غياب الرئيس الصيني عن قمة العشرين.. رسائل سياسية وتعزيز لمجموعة "بريكس"
شكّل إعلان غياب الرئيس الصيني استياء العديد من القادة الذين كانوا يعوّلون على القمة للاجتماع به لمعالجة الملفات الشائكة مع الصين.
تُعقد قمة قادة مجموعة العشرين يومي 9 و10 من الشهر الجاري في الهند، وسط غياب للرئيسين الصيني والروسي.
وإذا لم يكن غياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مفاجئاً، لكونه لم يحضر قمة مجموعة العشرين العام الماضي في إندونيسيا وقمة مجموعة البريكس في جنوب أفريقيا، فضلاً عن وجود مذكرة توقيف بحقه، إلا أن إعلان الصين عدم حضور الرئيس شي جين بينغ القمة أثار استغراباً وعلامات استفهام بشأن أسباب هذا الغياب، وخصوصاً أنها المرة الأولى التي يتخلَّف فيها الرئيس الصيني عن حضور اجتماعات القمة منذ توليه السلطة عام 2013.
شكّل إعلان غياب الرئيس الصيني استياء العديد من القادة الذين كانوا يعوّلون على القمة للاجتماع به لمعالجة الملفات الشائكة مع الصين، وفي مقدمة هؤلاء القادة الرئيس الأميركي جو بايدن الذي عبر عن خيبة أمله لعدم حضور الرئيس الصيني القمة.
ومع ذلك، أكد أنه سيلتقيه، في إشارة منه إلى إمكانية الاجتماع بالرئيس شي على هامش قمة مؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ APEC في سان فرانسيسكو في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
وللتقليل من أهمية غياب الرئيسين الصيني والروسي، أشار المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أن "قمة العشرين ما زالت مهمة رغم غياب الصين وروسيا"، علماً أن بكين وموسكو لن يغيبا عن القمة، بل سيشارك فيها رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
جاء القرار الصيني بغياب الرئيس شي جين بينغ عن قمة القادة نتيجة للأحداث والتطورات التي حصلت مؤخراً في الساحة الدولية، والتي أظهرت الفجوة الكبيرة في العلاقات بين بكين والغرب. وقد أرادت الصين من خلال ذلك توجيه رسائل عدة وتسجيل موقف إزاء الأحداث الحاصلة على اعتبار أنها قوة عظمى لها وزنها وثقلها على الصعيد الدولي.
يأتي انعقاد القمة في وقت تشهد العلاقات بين الصين والهند، التي تترأس حالياً مجموعة العشرين، توتراً كبيراً، إذ تمر العلاقات بين البلدين بأسوأ مراحلها، فقد أخفق الجانبان في التوصل إلى تفاهم بشأن فض الاشتباك بينهما في المناطق المتنازع عليها، على الرغم من جولات المشاورات التي عقدت، وآخرها لقاء الرئيس الصيني رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي على هامش قمة البريكس التي عقدت في جنوب أفريقيا مؤخراً، والتي لم تفضِ إلى أي تقدم.
كما سُجل مؤخراً توترٌ بين البلدين على خلفية نشر الصين خريطة حدودها الجديدة التي تظهر فيها ضمن أراضيها مناطق تؤكد الهند أنها عائدة إليها. كما تأتي في وقت تجري نيودلهي مناورات عسكرية قرب حدودها مع الصين.
إضافة إلى توتر العلاقات بين نيودلهي وبكين، تريد الأخيرة إضعاف الهند التي تسعى، وبدعم من الولايات المتحدة الأميركية، إلى أن تصبح قوة عظمى تنافس الصين في المنطقة، فالهند اليوم أصبحت تفوق الصين في عدد السكان، كما أنها تنافسها في مجال التكنولوجيا والفضاء والتجارة الدولية. وقد بدأت توسع انتشارها وتعزز علاقاتها مع مختلف دول العالم، ومما لا شكَّ فيه أن غياب الرئيس الصيني يشكل فشلاً للقمة بشكل عام، وللهند بشكل خاص.
غياب الرئيس الصيني عن حضور قمة العشرين هو أيضاً رسالة للولايات المتحدة الأميركية التي أعلن رئيسها مرات عديدة رغبته في لقاء الرئيس الصيني، إلا أن بكين كانت ترى أنه ليس هناك ضرورة لعقد هذا اللقاء ما دامت واشنطن لم تلتزم بما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين عندما اجتمعا على هامش قمة العشرين العام الماضي، إضافة إلى عدم إحراز تقدم في المشاورات والمفاوضات بين البلدين بعد الزيارات التي قام بها المسؤولون الأميركيون إلى بكين خلال الأشهر الأخيرة.
وربما يكون عدم حضور الرئيس الصيني ضغطاً على إدارة بايدن من أجل الاستجابة للمطالب الصينية كشرط للقاء الرئيسين خلال قمة "الأبيك" المزمع عقدها خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل أو يتغيب الرئيس الصيني عن حضور القمة.
هناك من يعتبر أن غياب الرئيس الصيني هو دعم ومساندة للرئيس الروسي الذي يتغيب عن حضور القمة أيضاً، إلا أن هذا السبب ليس جوهرياً، على اعتبار أن الرئيس الصيني حضر قمة مجموعة العشرين العام الماضي، التي تغيب عنها الرئيس الروسي.
يعدّ غياب الرئيسين الروسي والصيني إخفاقاً لقمة العشرين، في وقت بدأت تكتلات عالمية أخرى، كمجموعة البريكس، تصعد لتنافس التكتلات العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية، فقد حظيت قمة البريكس التي عقدت الشهر الماضي في جنوب أفريقيا باهتمام يفوق ما تحظى به قمم مجموعة العشرين والسبع، لا سيما بعد انضمام دول جديدة إلى المجموعة، من بينها دول أعضاء في مجموعة العشرين، كالسعودية والأرجنتين، ما يساعد على تعزيز وضعية البريكس وفعاليتها في التجمعات الدولية.
وبالتالي، تسعى كل من روسيا والصين، في وقت يشهد العالم تغيرات كبيرة، إلى إنهاء الهيمنة الغربية على الساحة الدولية والتوصل إلى نظام عالمي سياسي واقتصادي أكثر توازناً.
كيف سيستفيد الرئيس الأميركي من غياب الرئيس الصيني عن قمة العشرين؟ وهل يشكل هذا الغياب خسارة لبكين؟
على الرغم من أن الرئيس الأميركي عبّر عن خيبة أمله لعدم حضور الرئيس الصيني القمة، فإنَّ ذلك قد يكون مفيداً للرئيس الأميركي، فماذا لو حضر الرئيس الصيني القمة ولم يرغب في لقاء الرئيس الأميركي؟ ألا يشكل ذلك حرجاً لرئيس أكبر اقتصاد في العالم؟ وكيف سيبدو موقف الرئيس بايدن أمام حلفائه بشكل خاص، وأمام العالم بشكل عام؟
وقد يشكّل غياب الرئيس الصيني فرصة للرئيس جو بايدن للإعلان عن خطة شبيهة بالخطة التي أطلقتها مجموعة السبع "إعادة بناء عالم أفضل" لتطوير مشاريع البنى التحتية في الدول النامية، والتي تنافس مشروع "الحزام والطريق".
حضور الرئيس الصيني القمّة كان سيفتح المجال لحل بعض الملفات العالقة بين بكين وبعض الدول التي تشهد الصين خلافات معها أو على الأقل الوصول إلى أرضية مشتركة تبنى عليها المشاورات والمناقشات لاحقاً بين الأطراف.
على سبيل المقال، كان من المحتمل أن يلتقي الرئيس الصيني رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، ويتم التباحث في أزمة تصريف طوكيو المياه المشعة في المحيط، والتي أثارت غضب بكين. أيضاً، كان يمكن أن يكون هناك لقاء بين الرئيس الصيني ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني لمناقشة مسألة انسحاب روما من مبادرة "الحزام والطريق".
للصّين اعتباراتها الخاصة، إذ وجدت أن غياب الرئيس سيعود بالنفع عليها، سواء لإضعاف الهند وإنهاء الهيمنة الغربية على التكتلات العالمية والضغط على واشنطن أو لإظهار أن غيابها عن أي تكتل عالمي أو إقليمي تعد عضواً فيه يشكل فشلاً للتجمع، لأنها باتت قطباً عالمياً لا يمكن تخطيه.