قمّة الناتو تنذر بإشعال الحرب العالمية الثالثة؟!
أعلنت دول "مجموعة السبع" على هامش قمة الناتو المبادئ العامة للضمانات الأمنية المستدامة لأوكرانيا، كما تعهّدت بزيادة إمدادات الأسلحة لنظام كييف.
يبدو أن العالم سيشهد مزيداً من التصعيد في التوتر خصوصاً لجهة المواجهة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وروسيا من جهة أخرى، نتيجة القرارات التي خرجت بها قمة منظمة حلف شمال الأطلسي التي عقدت على مدى يومين في العاصمة الليتوانية فيلينيوس.
ففي ختام القمّة أعلن الأمين العام ينس ستولتنبرغ بأن قادة الناتو اتخذوا قرارات حاسمة لتطوير الحلف في المستقبل، ولتبنّي خطط عسكرية من شأنها تدعيم قوة الحلف مع زيادة الدول الأعضاء بالحلف لميزانياتها العسكرية، وتعميق العلاقة مع أوكرانيا، وتعزيز الشراكات العسكرية حول العالم.
وإن كان الهدف من ذلك هو مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها لصعود قوى عالمية تريد التحرّر من الهيمنة الغربية على العالم التي استمرت لقرون عديدة، مثل الصين وإيران وجنوب أفريقيا والبرازيل والهند، إلا أن المقرّرات يبدو أنها كانت موجّهة أكثر ضد روسيا، وهو ما تجلّى في قرار إقامة مجلس "أوكرانيا – الناتو" لتعميق التنسيق العسكري بين الطرفين في مواجهة موسكو.
وقد اعتبر القادة الروس أن ما نتج عن القمة يهدّد أمنهم القومي، وينذر بتصعيد المواجهة غير المباشرة بين الغرب وروسيا على أرض أوكرانيا، لتتحوّل إلى مواجهة مباشرة تنذر بإشعال حرب عالمية ثالثة قد تدمّر العالم.
التصعيد الغربيّ
وأعلنت دول "مجموعة السبع" على هامش قمة الناتو المبادئ العامة للضمانات الأمنية المستدامة لأوكرانيا، كما تعهّدت بزيادة إمدادات الأسلحة لنظام كييف. واتفقت على الإبقاء على أصول روسيا الاتحادية مجمّدة، وعلى زيادة إمداد كييف بالأسلحة وتسريع تبادل المعلومات الاستخباراتية وتدريب القوات الأوكرانية، وعلى توريد المعدات العسكرية الحديثة للقوات البرية والجوية والبحرية لكييف، وعلى تقديم مساعدة عسكرية عاجلة لها، إضافة إلى تزويدها بالأسلحة الحديثة بما فيها الطائرات والصواريخ بعيدة المدى.
وقد أعلنت القمة عن إنشاء مجلس "أوكرانيا – الناتو" في خطوة تؤكد دعم كييف في مواجهة روسيا، لكنها لا ترقى إلى حدّ ضم كييف إلى حلف شمال الأطلسي. وقد رحّب الأمين العام للحلف بإنشاء المجلس، وبمشاركة الرئيس الأوكراني في القمة.
وفي محادثة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الأوكراني على هامش القمة، قال بايدن ممازحاً زيلنسكي: "لديّ أخبار سيئة لك يا سيد زيلينسكي. لن تتمكّن من التخلّص منا، أنت عالق معنا"، ما يشير إلى عزم واشنطن إبقاء الدعم لكييف لمدة طويلة، وإلى أن الحرب مع روسيا في أوكرانيا ستكون طويلة.
وقد رحّب زيلينسكي بالالتزامات الأمنية الجديدة من دول مجموعة السبع، محذراً من أن هذه التعهّدات لا يمكن أن تكون بديلاً عن عضوية بلاده في "الناتو". في موازاة ذلك أعلن الرئيس البولندي أندجيه دودا، عن تبنّي "الناتو" خطة لنشر 100 ألف جندي من الحلف، على أراضي بولندا إذا لزم الأمر.
كل هذا يشي بأن الأمور ذاهبة إلى تصعيد التوتر بين القوى الغربية المنضوية في حلف الناتو من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وهو ما عبّر عنه المرشّح للرئاسة الأميركية روبرت كينيدي الذي اعتبر أن دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا وقبولها عضواً في الناتو سيؤدي إلى حرب عالمية مدمّرة مع روسيا.
الردّ الروسيّ
ورداً على ذلك أكد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن الضمانات الأمنية التي قدّمتها مجموعة دول السبع لأوكرانيا خاطئة وغاية في الخطورة، وتشكّل عدواناً على أمن روسيا، معتبراً أن هذه الدول تتجاهل المبدأ الدولي الرافض للأمن المجزّأ، مما ستكون له عواقب وخيمة.
من جهتها اعتبرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن نتائج قمة الناتو في فيلنيوس، ولا سيما لجهة تشكيل مجلس "الناتو – أوكرانيا" تؤكد عودة الحلف إلى مخططات الحرب الباردة. واعتبرت الوزارة أن الغرب حوّل أوكرانيا الى أداة في حرب هجينة أعلنها الناتو ضد موسكو، مؤكدة أن الأمور آيلة للتصعيد خصوصاً بعد الوعود التي أطلقتها القوى الغربية لتزويد نظام كييف بمزيد من الأسلحة الحديثة وبعيدة المدى من أجل إطالة أمد الصراع ضد روسيا.
وأكدت الوزارة أن روسيا ستردّ بالعمل على زيادة قوتها الدفاعية، وعلى اعتماد سياسات ردعية ضد الناتو الذي يواصل سياسته الاستفزازية التوسعية، مما يزيد من التوترات العسكرية والسياسية التي تهدّد السلم العالمي.
وقد حذّر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، من خطر حدوث صدام مسلّح مباشر بين الولايات المتحدة وروسيا، على خلفية تزويد كييف بطائرات "أف–16" القادرة على حمل أسلحة نووية.
أما نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري مدفيديف فأعلن أن مجلس "أوكرانيا – الناتو" لن يستمرّ طويلاً، لأنّ أحد طرفيه سيزول قريباً، في إشارة إلى نية موسكو حسم المعركة بالسيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية والإطاحة بنظام كييف، معتبراً أن الحرب العالمية الثالثة باتت قريبة.
وقد أكد المفكّر الروسي ألكسندر دوغين في محادثة مع الكاتب بأنّ ما يجري على أرض أوكرانيا هو حرب بالوكالة، يشنّها الغرب ضد روسيا، مشيراً إلى أن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية في حال شعرت أنها يمكن أن تخسر الحرب حتى لو أدى ذلك إلى حرب عالمية تؤدي إلى تدمير العالم. واعتبر أن الحرب على أرض أوكرانيا هي حرب بين روسيا و"نقيض روسيا" وأن روسيا ستخرج حتماً منتصرة في هذا الصراع.
لماذا يشكّل الناتو خطراً وجودياً لروسيا؟
تعتبر روسيا أن توسيع الناتو باتجاه الشرق يشكّل تهديداً لأمنها القومي، إذ إنّه يقرّب القوى الغربية من منطقة العمق الروسي وهي موسكو، في مخالفة واضحة للتعهّدات التي أطلقها القادة الأميركيون والغربيون بعدم توسيع الناتو شرقاً بعد نهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وهي تعتبر أن توسيع الناتو يعزّز من الوجود العسكري المعادي بالقرب من حدودها مما يعتبر تهديداً لعمقها المتمثّل في موسكو وتعدياً محتملاً على مجال نفوذها.
وتشعر روسيا أن توسّع الناتو ينتهك الالتزامات التي تمّ التعهّد بها خلال المفاوضات المتعلقة بإعادة توحيد ألمانيا في العام 1991 بعدم توسيع الناتو ليشمل أراضي دول الكتلة الشرقية السابقة. كما تنظر روسيا إلى توسّع الناتو في أوروبا الشرقية على أنه محاولة لتقليص نفوذها الإقليمي، إذ تعتبر روسيا هذه الدول جزءاً من مجال نفوذها التقليدي.
وترى روسيا أنّ نشر قوات الناتو والبنية التحتية العسكرية بالقرب من حدودها هو بمثابة حشد عسكري على حدودها تحضيراً لهجوم محتمل ضدها، كما جرى مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية، مما يساهم في زيادة شعورها بانعدام الأمن، ويصعّد التوتر بينها وبين الناتو، ما يعزّز التوجّه نحو سباق تسلّح جديد في العالم.
كما تنظر روسيا إلى توسّع الناتو على أنه جزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع تهدف إلى احتواء نفوذها في العالم، في وقت تتحالف فيه موسكو مع قوى أوراسية وغير غربية مثل الصين وإيران والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها، في إطار منظمتي شنغهاي للتعاون وبريكس للحدّ من الهيمنة الأميركية والغربية على العالم، والانتقال من نظام عالمي قائم على الأحادية القطبية إلى نظام متعدّد الأقطاب.
الناتو أداة هيمنة بيد واشنطن
الجدير بالذكر أن منظمة حلف شمال الأطلسي كانت قد انطلقت في العام 1949 كحلف عسكري موجّه ضد الاتحاد السوفياتي، وتشكّل آنذاك من كلّ من بلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبرغ وهولندا والنرويج والبرتغال والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأميركية التي كانت تنوي فرض هيمنتها عبر هذا الحلف على أوروبا الغربية ومنطقة شمال الأطلسي.
وفي العام 1952 انضمت كل من اليونان وتركيا إلى الحلف بغرض تطويق كتلة الدول الاشتراكية من الجنوب، والفصل بينها وبين البحر المتوسط. وفي العام 1955 انضمّت ألمانيا الغربية إلى الحلف لتليها إسبانيا في العام 1982.
وبعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، وعلى الرغم من الوعود الغربية للقيادة الروسية بعدم توسيع الحلف إلى الدول الاشتراكية السابقة في شرق أوروبا، إلا أنها ضمّت ألمانيا الشرقية بحكم توحيدها مع ألمانيا الغربية في العام 1991، لتضمّ بعدها كلاً من الجمهورية التشيكية وهنغاريا وبولندا في العام 1999، لتكون عملية التوسيع الأكبر منذ تأسيس الحلف في العام 2004 حين تمّ ضمّ كلّ من بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا لتليها ألبانيا وكرواتيا في العام 2009، والجبل الأسود في العام 2017، ومقدونيا الشمالية في العام 2020.
وقد اعتبر الخبراء أن إبقاء الولايات المتحدة على هذا الحلف حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة، كان نتيجة رغبة واشنطن في استخدامه كأداة إلى جانب الأمم المتحدة لفرض الهيمنة على العالم، وإقامة نظام القطب الواحد. وفي ظل صعود القوى الأوراسية وغير الأوروبية التي ترفض نظام القطب الواحد مثل الصين وروسيا والهند وإيران وجنوب أفريقيا والبرازيل وغيرها، فلقد تعزّز تمسّك الولايات المتحدة بهذا الحلف كأداة في الصراع مع هذه القوى، وهو ما يتجلّى أكثر فأكثر في الصراع الدائر بين الغرب وروسيا على أرض أوكرانيا.
وقد أدى توسّع الناتو أيضاً إلى توثيق الشراكات والتعاون مع دول ليست عضواً في الحلف، خصوصاً أن الناتو أقام برامج شراكة متنوّعة، مثل الشراكة من أجل السلام والحوار المتوسطي. كذلك فإنه أدّى إلى تضخّم الإنفاق العسكري من قبل الدول الأعضاء في الحلف، إضافة إلى توسيع أجندة الحلف الأمنية بما يتجاوز التهديدات العسكرية التقليدية للتعامل مع التحديات الأمنية غير التقليدية مثل الإرهاب والتهديدات الإلكترونية وأمن الطاقة.