طوفان الأقصى... كيف يفسّر انقلاب الخطاب الأميركيّ تجاه الحرب على غزّة؟

ضرب زلزال الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر "إسرائيل" في مقتل، وشكّل بداية نهاية "إسرائيل" التي يعلم قادتها دون غيرهم أن نهاية كيانهم المزعوم ستأتي بعد أول هزيمة تتعرّض لها "إسرائيل"، وقد تحقّقت.

  •  كيف يفسّر انقلاب الخطاب الأميركيّ تجاه الحرب على غزّة؟
    كيف يفسّر انقلاب الخطاب الأميركيّ تجاه الحرب على غزّة؟

منحت الإدارة الأميركية "إسرائيل" منذ تاريخ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر، ضوءاً أخضر وتفويضاً مفتوحاً ودعماً عسكرياً ومالياً وسياسياً، لشنّ حرب عسكرية مدعومة غربياً، ضدّ حركة حماس والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، جعلت "إسرائيل" من عدوانها على غزة حرباً وجودية، أما أميركا فجعلتها حرباً استراتيجية تتعلّق بحاضرها ومستقبلها في الشرق الأوسط، دعمت "إسرائيل" بخبراء مختصين ورسمت لها خريطة طريق للقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية، وأعلنت هي "إسرائيل" إصرارها وتصميمها الانتصار على حماس.

سبعون يوماً أو أقلّ، على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ويد حماس والمقاومة هي العليا تكبّد الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، أما "إسرائيل" فهي عاجزة عن تحقيق نصر عسكري، وباتت تستنجد بهدنة جديدة تنقذها من ورطة الحرب البرية المكلفة لـ "جيشها"، أما المفاجئ فهو بداية التغيّر في الخطاب الأميركي، فقد بدأت واشنطن تستشعر أنّ "إسرائيل" تجرّها إلى مستنقع كبير وتضعها في مواجهة العالم، وكأنّ انقلاباً حدث مع تصريحات الرئيس الأميركي بايدن الأخيرة بين لحظة إعلان صهيونيته على الملء بدعمه المطلق لـ "إسرائيل"، ومطالبته الأخيرة بضرورة تغيير حكومة نتنياهو، وإعلانه أنّ سلامة الشعب اليهودي باتت على المحك، وحديثه الجديد عن بداية فقد "إسرائيل" للدعم الدولي في الحرب على غزة.

تفسير هذا الانقلاب في تغيّر الموقف الأميركي تجاه الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة يسجّل في ثلاثة سياقات رئيسية:

السياق الأول: موقف يعكس مؤشّراً واضحاً وصريحاً على المأزق العسكري الذي وصلت إليه "إسرائيل" في عجزها عن تحقيق أهدافها التي كانت قد أعلنتها بداية الحرب على غزة، باستثناء ممارسة جرائم الحرب ضد المدنيين الفلسطينيين. 

السياق الثاني: حال العزلة والرفض اللذين تواجههما إدارة بايدن بسبب دعمها المطلق وغير المشروط لـ "إسرائيل" في ارتكاب جرائم حرب وإبادة ضدّ المدنيين في قطاع غزة.  

السياق الثالث: تحوّل "إسرائيل" إلى عبء على الدول الداعمة لها بسبب انتهاكاتها الصارخة لمبادئ القانون الدولي والإنساني، وتورّطها في جرائم ضدّ الإنسانية وتهجير الفلسطينيين القسري الذي طال أكثر من مليون فلسطيني داخل قطاع غزة إلى المحافظات الجنوبية فيه.

الصمود الأسطوري لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية من جهة، وصمود الشعب الفلسطيني الذي تعرّض لأبشع صور الإبادة الجماعية والتطهير العرقي من جهة أخرى، أحدث شرخاً في المواقف بين "إسرائيل" وأميركا التي حاولت إدارة بايدن إخفاءه بداية الحرب على قطاع غزة، لكنه انفجر إلى العلن إزاء الكثير من المعطيات التي طرأت خلال السبعين يوماً وما مرّت خلالها من أحداث وتفاصيل في الحرب الدائرة على قطاع غزة.

لم يترك نتنياهو جريمة إبادة إلا وارتكبها "جيشه" المنهزم في غزة،  وصلفه وصل لحد إنهاء أبسط مقوّمات الحياة في غزة، لكن الواضح أن إدارة بايدن بدأت تتبرّأ منه تدريجياً، وشعرت أنها في ورطة، وتصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة تعكس خلافات حقيقية مع نتنياهو وحكومته حول جدوى استمرار الحرب وقدرة "إسرائيل" على تحقيق أهدافها، وهذا ما عبّرت عنه وزارة الخارجية الأميركية في تصريح رسمي لها بعد تحوّل واضح في لغة الخطاب الأميركي الذي قالت إنه لا يمكن هزيمة فكرة بساحة معركة، ويجب تقديم إجابة لتطلّعات الشعب الفلسطيني، هذا من جهة، وما كشفت عنه هيئة البثّ الإسرائيلية وإذاعة "جيش" الاحتلال مجدّداً من أن الرئيس الأميركي جو بايدن دعا نتنياهو لتغيير حكومته من جهة أخرى. 

ثمّة أسباب أخرى كامنة وراء تغيير لغة الخطاب الأميركي تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تتلخّص في فشل "إسرائيل" الذريع في تحقيق صورة نصر عسكري رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأميركي الغربي المطلق لـ "إسرائيل" منذ بداية الحرب على قطاع غزة، والتغيّر الواضح في المواقف الدولية الرسمية التي اتضحت مؤخراً من خلال التصويت على قرارات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة والتي حملت ثقلاً سياسياً، وعكست وجهات النظر الدولية الحقيقة بشأن استمرار الحرب وجدواها، بعد فقدان أميركا مصداقيتها وزيف ادعاءاتها طوال فترة الحرب في الحديث عن الأبعاد الإنسانية والأخلاقية مقابل ارتفاع سجل الإجرام الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين المدنيين من الأطفال والنساء، والذين وصل عددهم لما يقرب من عشرين ألف شهيد.

لقد وجدت أميركا نفسها في مواجهة دول العالم التي بدأت تطالب بوقف الحرب المجنونة من خلال جلسات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، وهو ما أحدث خشية من توسّع دائرة المواجهة والصراع بشكل أكبر يصعب السيطرة عليه، في ظلّ نجاحات جماعة أنصار الله في اليمن باحتجاز سفن وشلّ حركة سفن إسرائيلية وأخرى متوجّهة إلى "إسرائيل" في البحر الأحمر من جهة، واستمرار اشتعال جبهة المواجهة الشمالية مع حزب الله وضرباته المتواصلة ضد أهداف إسرائيلية من جهة أخرى.

دول كثيرة راهنت على ساعة الصفر التي سيعلنها نتنياهو ووزراؤه في نجاحه بالقضاء على حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية خلال أسبوعين، لكن هبّت الرياح بما لا تشتهي السفن، فالمقاومة الفلسطينية سجّلت هزيمة ساحقة على هذه الدول وفي مقدّمتها "إسرائيل" و"جيشها" المحتل من مسافة صفر، أما تلك الدول فستتوقّف للحظة وستجد نفسها قد خسرت كلّ القيم والمبادئ والأخلاق ومعايير الإنسانية المزعومة أمام سجل الإجرام الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين.

أبو عبيدة عاد للظهور من جديد، والقائد يحيى السنوار حيّ يرزق وعجزت "إسرائيل" عن الوصول إليه، والمقاومة صامدة ولم تنكسر وما زالت تستبسل في الميدان، و"إسرائيل" جنّ جنونها وتطلق الأكاذيب لتغطي على فشلها العسكري والسياسي الشنيع وعلى حرب الإبادة التي تشنّها في غزة، وعليه فلن تخرج منتصرة بأي حال من الأحوال، وصورة الهزيمة الكبرى بانتظارها، أما الإنجاز الوحيد الذي ستخرج به فهو سجل من الإجرام اللا محدود في ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية.

سياسياً، أسهم الزلزال الاستراتيجي يوم الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر وما تبعه من استبسال للمقاومة الفلسطينية في تدفيع "إسرائيل" خسائر فادحة، وستكون له تداعياته على الخارطة السياسية في المنطقة، أما الخاسر الأكبر في هذه الحرب فهي "إسرائيل" نفسها ومن لفّ حولها من دول التطبيع التي راهنت على نجاح "إسرائيل" في القضاء على حماس وفصائل المقاومة، ورهنت مصيرها السياسي بمصير "إسرائيل" ووقفت متفرّجة على جرائم الإبادة.

عسكرياً، فقد ضرب زلزال الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر "إسرائيل" في مقتل، وشكّل بداية نهاية "إسرائيل" التي يعلم قادتها دون غيرهم أن نهاية كيانهم المزعوم ستأتي بعد أول هزيمة تتعرّض لها "إسرائيل"، وقد تحقّقت.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.