دلالات زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى سوريا
يبدو فعلاً أنّ الصين وسوريا انتقلتا فعلياً إلى مرحلة جديدة في علاقاتهما تعود بالنفع على الجانبين. ويبقى أخيراً أن بمقدور الصين البدء بإعادة إعمار المناطق السورية الآمنة التابعة للنظام والمناطق المحررة.
تزامناً مع أداء الرئيس السوري بشار الأسد اليمين الدستورية لولاية رئاسيّة رابعة، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي دمشق نهار السبت الفائت، حاملاً معه 4 نقاط لحل القضية السورية، إضافةً إلى العمل على تعزيز التعاون بين الصين وسوريا، ومناقشة دور الأخيرة في مبادرة "الحزام والطريق".
خلال السنوات الماضية، قدّمت بكين دعماً مالياً وسياسياً للنظام السوري. تجلّى ذلك في استخدامها حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد القرارات التي كانت ترى فيها تدخلاً في شؤون سوريا الداخلية، وطالبت مراراً وتكراراً بإزالة العقوبات التي فرضتها واشنطن على دمشق. وفي ظلِّ أزمة فيروس كورونا المستجدّ، أرسلت الصين المساعدات الطبية إلى سوريا، وقدَّمت لها اللقاحات.
تتّسم زيارة وزير الخارجية الصيني بأهمية كبيرة، وخصوصاً أنها الزيارة الأولى لمسؤول صينيّ رفيع المستوى منذ بدء التظاهرات السورية في العام 2011. وقد جاءت بالتزامن مع اليوم الذي أدى فيه الرئيس السوري اليمين للرئاسة.
تحمل الزيارة إشارات عديدة، أبرزها كسر الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على سوريا، وتقديم الدعم للرئيس السوري، وإظهار أنّ التدخّل العسكري الذي قامت به واشنطن وحلفاؤها لإطاحة الرئيس الأسد لم يجلب سوى الخراب، وأن الشعب السوري قال كلمته بإعادة انتخابه لسبع سنوات جديدة. وفي هذا الإطار، أعلن وزير الخارجية الصيني معارضة بلاده لأيّ محاولة لتغيير النظام في سوريا.
من ناحية أخرى، تسعى الصين إلى أن يكون لسوريا دور في مبادرة "الحزام والطريق"، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي ودورها الإقليمي المهم، وهو ما أكَّده وزير الخارجية الصيني أثناء لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، ما يساهم في إنجاح المبادرة. في المقابل، إنَّ انضمام سوريا إلى المشروع سيعود بالنفع عليها أيضاً، إذ ستبدأ عمليّة إعادة الإعمار وإقامة البنى التحتية المتطورة، فضلاً عن ازدياد الاستثمارات الصينية في سوريا.
وتم خلال اللقاء بين الرئيس الأسد والوزير وانغ التوافق على الانطلاق نحو مرحلة جديدة في تعزيز العلاقات وفتح آفاق أوسع للتعاون الثنائي في كل المجالات. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، في رسالة التهنئة التي بعث بها إلى الرئيس الأسد بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً لسوريا، أشار إلى أنَّ الصين ستقدّم ما بوسعها من المساعدات لتنشيط اقتصاد البلاد.
وقد أبدت بكين مراراً رغبتها في إعادة إعمار سوريا. مثلاً، في العام 2017، أكّد المبعوث الصيني الخاصّ إلى سوريا شيه شياويان استعداد بلاده للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. وكان الرئيس السوري قد طلب مساعدة بكين في إعادة الإعمار ورحّب بالاستثمارات الصينية. ومما لا شكَّ فيه أنَّ سوريا تستطيع الاستفادة من الخبرات الصينية في مجال البنى التحتية المتطورة.
وأثناء زيارة وانغ يي لسوريا، قدّم اقتراحاً من 4 نقاط لحلّ القضية السّوريّة:
أولاً: احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها واحترام خيار الشّعب السوري.
ثانياً: إعطاء الأولويّة لرفاه الشعب السوري، وتسريع عملية إعادة الإعمار، والرفع الفوري للعقوبات الأحادية والحصار الاقتصادي المفروض على سوريا.
ثالثاً: التمسّك بموقف حازم بشأن مكافحة الإرهاب على نحو فعّال.
رابعاً: العمل على إيجاد حلّ سياسيّ شامل للقضية السورية، وحلّ الخلافات بين الفصائل السورية من خلال الحوار والتشاور.
والجدير بالذكر أنَّها ليست المرة الأولى التي تقدّم فيها بكين مقترحات لحل الأزمة السورية؛ ففي العام 2015، أعلن وانغ يي أثناء اجتماعه بوزير الخارجية السوري السابق وليد المعلم التمسك بثلاثة مبادئ لحل الأزمة السورية، هي التمسك بالحل السياسي، وتقرير الشعب السوري لمصيره، والتمسك بوساطة الأمم المتحدة. وعملت الصين خلال السنوات الماضية على حل الأزمة السورية عن طريق الوساطة والحوار؛ فقد استضافت معارضين سوريين ومسؤولين تابعين للدولة السورية، كما عيّنت مبعوثاً خاصاً إلى سوريا.
وفي إطار آخر، يثير تواجد المسلّحين الإيغور في سوريا، والذين جاؤوا إليها وانضموا إلى تنظيم "داعش"، ومن ثم إلى الحزب الإسلامي التركستاني الذي أزاله ترامب من قائمات الإرهاب قبل مغادرته البيت الأبيض، مخاوف بكين. وكان الحزب التركستاني قد هدَّد الصين بسبب "انتهاكها حقوق الإنسان" في إقليم شينغيانغ.
وتخشى بكين عودة "هؤلاء المتطرّفين الإيغور" إلى إقليم شينغيانغ والقيام بأعمال تهدد الأمن، وخصوصاً بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان، وسيطرة "طالبان" على معظم المناطق فيها، وسيطرتها على إقليم بدخشان على الحدود مع منطقة شينغيانغ، على الرغم من تعهّد "طالبان" بعدم استقبال المقاتلين الإيغور ورغبتها في تطوير علاقاتها بالصين.
يبدو فعلاً أنّ الصين وسوريا انتقلتا فعلياً إلى مرحلة جديدة في علاقاتهما تعود بالنفع على الجانبين. ويبقى أخيراً أن بمقدور الصين البدء بإعادة إعمار المناطق السورية الآمنة التابعة للنظام والمناطق المحررة، على أن يرافق ذلك تأمين حماية للشركات الصينية، تداركاً لأي هجوم قد يقدم عليه المسلّحون الإيغور في سوريا.