عن الترهيب المسيّس الذي نتعرّض له كصحافيين فلسطينيين
اعلموا من فضلكم، أينما كنتم، بأن ما جرى معي اليوم هو حلقة في سلسلة خطيرة جداً من الترهيب المسيّس الذي نتعرض له كصحافيين فلسطينيين.
أصدقائي،
لم أتفاجأ من التحريض ولا من الاتهامات الكاذبة والمُضلِّلة ولا من التهجّم العدائي نحوي، بقدر مفاجأتي وانذهالي من مستوى الحضيض المهني الذي وصل اليه الصحافي الإسرائيلي. نحن لم نتعلم في كليات الصحافة أن نكون محققي استخبارات وقضاة ميدانيين للناس.
بل أنا تعلمت كيف أصغي وأحترم وأحلّل المعلومات، وأختار ما أنشره، من دون تعريض أي طرف لأي خطر كان، يهدّد أمنه وسلامه وحياته.
وأنا أتعهّد، على رغم كل ما مررت فيه من تحريض دموي، أن أحافظ على قيمي الإنسانية، وعلى شرف مهنتي، وقدسية الحقيقة.
اليوم، تعرّضت لتهجّم خطير من جانب مجموعة من الصحافيين الإسرائيليين، شعرت خلاله بخطر حقيقي على سلامتي وحياتي، في ظل الظروف الصعبة والحسّاسة، والتي نمرّ فيها جميعاً منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي. شعرت بالرعب. في الواقع، لا أخجل من مكاشفتكم والاعتراف بأني شعرت بالرعب.
اليوم، بعد أن تلقيت أمس مساءً اتصالا هاتفياً من شخص ادّعى أنه يعمل في البريد، وأن هناك مظروفاً بريدياً لم يتمكن من إيصاله إلى عنواني بسبب الظروف، كما قال، وأن عليّ استلامه في فرع تابع للبريد في مدينة "كفار سابا" الإسرائيلية. ذهبت من أجل استلام هذا المظروف، الذي قيل لي إنه أُرسل من وزارة الداخلية الاسرائيلية.
مباشرة، بعد وصولي إلى داخل الفرع، قامت مجموعة من الأشخاص بتطويقي، بحيث كان أربعة منهم يحملون كاميرات، ويقومون بتصويري. والخامس، الذي عرّف عن نفسه بأنه صحافي يعمل لدى "القناة الـ12" الإسرائيلية، واسمه كما قال حاييم إتغار، بدأ طرح الاسئلة المبطّنة بتهم خطيرة، محاولاً إجباري على تقديم اجابات له بشأن ما ادعّاه، أني والقناة التي أعمل فيها، وهي قناة "الميادين" التلفزيونية، نقوم بـ"بث الأكاذيب الصحافية"، وبأنني "أدعم الإرهاب"، على حدّ قوله.
بدوري، رفضت تقديم الإجابات إليه، وعبّرت له عن ذلك بوضوح، ثم خرجت من داخل البريد محاوِلةً الوصول إلى سيارتي، بينما واصل هو، ومن معه من مصوّرين، مطاردتي وكيل الاتهامات الكاذبة لي، ولم يتوقّفوا عن ذلك حين وصلت إلى سيارتي، بل إنه وقف عند باب السيارة، ومنعني من دخولها لدقائق طويلة، شعرت بأنها دهر.
خلال مهاجمته وملاحقته لي، توقّف كثيرون من المارّة في الشارع، وأحدهم انضم إلى من سمّى نفسه "صحافياً"، وبدأ هو الآخر مهاجمتي لفظياً.
هذا الأمر جعلني أشعر بتهديد أكبر على سلامتي، بحيث إن الموقف كان من المحتمل بصورة كبيرة، بسبب حالة التحريض العنصرية في "إسرائيل" غير المسبوقة ضد العرب، وتسليح العنصريين اليهود، أن يعرّضني لاعتداء جسدي مباشر، حتى القتل.
في النهاية، اتصلت بخط الطوارئ، التابع للشرطة، وعرّفتُ بهويتي وموقعي، وأبلغتُ تعرّضي للتهديد من جانب مجموعة صحافيين في الشارع العام، وفتحت مكبّر الصوت أمام المعتدين الصحافيين!
على رغم ذلك، عندما ابتعد المدعو حاييم إتغار قليلاً عن باب سيارتي وقمت بفتحه، عاد مجدّداً ووقف حائلا بين الباب والسيارة. ومجدَّداً حاول منعي من دخول سيارتي. كنت ما زلت أتصل بخط الطوارئ، وربما من أجل "ماء وجههم"، بما أنني صحافية، وقد أحمل كاميرا هاتف محمول، ربما هذا ما ساعدني على النجاة.
أكتب الآن، ولا أصدّق أنني خرجت بسلام. ولا أصدّق أن من اعتدى عليّ، بكل وقاحة تحت قبعة الصحافة وتحرّي الحقيقة، هو صحافي ينتمي إلى إحدى أكبر القنوات الإعلامية في "إسرائيل".
أعلم الآن، أكثر من ذي قبل، بأن قِيَمي المهنية والإنسانية أرفع كثيراً مما لا يمكنني أن أقارن نفسي وزملائي الشرفاء به. الصحافة هي أن نروي الحقيقة التي نراها ونختبرها ونستمدها من الواقع.
جملة أخيرة: اعلموا من فضلكم، أينما كنتم، بأن ما جرى معي اليوم هو حلقة في سلسلة خطيرة جداً من الترهيب المسيّس الذي نتعرض له كصحافيين فلسطينيين.
لوهلة، شعرت بالغضب من نفسي لأني صدّقت "كذبة" البريد التي استدرجتني إلى ما هو مدبَّر، لكني الآن، بعد مرور ساعات على الحادثة، أعتقد أنها شهادة حيّة عن خطورة ما نتعرض له في حياتنا اليوم، لكوننا ببساطة نرفض غسل الأدمغة، ولأننا ننتمي إلى الشعب الفلسطيني.
وأنا سأعيش لأروي.