عملية "أريئيل" البطولية.. استقبال يليق بنتنياهو وحكومته
تبعث عملية "أريئيل" رسالة سياسية مهمة مفادها أن الفعل الفلسطيني المقاوم باقٍ، وأن العمليات مستمرة بكل الأدوات والوسائل، ما دام هناك احتلال جاثم على الأرض الفلسطينية.
اندلعت في الضفة الغربية والقدس المحتلتين منذ عدة أشهر مقاومة شبابية شكّلت نمطاً جديداً في مقارعة الاحتلال الإسرائيلي، اجتمعت فيه المقاومة العفوية والفردية وعمليات إطلاق النار والدهس والطعن معاً ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي. وقد عززتها مجموعتا "عرين الأسود" و"كتيبة جنين" اللتان شكلتا نموذجاً مقاوماً يعكس وحدة المقاومة في الميدان ومواجهة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه.
شكَّل الفعل الفلسطيني المقاوم على مدار الأشهر القليلة التي مضت، وبعد تنفيذ سلسلة من العمليات الفدائية النوعية وتوجيه ضربات مؤلمة، معضلة أمنية كبيرة للأوساط الأمنية الإسرائيلية التي وقفت عاجزة عن مواجهتها أو الحد من تكرارها أو منع حدوثها، فلجأت إلى سياسة الترغيب والتهديد، إذ حاولت أطراف عدة، منها مخابرات الاحتلال الإسرائيلي والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، تقديم الإغراءات المادية للمجموعات المقاومة التي تشكَّلت في مدن الضفة الغربية بهدف احتوائها وضمان تسليم سلاحها أو اللجوء إلى الاغتيالات في حال رفضَت ذلك للقضاء عليها وإخماد جذوة المقاومة المتنامية فيها وإطفائها.
من مستوطنة "أريئيل" التي تكتسب مكانة خاصة لدى المستوطنين الإسرائيليين، وما تمثله من مكانة سياسية، وارتباطها بإدارة العمل الاستيطاني في الضفة المحتلة، هبت الرياح بما لا تشتهي السفن. وعلى عكس كل التوقعات الإسرائيلية، وقعت عملية مستوطنة "أريئيل" البطولية كعمل فدائي فلسطيني جديد لتذهل الاحتلال تخطيطاً وتنفيذاً.
هذه العملية البطولية المركبة أوقعت 3 قتلى إسرائيليين وأصابت آخرين، ووضعت نحو 20 ألف مستوطن إسرائيلي في مستوطنة "أريئيل" قرب رام الله أمام معطيات جديدة، عنوانها سقوط وهم التعايش مع الاحتلال ومستوطنيه، إذ يرتبط إنشاء مستوطنة "أريئيل" عام 1978 باتفاقية "كامب ديفيد".
وقد رسخت هذه العملية أيضاً حقيقة ثابتة مفادها أن الشعب الفلسطيني المقاوم يرفض الاحتلال والتعايش معاً، وأنّ المقاومة، وعلى الرغم من كل المؤامرات عليها، حيةٌ لم تمت منذ عام 1948، ولا تزال إرثاً وعهداً تلتزمه الأجيال الفلسطينية المتعاقبة.
تنفيذ عملية "أريئيل" بهذه الجرأة والشجاعة يحمل رسائل قاسية لـ"إسرائيل" على الصعيدين الأمني والسياسي من حيث الدلالات والتوقيت، فهي تعد أخطر موجة منذ عام 2015 وفق اعترافات إسرائيلية استخبارية حديثة، فقد نجحت العمليات الفلسطينية الأخيرة في تهشيم نظرية الردع الإسرائيلي، وشكّلت حال إرباك وصدمة لدى الأوساط الإسرائيلية، وبعثت رسائل مهمة قبيل بدء بنيامين نتنياهو مشاوراته لتشكيل حكومته اليمينية:
- جاءت عملية "أريئيل" البطولية رسالةً إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية المقبل بنيامين نتنياهو والمتطرفين سموتريتش وبن غفير، الذين يتطلعون إلى الوفاء بوعودهم الانتخابية للإسرائيليين بزيادة نشاط الاستيطان وتحقيق الأمن والأمان للمستوطنات في الضفة الغربية، لتؤكد أنّ هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح قبل أن تتشكل حكومتهم اليمينية المتطرفة، وأن المقاومة الفلسطينية بمختلف أدواتها لا تعرف حدوداً ولا تحدّها قيود، ولا ترضخ لكل محاولات التهديد والتدجين والاحتواء.
- تسجّل عملية "أريئيل" فشلاً أمنياً جديداً للاحتلال الإسرائيلي، يضاف إلى سلسلة طويلة من الفشل والعجز خلال الأسابيع والأشهر القليلة التي مضت، بعد فشلين أمنيين مُنيت بهما "إسرائيل" ومؤسستها الأمنية إثر تنفيذ عمليات بطولية نوعية عند حاجز "شعفاط" نفذها الشهيد عدي التميمي، وأخرى في مدينة الخليل قرب مستوطنة "كريات أربع" نفذها الشهيد محمد الجعبري.
- جاءت عملية "أريئيل" في يوم إعلان "الاستقلال" لتؤكد أن مقاومة الاحتلال هي طريق الحرية والاستقلال، وأن الإيمان الحقيقي بالحرية يعني التخلّص من كل قيود اتفاقية "أوسلو" والتنسيق الأمني، ولتثبت أهمية استمرار العمل المقاوم حتى الانعتاق من الاحتلال.
- تبعث عملية "أريئيل" رسالة سياسية مهمة مفادها أن الفعل الفلسطيني المقاوم باقٍ، وأن العمليات مستمرة بكل الأدوات والوسائل، ما دام هناك احتلال جاثم على الأرض الفلسطينية.
- تسجّل عملية مستوطنة "أريئيل" دلالة مهمة على أنْ لا أمن للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، وأن ديمومة الفعل المقاوم والإبداع في التخطيط والتنفيذ لا تتوقف، رغم كل محاولات الالتفاف وقتل روح المقاومة التي بدأت تنهض من جديد في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وأن روح المقاومة وجذوتها مستمرتان ومتصاعدتان في مدن الضفة الغربية.
- سقوط جديد وفشل لنظرية الردع الموهومة التي يسوقها قادة الاحتلال للرأي العام الإسرائيلي، ويزعم أنه استطاع من خلالها وقف العمليات الفلسطينية المقاومة من خلال تنفيذه عمليات الاقتحامات والاغتيالات بحق المقاومين الفلسطينيين في جنين ونابلس والمدن الفلسطينية الأخرى.
- كشفت عملية "أريئيل" البطولية حجم الإخفاقات الأمنية والأكاذيب، وأظهرت حقيقة العجز والفشل لدى الأوساط الإسرائيلية، وجعلتها محط سخرية وانتقاد أمام المستوطنين بعد فقدان أمنهم الشخصي، وخصوصاً بعد سلسلة العمليات البطولية التي وقعت في الآونة الأخيرة.
- فشل آخر لمشروع "السلام" الاقتصادي "الأمن مقابل الاقتصاد"، الذي عملت عليه "إسرائيل" كحلّ لإنهاء "الصراع" مع الفلسطينيين بعد التنكر لحقوقهم، بهدف إنهاء خيار المقاومة إلى الأبد والعزوف عن مقارعة الاحتلال ومستوطنيه.
- كلّ عملية بطولية ناجحة في الضفة الغربية تزيد رصيد المقاومة عشرات الشباب المقاومين، بل المئات منهم، وهم الذين يزدادون إيماناً بجدوى العمل الفدائي، ويرون أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن المقاومة المسلحة هي السبيل للخلاص من الاحتلال، وأنها أكثر الطرق اختصاراً لنيل الحقوق وتحرير الأرض وتطهير المقدسات.
- لعلَّ الفارق الزمني بين عملية "أريئيل" وعملية "كريات أربع" في الخليل، وقبلها عملية حاجز "شعفاط"، قصير جداً، ما يعكس دلالة كبيرة على أن هذا النوع من العمليات بدأ يترك أثراً كبيراً في الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في زرع هواجس الخوف وانعدام حال الأمن الشخصي بين المستوطنين، وصار يمثّل تهديداً مباشراً لأمنهم في أهم وأكبر المستوطنات في الضفة الغربية، والتي كان الاحتلال يتغنى بها وبأمنها.
- وتيرة التهديدات الإسرائيلية التي تصدر عن قادة الاحتلال الإسرائيلي عقب تنفيذ كل عملية ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هي جزء من حال القفز في الهواء لتصدير الإخفاق والعجز عن مواجهة الواقع الأمني الجديد في مدن الضفة الغربية المحتلة، الذي بدأ يؤتي أكله ويصيب المنظومة الأمنية الإسرائيلية في مقتل.
- النتيجة الحتمية المسلّم بها للواقع الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس المحتلة تزامناً مع قدوم حكومة إسرائيلية هي الأشد تطرفاً في تاريخ "إسرائيل"، تقول إن الاحتلال لا يمكنه أن ينعم بالهدوء والأمن والأمان، فالاحتلال جريمةٌ لا يَسلمُ فاعلها من العقاب، والمقاومة ستتصاعد أكثر، ولن تصمت أمام حال التغول والانتهاكات التي يقوم بها المستوطنون تجاه المقدسات الإسلامية والمسيحية والإعدامات الميدانية للحرائر واستمرار سرقة الأرض وهدم البيوت وتكريس الاستيطان.
إنها مقاومة مستمرة لشعب أبى أن يركع. كباره يموتون، وصغاره لا ينسون، بل يقاومون حتى دحر الاحتلال عن كل الأرض الفلسطينية.