عدي التميمي.. نموذج للفلسطيني الجديد
الشهيد عدي التميمي كان يتمتع بوعي أمني على مستوى عالٍ، واستطاع التخفي عن أعين الاحتلال وأجهزته وآلياته ومروحياته ومعاونيه لأيام عدة.
حصل الشهيد عدي التميمي على رمزية كبيرة في الشارع الفلسطيني والعربي نتيجة بطولته التي مثلت نموذجاً حياً للجيل الفلسطيني الجديد، بالتمرد على فكرة الاحتلال أو الاستسلام للواقع الأمني المعقد في القدس والضفة المحتلتين، معلناً في وصيته هدفه من عمليتيه الفدائيتين، وهو أنه يريد أن يلحقه مئات الشبان بحمل البندقية في وجه الاحتلال.
رمزية الشهيد عدي بدأت بعد ساعات من تنفيذه العملية الفدائية الأولى على حاجز مخيم شعفاط في مدينة القدس، بعدما هبّ مئات الشبان لحلق شعرهم لتعقيد مهمة أجهزة أمن الاحتلال في البحث عنه، إضافة إلى أنّ رمزيته ازدادت بعدما استطاع التخفي 10 أيام عن عيون الاحتلال، على الرغم من الجهود الأمنية والعسكرية الضخمة التي بذلها الاحتلال للوصول إلى طرف خيط يقود إليه.
في السابق، كنا نقول إنَّ انسحاب منفذ العملية الفدائية وتمكنه من التخفي عن أعين الاحتلال 48 ساعة يمثل انتصاراً على الاحتلال ومنظومته الأمنية. واليوم، بعد عملية عدي التميمي الثانية، نقول إن تنفيذ عملية والتخفي والعودة بعملية جديدة يمثل مرحلة جديدة لم يشهدها الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الثانية.
كان الشهيد التميمي يتمتع بوعي أمني على مستوى عالٍ، إذ استطاع التخفي عن أعين الاحتلال وأجهزته وآلياته ومروحياته ومعاونيه لأيام عدة، وهو ما يدل على ارتفاع وتيرة الوعي الأمني لدى المقاوم الفلسطيني، إضافةً إلى تنامي الحاضنة الشعبية للمقاومة في الضفة المحتلة والقدس، ما يعني أن التعقيدات ستزداد في وجه منظومة الاحتلال الأمنية.
أظهر الشهيد التميمي بعمليّتيه قوة المقاوم الفلسطيني وصلابته، وطبيعة الجيل الجديد الذي لا يخشى مجابهة الاحتلال، ولا يحسب أي حساب له وللعقبات التي يضعها أمام الفدائيين، من محاولة اغتيال أو اعتقال، فالجيل الجديد يضع نصب عينيه أن المشكلة الأساسية هي الاحتلال، ما يعني أننا على مشارف مرحلة جديدة تستند إلى جيل فلسطيني جديد مستعدّ للمواجهة، حتى لو بأقل الأدوات التي يمتلكها.
نشر الاحتلال فيديو العملية الثانية للشهيد عدي التميمي جاء بنتائج عكسية، فالرقابة العسكرية التي أرادت أن تطمئن المستوطنين، وأن تكسر الدافعية للعمليات الفدائية للفلسطينيين بمشهد قتل الشهيد عدي، لم تدرك أن مشهد إطلاق النار ومواصلة القتال حتى الرمق الأخير جعلت منه رمزاً لكلّ فلسطيني يقاتل حتى الرمق والطلقة الأخيرين.
عمليتا حاجز "شعفاط ومعاليه أدوميم" أدتا إلى تغذية الروح الوطنية والثورية لدى الشبان في القدس والضفة المحتلة، بالتزامن مع الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة في مختلف مدن الضفة والقدس المحتلة.
هذا الأمر يعني أننا ذاهبون نحو تصاعد في الفعل المقاوم في الضفة المحتلة، إذ يمثل البطل التميمي أيقونة ونموذجاً يقتدي به الشبان الفلسطينيون الذين باتوا يعلنون أن لا استسلام للاحتلال، وأن المواجهة ستستمر إلى آخر رمق.
قد نكون خلال الفترة المقبلة أمام سلسلة جديدة من العمليات الفدائية في الضفة والقدس وفلسطين 48، بما يضغط على المستويين الأمني والعسكري في "دولة" الاحتلال. هذا الأمر تنظر إليه هاتان المنظومتان بعين الخطورة نتيجة الثمن الكبير الَّذي تدفعه، فـ"الجيش" ينشر حالياً أكثر من نصف قواته في الضفة للسيطرة على الوضع من دون القدرة على ذلك.
جميع المؤشرات تشير إلى انضمام أعداد متزايدة من الشبان إلى الكتائب الفلسطينية المقاومة في مدن الضفة المحتلة، وهو ما يعني أننا سنكون خلال الفترة المقبلة أمام ظهور مجموعات جديدة في مدن جديدة، وخصوصاً في منطقتي وسط الضفة الغربية وجنوبها.
الخيارات أمام المستوى السياسي في "دولة" الاحتلال معقدة جداً، إذ إنَّ عملية عسكرية ربما تزيد الأزمة في الضفة المحتلة، وقد تؤدي إلى جلب ردود من مناطق أخرى، وخصوصاً من قطاع غزة، لكن بالمجمل، الوضع في الضفة حالياً، وبحسب التفويض الحكومي، من مسؤولية الجيش، وهو يقدر الوضع بحسب رؤيته وتقديره الميدانيين.
حتى الوقت الحالي، "الجيش" يتمهل في الذهاب نحو عملية عسكرية موسعة في الضفة الغربية، وهو يعطي السلطة الفلسطينية فرصة للتخلّص من المجموعات المقاومة. وخلال الفترة المقبلة، سيظهر عجز السلطة في هذا الملف، ما قد يدفع الجيش إلى القيام بعمليات عسكرية موسعة منفردة في عدد من مدن الضفة الغربية، وخصوصاً جنين ونابلس.