خضر عدنان.. الحرية أو الحرية
الحرية بالنسبة للشيخ خضر عدنان تعني الخروج من السجن لمواصلة النضال خارجه، وهو شكل من أشكال الحرية، فأنت حرٌ ما دمت تملك إرادتك في مواصلة الكدح لنيل الحرية.
في رواية "الحرية أو الموت"، يقول الأديب اليوناني الكبير نيكوس كازانتزاكيس على لسان أحد أبطالها: "إنني أصبح حراً حتى في رقّ العبودية حين أستمتع بحرية المستقبل... حرية الأجيال القادمة. وعندما أقاتل في سبيل الحرية طوال حياتي، فسأموت إذاً رجلاً حراً. إنَّ الرجولة كامنة في الروح، وليس الجسد، والحرية بذرة لا تنمو في الماء، إنما بالدماء وحدها تنمو وتترعرع".
ويرى كازانتزاكيس في مواضع كثيرة من الرواية أنَّ الحرية لا يمكن أن تُمنح، وأن من يُمنح حريته سيكون عبداً لتلك القوة الجديدة.
لقد جسّد الشهيد خضر عدنان (رحمه الله) هذه المعاني والقيم الواردة في الرواية ابتداءً من عنوانها "الحرية أو الموت"، فالحرية تعني الخروج من السجن لمواصلة النضال خارجه، وهو شكل من أشكال الحرية، فأنت حرٌ ما دمت تملك إرادتك في مواصلة الكدح لنيل الحرية.
الموت الذي يعنيه كاتب الرواية هو الشهادة عندنا، والشهادة تعني في أحد معانيها التخلّص من أسر الطين، والتحرر من جاذبية الأرض المحفوفة بالشهوات، والسمو بالروح بعيداً من أدران الحياة الدنيا، فهو تجسيد لمعادلة الحرية أو الحرية إذاً، وليس الحرية أو الموت.
ومن المعاني والقيم التي جسّدها الشهيد خضر عدنان من خلال إضرابه عن الطعام وانتصاره على جلاديه هو معنى الحرية وإرادة النصر وفلسفة الصمود، عندما أضرب عن الطعام مطالباً بحريته حتى الموت، بل حتى الشهادة.
إنَّ الإضراب عن الطعام هنا هو نوع من الكفاح والجهاد يقوم به أولو العزم من الأحرار الذين يمتلكون إرادة النصر، ويدركون أن النصر صبر ساعة، ويفهمون فلسفة الصمود وأسراره التي تجعل الجسد الصغير والجسم النحيف عظيماً مع الروح الكبيرة والهمة العالية والإرادة القوية والعزيمة الصلبة. ومن يستحوذ على هذه الصفات يصبح حراً، ولو غيّبه السجن أو القبر، فإن عاش، فسيعيش رجلاً حراً، وإن مات، فسيموت رجلاً حراً.
اقرأ أيضاً: بعد 86 يوماً من الإضراب عن الطعام.. الأسير خضر عدنان شهيداً داخل سجون الاحتلال
لقد نزع الشيخ الشهيد خضر عدنان حريته انتزاعاً من قبضة عدوه، ولم يستجدِها استجداء في مرات سابقة، كي لا يصبح أسيراً لعدوه، مكبّلاً بقيوده، ولسان حاله يقول إنَّ النصر ليس هبة مجانية، والهزيمة ليست قدراً لازماً، فللنصر أسبابه وسننه التي تبدأ بالإيمان بالله، وعدالة القضية، والثقة بنصره، وامتلاك إرادة النصر وأخلاق المنتصرين وعزيمة الأحرار.
كما أنَّ للهزيمة أسبابها وسننها التي تبدأ بالهزيمة النفسية إذا فُقد الإيمان بنصر الله وعدالة القضية وإرادة النصر، وغاب التّحلّي بأخلاق المنتصرين وعزيمة الأحرار، وتغلغل الوهن، وفسدت الروح.
جسّد الشهيد خضر عدنان بإصراره على مواصلة الإضراب عن الطعام حتى الحرية أو الشهادة إرادة النصر وفلسفة الصمود، عندما صنع من جوعه حريته، ومن ألمه عزته، ومن معاناته كرامته.
إنَّ حريته وعزته وكرامته من حرية شعبه وعزته وكرامته؛ هذا الشعب الذي يتوق إلى نموذج القائد البطل الذي لم يذق طعم النضال المكيّف من فئة 5 نجوم، والذي يحترم نموذج القائد البطل الذي لم يمارس فنون الردح المتبادل عبر الفضائيات.
هذا الشعب يستحق قائداً بطلاً كخضر عدنان وغيره الكثيرين من أبطال شعبنا الذين قضوا نحبهم موتاً أو شهادة، أو الأبطال الذين ما زالوا وراء القضبان أو في الميدان، وما بدّلوا تبديلاً.
هذا الشعب يستحقّ قادة أبطالاً يمكن أن يصنعوا القدرة على الفرح، ويمكن أن يمنحوا الناس الأمل بغدٍ أفضل، ويمكن أن يلهموهم البصيرة التي تحافظ على اتجاه البوصلة.
إنّه يستحقّ قادةً أبطالاً يضربون للناس المثل في الإصرار على مواصلة الكفاح والجهاد حتى النصر، حتى لو كان النصر شهادةً تحرر الروح من قيدَي الجسد والسجن، كما فعل الشيخ الشهيد خضر عدنان.