يمين "القوات"، خلافاً لما كان يقوله للناخبين المستقلين والكتلاويين عن نيّته بأن يكون مستقلاً متحالفاً مع "القوات"، وهو لم يعد يجلس على البلدية التي تبيض ذهباً. وسواء في كسروان أو جبيل، فإن "القوات" تواجه هجوماً كبيراً في بيئتها من قبل الثوار الممثلين بالنائب السابق نعمة أفرام و"الكتائب". وبالتالي، إن أكثر ما تستطيع أن تطمح إليه في هذه الدائرة هو الحفاظ على مقعديها النيابيين، من دون مجرد تفكير في مقعد ثالث، إذ إنَّ الحفاظ على المقعدين سيعتبر إنجازاً كبيراً.
في المتن الشمالي، حيث للقوات نائب واحد، لا يسجل أي حضور ميداني مستجد يذكر لها، إذ سيعتبر الحفاظ على المقعد إنجازاً أيضاً. ولا يستطيع أيّ عاقل من علماء الإحصاء أن يدعي عكس ما سبق، مبرزاً معادلة انتخابية مقنعة.
في بعبدا، يفترض بماكينة القوات أن تكرّر عملها الجديّ الكبير في انتخابات 2018، لتتمكّن من تأمين حاصل انتخابي من دون التحالف مع الحزب "الاشتراكي"، لتحافظ في أفضل الأحوال على مقعدها الحالي.
في عاليه – الشوف، حيث لـ"القوات" نائبان، يستحيل عليها من دون التحالف مع "المستقبل" و"الاشتراكي" أن تؤمن أكثر من حاصل انتخابي للفوز بمقعد واحد يفترض أن يكون مقعد النائب جورج عدوان، مع العلم أنّ جنبلاط سيكون المستفيد الأبرز من انفراط التحالف، ليستعيد نسج علاقات وتحالفات مع بيوت شوفية تقليدية قطع علاقته الوطيدة بها نزولاً عند مقتضيات التحالف مع معراب.
في البقاع الغربيّ، حيث سبق لـ"القوات" الادّعاء في يوم الانتخابات بأنها فازت بمقعد نيابيّ، قبل أن يؤكّد النائب هنري شديد انضمامه إلى كتلة "المستقبل"، وليس إليها، لا يوجد أي أمل لها.
أما في زحلة، فتنتظر "القوات" مفاجأة كبيرة، لأن "حزب الله" سيمنح رئيس الكتلة الشعبية ميريم سكاف في حالف تحالفهما (و"التيار الوطني" و"الطاشناق" وسيزار المعلوف) أكثر من 4 آلاف صوت تفضيلي، تُضاف إلى كتلتها الكبيرة، لتصبح المرشحة الكاثوليكية الأولى من حيث الأصوات التفضيليّة من دون أي منازع، ليحتدم التنافس على المقعد الكاثوليكي الثاني بين نائب "القوات" جورج عقيص وحليف تيار "المستقبل" النائب ميشال ضاهر.
وبالتالي، تملك "القوات" اليوم بعد تحرير سيزار المعلوف مقعداً نيابياً واحداً في زحلة، وهي ستؤمن من دون شك الحاصل الانتخابيّ للفوز بهذا المقعد، لكن لا يعلم أحد حتى إعلان النتائج ما إذا كان المقعد سيبقى لعقيص أو سيأخذه ميشال ضاهر، لتفوز "القوات" بالمقعد الأرمنيّ، كما حصل مع لائحة "حزب الله" وفتوش في الانتخابات السابقة.
في بعلبك الهرمل، كما سبق القول، لا يملك أنطوان حبشي أيَّ فرصة للعودة إلى المجلس من أجل مواصلة تقديم الدروس الخاصة بتضليل الرأي العام في ملف الطاقة، في حال عدم تحالف "المستقبل" و"القوات". وحال "القوات" في بعلبك – الهرمل هو حالها في جارتها عكار، حيث ستخسر مقعدها النيابي حتماً.
أما في دائرة الكورة – البترون – زغرتا – بشري، حيث لـ"القوات" 3 نواب اليوم (2 بشري – 1 بترون)، فإنها تشهد منافسة هائلة غير مسبوقة من المرشّح في قضاء بشري وليم طوق، تدفع بعض المصادر إلى الحديث عن نية سمير جعجع الترشح شخصياً هذه المرة لتعديل موازين القوى، فيما لا تجد "القوات" أي حليف جدّي، سواء في البترون أو الكورة أو زغرتا. وعليه، يمكن أن يتعدّل توزيع المقاعد ليصبح مقعداً في بشري، ومقعداً في البترون، ومقعداً في الكورة، لكن لا يستطيع أكثر المتحمّسين لـ"القوات" أن يقول إنَّ المقاعد الثلاثة يمكن أن تصبح أربعة.
والخلاصة أن "القوات" تسوق الكثير من الأوهام اليوم، لمعرفتها أن بعضاً قليلاً من الرأي العام يتأثر انتخابياً بهذه الدعاية، وبعضاً قليلاً يدقّق في حقيقة ما يسمعه أو يقرأه، وخصوصاً ممن يقدمون أنفسهم كخبراء انتخابيين.
أما الواقع الواضح اليوم، فهو التالي: كتلة "القوات" اليوم تتألّف من 13 نائباً (2 بشري، 1 بترون، 1 عكار، 1 بعلبك، 1 زحلة، 1 الشوف، 1 عاليه، 1 بعبدا، 1 الأشرفية، 1 المتن، 1 جبيل، 1 كسروان)، وهي ستخسر بحكم عدم التحالف مع الحريري وجنبلاط 3 مقاعد نيابية، من دون أن يكون لديها القدرة في المقابل على ربح أيِّ مقاعد إضافي، إذ سيكون الإنجاز بالنسبة إليها هو الاحتفاظ بعشرة مقاعد.