قانون الإنفاق الأميركي وأمن الحدود في الدول العربية
الديمقراطيون يهتمون بحدود الأردن أكثر من حدود أميركا، علماً أن الأردن ثاني أكبر متلقّ للمساعدات الأميركية في الشرق الأوسط بعد الكيان العبري، وذلك بعد تجاوز مصر والعراق.
أميركا هي الأخيرة في سلم الأولويات، هكذا يعتقد نواب أميركيون، وقد جزم أحدهم، دان بيشوب، أن البنود المتعلقة بأمن الحدود، هي "الأكثر فظاعة" في مشروع قانون الإنفاق الشامل؛ لأنها لا تهتم بأمن الحدود الأميركية مقارنة مع أمن حدود بعض الدول الأخرى، وذلك في معرض نقده للمشروع، البالغ 1.7 تريليون دولار، والذي تم تداوله ويتألف من 4155 صفحة.
هل بالفعل أميركا هي الأخيرة في أجندة بايدن وحزبه الديمقراطي في ما يخص أمن الحدود؟ في ضوء قانون الإنفاق الأميركي لعام 2023، والذي قدّمه بايدن للمشرّعين الأميركيين، لإقراره، وإن بعد تأخير عدة أسابيع، لم يلحظ بيشوب أن معظم الدول المقرر تقديم الدعم المالي لتطوير أمن حدودها، إنما هي "حدود إسرائيل"؛ التي تعدّ الولاية الحادية والخمسين في الولايات المتحدة الأميركية، وإن بشكل غير معلن.
كشف بيشوب أن مشروع قانون الإنفاق الشامل خصص 410 ملايين دولار لأمن الحدود في الأردن ولبنان ومصر وتونس وعُمان، ولكن مشروع القانون، حسب هذا النائب، يحجب هذه الميزانية عن وكالة "الجمارك وأمن الحدود" في الولايات المتحدة من أجل تحسين الحدود.
هذا الإنفاق الأميركي السخيّ المقرر لحدود الأردن ولبنان ومصر، يتصل بشكل مباشر، بأمن الربيبة الأميركية، "إسرائيل"، ما يعني أن هذا المبلغ مقرر بشكل غير مباشر لدعم "أمن إسرائيل"، علماً أن هذا القانون خصص، لدعم "إسرائيل" عسكرياً، ما يصل إلى 60 مليار دولار خلال العقدين الماضيين، ويأتي هذا الدعم ضمن بند غير عسكري، ربما تحايلاً على القانون الأميركي للمساعدات الخارجية الصادر عام 1961، والذي نصّ على تنظيم المساعدات والتمييز بين شقّيها العسكري والاقتصادي.
وقد اهتم مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية الأميركية 2023 بمنطقة الشرق الأوسط، ومواجهة التحديات المختلفة الموجودة فيها، بما في ذلك تشديد المراقبة على النشاط النووي لإيران، بجانب الأنشطة التي تنفذها، ما عدّه المشروع "أذرع إيران المسلحة" داخل المنطقة، والتي تهدد حلفاء الولايات المتحدة الأميركية وعلى رأسهم "إسرائيل"، من خلال تشكيل فريق عمل تحت قيادة وزارة الخارجية الأميركية يختص برصد وكتابة تقارير دورية في حول التطورات النووية بشأن الأسلحة النووية والقدرات الصاروخية، بجانب وجود بند في القانون ينص على بلورة استراتيجية تضمن تعزيز التعاون بين واشنطن وحلفائها في الشرق الأوسط؛ لرفع درجة التعاون الدفاعي الجوي والصاروخي للتصدي لأنشطة طهران العسكرية.
ولعلّ ما يؤكد طبيعة الاندفاع الأميركي لتطوير أمن دول عربية، السعي للحفاظ على الهيمنة الأميركية في العالم، خاصة في ظل ارتفاع مستويات التضخم، ووجود مخاوف لدى الاقتصاديين من حدوث ركود خلال عام 2023، إذ ترتفع معدلات الشعور بانعدام الأمان الاقتصادي داخل الولايات المتحدة، وبالخطر من حدوث أزمة اقتصادية تهدد مكانتها العالمية، وهو الأمر الذي يشجعها على زيادة الإنفاق الخارجي في البؤر المؤثرة في الاقتصاد العالمي، للحفاظ على صورتها العالمية، والترويج لقدرات الجيش والاقتصاد الأميركي، وتعزيز مستويات الردع لديها، بما ينفي تحريض الجمهوريين ضد قانون الإنفاق، ودعوى أن أميركا هي الأخيرة في الأولويات.
ولكن، ما ينغصّ على توازن استراتيجية الإنفاق الأميركية، معطيات الهجرة غير الشرعية عبر الحدود المجاورة لأميركا، خاصة المكسيك، واتصالها بتجارة المخدرات، وهو ما دفع صحيفة "واشنطن بوست" إلى وصف كميات المخدرات التي ضبطت سنة 2022، بأنها كافية لقتل الشعب الأميركي كله، إذ تهيمن عصابات المخدرات المكسيكية حالياً على سوق الجملة المحظورة باستئثارها بنحو 90% من حجم المخدرات التي تتسرب إلى داخل الولايات المتحدة.
هذا التنغيص لحظه الجمهوري بيشوب، وهو يشير إلى منع مشروع القانون تقديم الميزانية المقدمة لتحسين الحدود الأميركية، وهو ما جعله يرى أن الديمقراطيين يهتمون بحدود الأردن أكثر من حدود أميركا، علماً أن الأردن ثاني أكبر متلقّ للمساعدات الأميركية في الشرق الأوسط بعد الكيان العبري، وذلك بعد تجاوز مصر والعراق، إذ تنظر الولايات المتحدة إلى الأردن باعتباره حليفاً قديماً في منطقة استراتيجية، ويرتبط بحدود برية هي الأطول مع فلسطين المحتلة تصل إلى 238 كم، وكانت قد قدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية على التوالي للأردن، وصل إجماليها حتى سنة 2019 إلى 23.8 مليار دولار، ولكن الجمهوريين يتناولون التطور الراهن في سياق اضطراب السياسة الأميركية، وهو ما تم ربطه رمزياً بأعراض الخرف وتلف الذاكرة عند بايدن، والتي جعلته سبب إحراج يومي في ضوء عثراته المتتالية.
ويبدو أن سبب الإنفاق الأميركي على تطوير أمن حدود عُمان وتونس، متصل بالخطر الأمني والاستراتيجي الذي يمثله صعود أنصار الله في اليمن، المجاور لعمان، عبر حدود برية طويلة لا تخضع لضبط سعودي، وهو الأمر ذاته مع تونس والمخاطر الأمنية القادمة من ليبيا، بما يفسّر الهاجس الأميركي المتصاعد في الشرق الأوسط، وهو هاجس يأتي بعد تعثر السياسة الأميركية في أكثر من بلد عربي.
بالخلاصة، يأتي هذا الإنفاق الأميركي على تطوير أمن حدود دول عربية، بما يعزز الهيمنة الأميركية في مواجهة تصدعها المتتالي، من جهة، وتأكيداً لمكانة الكيان العبري في عقل المشرّع الأميركي، من جهة أخرى، حتى وهو يوزع نفقاته المالية التي أخذها من جيوب العوائل الأميركية، وقد اضطر إلى رفعها حتى نسبة الخمس، بما يكفي لتعزيز الأمن النفسي للمستوطن في "تل أبيب" ورفاهيته الممتدة عبر سيناء والبحر الميت وجدار الرعب مع لبنان.