عشية ذكرى الثورة الفرنسيّة.. هل يعود جورج عبد الله إلى دياره؟
فرنسا تضرب بعرض الحائط قيمها الجمهوريّة ومبادئ وقواعد دولة القانون للانتقام من جورج عبد الله الذي يرفض أي تنازل أو مساومة (كتوقيع تعهّد بالإقلاع عن العمل السياسي).
ليس جورج عبد الله عميد السجناء السياسيين في أوروبا فحسب. هذا المناضل الأممي المسجون في فرنسا منذ عام 1984، والمحكوم ظلماً بجرم المشاركة في عملية اغتيال، أمضى فترة محكوميته كاملة، وينتظر إطلاق سراحه منذ عام 1999، أي أنه منذ 24 عاماً "رهينة" بيد "ديمقراطية استعمارية" تغلّب مصالحها الاستراتيجيّة على قيمها المفترضة.
إيف بونيه الذي قاد الاستخبارات الفرنسيّة بين 1982 و1985 اختصر قضية جورج إبراهيم عبد الله بعبارات قاسية، إذ رأى في جريدة "لو مونود" الفرنسية (09/01/2012) أن جورج عبد الله ضحيّة "سلوك ثأري بائس للدولة"، وأكد أنّه يحق له "تبني إنجازات "الألوية الثوريّة اللبنانيّة" ووضعها تحت راية الفعل المقاوم" في سياق الحرب الدائرة حينذاك.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، ثم في كانون الثاني/يناير 2013، قضت محكمة تطبيق العقوبات في باريس بـ"الإفراج المشروط" عن جورج عبد الله مع ترحيله عن فرنسا، لكن السلطة السياسيّة خضعت لأوامر الولايات المتحدة المعارضة بشدّة لتحرير المناضل اللبناني، فرفض مانويل فالس، وزير الداخلية في حكومة لوران فابيوس (الاشتراكيّة) آنذاك، التوقيع على الأمر بإبعاده، ما عطّل الحكم وأبقى جورج "مخطوفاً" في سجن "لانموزان" الفرنسي، حيث زارته وزيرة العدل اللبنانية ماري كلود نجم، في أول مبادرة من نوعها في نيسان/أبريل 2021.
جورج عبد الله المقاتل الذي لا يتعب من أجل فلسطين يقبع في السجن منذ 39 عاماً في بلاد حقوق الإنسان، مجرّداً من إنسانيته وحقوقه، محروماً من مبدأ المساواة، خاضعاً لـ"نظام استثناء دائم" خارج دولة القانون! لأنّه عربي من هذه المنطقة "الملعونة" من العالم: في النظرة الاستعمارية، هذا يجعله إنساناً من الدرجة الثانية، فلو كان فرنسيّاً "أبيض"، لسويت قضيته منذ زمن بعيد، كما حدث مع حالات وقضايا مشابهة!
فرنسا تضرب بعرض الحائط قيمها الجمهوريّة ومبادئ وقواعد دولة القانون للانتقام من جورج عبد الله الذي يرفض أي تنازل أو مساومة (كتوقيع تعهّد بالإقلاع عن العمل السياسي). لا تنتقم فرنسا من أفعاله المفترضة قبل 40 عاماً، بل من أفكاره ومواقفه، ومن الرمزيّة العالية التي يحملها اسمه وشخصه وتاريخه.
في حزيران/يونيو 2023، تقدم جورج عبر محاميه جان – لوي شالنسيه أمام قاضي تطبيق العقوبات في باريس بطلب "إفراج مشروط" مقترن بقرار ترحيله عن فرنسا. إنّها محاولته العاشرة، فهل تكون هذه المرّة هي الثابتة، عشية ذكرى الثورة الفرنسية في 14 تموز/يوليو الحالي؛ هذه الثورة الفرنسية التي استمد منها جورج ورفاقه الكثير من قيمهم ومبادئهم وأفكارهم؟ هل يفعلها الرئيس إيمانويل ماكرون أخيراً أو بالأحرى هل تترك السلطة السياسية للقضاء أن يقوم بعمله، ثم توقّع على قرار الإبعاد؟
لقد حان الوقت كي يعود جورج إبراهيم عبد الله إلى وطنه لبنان، ليعيش أياماً طبيعية بين أهله ورفاقه وأصدقائه.