ضابط إسرائيلي في البحرين.. لماذا الآن؟
إلحاق ضابط من جيش الاحتلال بالعمل، بصورة دائمة ورسمية، في أرض دولة عربية، يُعَدّ سابقة في تاريخ "إسرائيل".
كشفت "القناة الـ 13" الإسرائيلية عن تعيين ضابط كبير تابع لسلاح بحرية الاحتلال الإسرائيلي في البحرين بصفة دائمة، يقوم بدور التنسيق بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والأسطول الخامس الأميركي، الذي يتمركز في منطقة "الجفير" شرقي العاصمة البحرينية المنامة، وتشمل عملياته منطقة الخليج وخليج عُمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي. ومن الجدير ذكره أن إلحاق ضابط من جيش الاحتلال الاسرائيلي بالعمل، بصورة دائمة ورسمية، في أرض دولة عربية، يُعَدّ السابقة الأولى في تاريخ "إسرائيل"، وأتت تلك الخطوة نتيجة زيارة وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس للبحرين، والتي كانت أهم نتائجها توقيعَ مذكرة اتفاق تعاون عسكري بين "إسرائيل" والبحرين. وهنا، يجب التساؤل عن حقيقة الأهداف والدوافع الإسرائيلية من وراء هذا التعاون العسكري وغير المسبوق بين البحرين وكيان الاحتلال.
منذ اللحظة الأولى لتوقيع "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية، تعمل "إسرائيل" على تحويلها إلى تحالف عسكري علني في المنطقة، بقيادتها وتحت الرعاية الأميركية، كما تحدّث عن ذلك الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عبر قوله "إن الجيش الإسرائيلي يسعى، طوال الوقت، لانتهاز أيّ فرصة من أجل تعزيز التعاون العسكري مع دول المنطقة". وبالتالي، تهدف "إسرائيل" استراتيجياً إلى توريط المنطقة في حلف عسكري حربي يخدم مصالحها، ويُخرج أمنها القومي من مآزقه المتعددة، لكنْ بأيادٍ عربية، وبتمويل عربي، وفي الأراضي العربية، وكل ذلك تحت تأثير كذبة وَهْم العدو الإيراني المشترك.
تؤدّي الولايات المتحدة الأميركية دوراً مركزياً في توفير الغطاء اللازم إسرائيلياً لتشكيل هذا الحلف العسكري، وذلك عن طريق القيادة الأميركية الوسطى (سانتكوم)، المسؤولة عن العمليات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، والتي قررت واشنطن ضم "إسرائيل" إليها عام 2021م. أضف إلى ذلك دور الأسطول الخامس الأميركي في تعزيز التعاون العسكري البحري بين "إسرائيل" والدول العربية والإسلامية، وخصوصاً الإمارات والبحرين، بحيث شهد البحر الأحمر، في نهاية عام 2021م، مناورات مشتركة بين قوات بحرية من الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل" والإمارات العربية المتحدة والبحرين، في قلب الطريق الملاحي الحيوي والذي يؤدي إلى قناة السويس.
كما أشرفت القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، في بداية عام 2022م على مناورات في البحر الأحمر والخليج العربي تجمع 60 دولة عربية وإسلامية، وتشمل "إسرائيل" والسعودية وباكستان ومصر والإمارات والبحرين، في أول تدريب من نوعه يُعلَن بشأنه، الأمر الذي يفسّر بيان الخارجية البحرينية الذي يفيد بأن تعيين ضابط بحرية الاحتلال الإسرائيلي في المنامة "يأتي في إطار ترتيبات متعلقة بتحالف دولي يضمّ أكثر من أربع وثلاثين دولة"، بمعنى أن "إسرائيل" باتت جزءاً من هذا التحالف. ومن المؤكد أن دولاً كثيرة في المنطقة لن تقبل هذا التحالف، وتعدّه تحالفاً عدوانياً ضدها، كونها تدرك أن "إسرائيل" هي العدو المركزي للأُمة والمنطقة، والتهديد الأساسي للأمن القومي للمنطقة.
يعاني الأمن القومي للاحتلال الإسرائيلي عدةَ معضلات، نتاجَ تغيرات البيئة الاستراتيجية الأمنية المحيطة بـ"إسرائيل"، وأهمها اختلاف نوعية العدو المهدِّد لـ"إسرائيل"، و تطوُّر نوعية الأسلحة التي يواجه بها كيانَ الاحتلال، الأمر الذي أفقد "إسرائيل" عدداً من نقاط قوتها العسكرية السابقة، وفي مقدمتها:
أولاً، إبعاد الجبهة الداخلية للاحتلال الإسرائيلي عن المعركة، من خلال نقلها إلى أرض الخصم. لكن، مع تطور محور المقاومة وامتلاكه السلاح الصاروخي والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى تعدُّد جبهات المواجهة واتساعها الجغرافي، باتت "إسرائيل" غير قادرة على تنفيذ استراتيجية نقل المعركة إلى أرض الخصم. لذلك، تسعى، من خلال تشكيلها حلفاً عسكرياً مع دول الخليج المطبّعة، لأن تستعيض عن استراتيجية نقل المعركة إلى أرض الخصم باستراتيجية "نقل المعركة إلى أرض الحلفاء". فـ"إسرائيل" تسعى لتحويل منطقة الخليج إلى ساحة المعركة الرئيسة، من خلال توريط بعض دول الخليج في حلف عسكري يحوّل منطقة الخليج إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية متقدمة، بما تحمله من محطات إنذار مبكّر، ومنظومات دفاعات جوية، وقواعد بحرية وجوية، وغيرها من الأمور التي تخدم "إسرائيل" في إبعاد الدمار عن كيانها في حالة نشوب أيّ حرب مفتوحة مع إيران ومحور المقاومة.
ثانياً، هناك مقولة مشهورة في أوساط القادة العسكريين الإسرائيليين، فحواها: "إيران لها حدود مع إسرائيل، لكن إسرائيل ليس لها حدود مع إيران"، وتعززت تلك المقولة مع قدرة إيران ومحور المقاومة على إحاطة "إسرائيل" بـ"دوائر النار"، وإدخال "إسرائيل" فيما يشبه حرب استنزاف مستمرة، ومن جبهات متعددة.
وبالتالي، فقدت "إسرائيل" القدرة على الحرب الخاطفة والسريعة والحاسمة مع محور المقاومة، واعتمدت، بدلاً عن ذلك، استراتيجية "المعركة بين الحربين"، والتي تعتمد على العمل العسكري الأمني المستمر، والذي لا يُزيل التهديد بالكامل، لكنه يعرقل تعزيز قوة العدو. ويتم كل ذلك من دون الوصول إلى مستوى الحرب المفتوحة.
وهنا، تبرز أهمية الحلف العسكري الإسرائيلي مع دول التطبيع، وخصوصاً في الخليج العربي. فـ"إسرائيل" تسعى لتحويل الخليج إلى منصة انطلاق لعمليات "المعركة بين الحربين" في الداخل الإيراني، وفي المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للإيرانيين في الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي. وبالتالي، تشنّ "إسرائيل" حرب استنزاف بالوكالة بواسطة دول التطبيع الخليجية بعيداً عن كيانها، ومن دون إضرار باقتصادها وجبهتها الداخلية، لكن على حساب أمن الخليج واستقراره واقتصاده، ورفاهية سكانه.
ثالثاً، إن تشكيل حلف عسكري إسرائيلي مع الدول العربية المطبِّعة، والعمل على توسيعه ليضم 34 دولة - كما تحدّث بيان الخارجية البحرينية - يصبّان، بصورة مؤكدة، من جهة، في اتجاه شيطنة قوى المقاومة في المنطقة، بما فيها المقاومة الفلسطينية، وبالتالي استحضار تحالف دولي من أجل الحرب عليها، على أنها تنظيمات "إرهابية"، على غرار "داعش"، ويصبّان، من جهة أخرى، في تعزيز الوجود الإسرائيلي الصهيوني في المنطقة العربية كجزء من نسيج المنطقة. وفي المحصّلة النهائية، يتمّ إضفاء شرعية زائفة بواسطة دول التطبيع العربي على الممارسات الوحشية لآخر "دولة" احتلال في التاريخ تجاه الشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.