"حماس" في روسيا.. أبعاد الزيارة وانعكاساتها المحتملة
الزيارة المهمة من حيث الأبعاد، والتوقيت، والدلالات، ستكون بمثابة نقطة تحول عبر حالة من التنسيق المشترك بين الطرفين.
استجابة لدعوة من وزارة الخارجية الروسية، وصل وفد رفيع المستوى من حركة "حماس"، برئاسة رئيس مكتب العلاقات الدولية د. موسى أبو مرزوق، إلى العاصمة الروسية موسكو من أجل إجراء مباحثات مع المسؤولين الروس في عدد من الملفات المهمة والمتعلقة بتطورات القضية الفلسطينية.
كعناوين عامة، لن تخلو هذه الزيارة، في مثل هذا التوقيت، من مناقشة ملفات مهمة، كالتصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في مدينة القدس المحتلة، والاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، واستمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة، وتداعيات الحرب الأوكرانية، والأوضاع الإقليمية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية والمنطقة.
تأتي هذه الزيارة في بيئة سياسية مغايرة تماماً لما كانت تحدث فيه زيارات مشابهة لوفود من حركة "حماس"، وفي توقيت لافت جداً في ظل نشوء توتر ملحوظ في العلاقات بين روسيا و"إسرائيل" على هامش الحرب الدائرة مع أوكرانيا. لكن اللافت، وفق جدول الزيارة، أنها تتضمن لقاءات مع مسؤولين في الخارجية الروسية وآخرين في مجلسي النواب والشيوخ الروسيين، بالإضافة إلى إجراء مباحثات مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف.
زيارة وفد "حماس" لموسكو، ولقاؤه القيادتين الروسية والشيشانية، يمكن توظيفهما في الدرجة الأولى لمصلحة القضية الفلسطينية، إذ يُعَدّان إنجازاً دبلوماسياً مهماً يهدف إلى توسيع حالة الاصطفاف الإقليمي في شكله الإيجابي تجاه ما يدور من أحداث في العالم لمصلحة القضية الفلسطينية، وهو ما يُعَدّ نجاحاً ملموساً في استعادة مركزية قضية فلسطين، في بعدها الدولي.
صحيح أن هذه الزيارة تأتي في سياق العلاقة الطبيعية والقائمة والمستمرة بين موسكو وحركة "حماس"، والممتدة منذ أعوام، لكن من حيث البيئة والتوقيت يمكن توظيفها وتطويرها نظراً إلى تطور مكانة حركة "حماس" إقليميا، وتأثيرها سياسياً وعسكرياً، وخصوصاً أنها تأتي في ظل حالة من الاستقطاب العالمي في إثر الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، وأمام تشكل حلف القدس ومركّباته ومكانته لدى روسيا وحليفتها الصين في وجه الهيمنة الأميركية.
توظيف الزيارة سياسياً، أو حتى في أوجه متعددة، وارد بصورة كبيرة، والهدف يكمن في إعادة فرض بيئة جديدة تكون أساساً لمرتكزات تنسجم مع متغيرات طرأت تخدم مصالح الطرفين، بحيث لا يمكن إغفال الحرب الروسية الأوكرانية وموقف "إسرائيل" تجاهها، وذلك فق مسارات، أهمها:
المسار الأول: تطوير العلاقات والمواقف السياسية بين الطرفين بمزيد من الدعم السياسي لموقف حركة "حماس" بشأن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وبيان الخارجية الروسية الذي صدر مؤخراً في الـ14 من نيسان/أبريل الماضي يعزز هذا المسار، عبر وصفه الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للمناطق الفلسطينية وضمها بالتدريج الى سيادتها.
المسار الثاني: مقاومة "إسرائيل" ومواجهتها في هذا التوقيت تتقاطع فيهما مصالح الطرفين بهدف إفشال مخطط "إسرائيل" إبدال الغاز الروسي بغاز فلسطيني مسروق، وبيعه للقارة العجوز، من خلال التنسيق، ومنح روسيا الضوء الأخضر للتنقيب عن الغاز أمام سواحل غزة. وعليه، قد تصبح موسكو مؤهّلة لإرسال سفن كسر الحصار عن قطاع غزة مستقبلاً.
المسار الثالث: إعلان الجناح المسلح لحركة "حماس" مؤخراً استخدامه صاروخ "ستريلا"، الروسي الصنع، ضد الطائرات الحربية الإسرائيلية في قطاع غزة، ليس ببعيد عن أهداف الزيارة. وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام دعم روسي متعدد الأوجه، سواءٌ عسكرياً مباشرةً، أو عبر الحلفاء في محور المقاومة، بهدف الضغط من موسكو على "إسرائيل" بعد الكشف عن وجود مرتزقة من "إسرائيل" يقاتلون إلى جانب كتيبة "آزوف" المتطرفة في أوكرانيا.
مثل هذا النموذج من الدعم الروسي للفلسطينيين ليس بالجديد. وتاريخياً، دعم الاتحاد السوفياتي والصين وكوريا الشمالية منظمة التحرير، وكان بدأ ذلك في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الحليف العربي الأول لروسيا، ثم الدعم العسكري الروسي المباشر لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد عام 1975.
المسار الرابع: التلويح بورقة "حماس" ورقةً قوية أمام اللوبي اليهودي في روسيا، الذي يعمل على إضعاف دور روسيا ومكانتها في المنطقة، بالتنسيق الكبير مع الولايات المتحدة.
بات واضحاً أن الأزمة في العلاقات بين "إسرائيل" وروسيا تتعمق بالتدريج، والانزعاج الإسرائيلي الكبير من استقبال روسيا لوفد رفيع من حركة "حماس"، في هذا التوقيت، بدا واضحاً عبر الإعلام الإسرائيلي. لكن، في المقابل، فإن "إسرائيل" تدرك أكثر من غيرها، أن مواردها السياسية والدبلوماسية أصبحت محدودة، ولا تستطيع الانجرار إلى مواجهة تصعيد أكبر مع روسيا، في ظل مواجهتها كثيراً من التحديات الإقليمية القائمة.
تكتسي هذه الزيارة لوفد حركة "حماس" أهمية كبرى، كونها تأتي في سياق أحداث ساخنة في الجبهة الروسية الأوكرانية، ومتغيرات كبيرة يشهدها الإقليم، وإصرار روسي على استكمال العمليات العسكرية في أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها.
ربما ترسم هذه الزيارة في هذا التوقيت خريطة تحالفات وتموضعات إقليمية ودولية جديدة، أمام تراجع دور أميركا في المنطقة. وهذا، في حد ذاته، يشكل فرصة لإنهاء نظام القطب الواحد وعودة النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب. ويتناغم ذلك مع الهدف الاستراتيجي تجاه الحرب الروسية الأوكرانية.
زيارة مهمة لحركة "حماس" لموسكو، من حيث الأبعاد، والتوقيت، والدلالات، ستكون بمثابة نقطة تحول مهمة من خلال حالة التناغم والتنسيق المشتركين مع كل الدول المساندة للقضية الفلسطينية عبر المحافظة على استراتيجية تجلب الدعم للقضية الفلسطينية ومقاومتها، وتقطع الطريق على "إسرائيل" ومخططاتها في المنطقة.
كما يقال دائماً، الأحداث تُخفي كثيراً من المفاجآت. لذلك، لا أستبعد تطور شكل العلاقات الروسية بحركة "حماس" في المستقبل القريب بصورة أكبر. فالعلاقة، الذي بدأت في حدود العلاقات الطبيعية، يمكن لها أن تتطور في أي لحظة نحو علاقات المصالح الاستراتيجية المشتركة، وربما يكون موضوع التنقيب عن غاز شرقي المتوسط عند شواطئ غزة هو أحد أهم هذه الملفات.