"حرب الغاز".. خنجر واشنطن في قلب حلفائها الأوروبيين
تأخّر الأوروبيون، شعوباً وأحزابَ معارضة ونقابات وجمعيات مجتمع مدني، في إطلاق ألمهم صراخاً وتمرداً في وجه الولايات المتحدة وقادتهم الخونة، ولا يمكن استبعاد ولادة الخلاف بين واشنطن وبروكسل وتصاعده، خصوصاً بعد انقشاع ضبابية المشهد، وسقوط الأقنعة الأطلسية.
من البوابة الأوكرانية، شنّت الولايات المتحدة "حرب الغاز" على روسيا، وفرضت حزماً متتالية من العقوبات غير القانونية لتقييد تدفق الغاز الروسي نحو أوروبا، وتعطيل مشروع "نورد ستريم 2". بالتأكيد، كانت دول الاتحاد الأوروبي هي الخاسر الأكبر في هذه الحرب، ووجدت نفسها تحت رحمة واشنطن، وهرعت لتأمين البدائل وسط الارتفاع الجنوني لأسعار الطاقة ومختلف السلع والمواد الغذائية، في ظل إفلاس العديد من الشركات الأوروبية وإغلاقها، وتراجع القدرة التنافسية الأوروبية عموماً أمام الولايات المتحدة. ويبقى أهمّ ما يمكن الحديث عنه هو وقوع الدول الأوروبية في فخ الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة لتأمين الطاقة.
بات على القادة الأوروبيين التوجه نحو شعوبهم، والاعتراف بفشل تبعية الاتحاد الأوروبي العمياء للولايات المتحدة، وبنجاح عملاء واشنطن وأتباعها بإغماد خنجرها في قلب حلفائها الأوروبيين، مثل زيلينسكي في أوكرانيا، وشولتس في ألمانيا، وماكرون في فرنسا، وغيرهم، إضافةً إلى جوقة المرتزقة في بروكسل.
ولم يعد خافياً سعي الولايات المتحدة الحثيث لاستهداف أسعار الغاز في الأسواق الأوروبية والعالمية، بوصفه جزءاً من سياسة العقوبات على روسيا، لكنَّها في الحقيقة استهدفت إضعاف أوروبا وتحويل استقرارها الاقتصادي السابق إلى اقتصاد تابع مضطرب ضعيف على حافة الانهيار.
تأخّر الأوروبيون، شعوباً وأحزابَ معارضة ونقابات وجمعيات مجتمع مدني، في إطلاق ألمهم صراخاً وتمرداً في وجه الولايات المتحدة وقادتهم الخونة، ولا يمكن استبعاد ولادة الخلاف بين واشنطن وبروكسل وتصاعده، خصوصاً بعد انقشاع ضبابية المشهد، وسقوط الأقنعة الأطلسية، ووقاحة "حرب الغاز" التي أطلقتها الولايات المتحدة الأميركية.
إنَّ سير الدول الأوروبية وراء السياسة الخارجية الأميركية، والسعي وراء تدمير الاقتصاد الروسي وتعطيل إمداداته للطاقة والغاز، واتحاد تلك الدول وراء رفض موارد الطاقة الروسية، جعل تكلفة الحصول على الطاقة في أوروبا الأعلى على المستوى العالمي، ودفع الرئيس الروسي إلى الحديث عن البديهيات الأساسية للاقتصاد، والعلاقة بين العرض والطلب، والتي تجاهلها القادة الأوروبيون، فتحوّلت، في رأيه، إلى "درس مرير".
لا يمكن الوقوف على العواقب والأثمان التي يدفعها حالياً ومستقبلاً المواطنون الأوروبيون والاقتصاد الأوروبي والشركات والمصانع وغير ذلك، ولا بد من أثمان سياسية ستدفعها القيادات والحكومات الأوروبية كفواتير مستعجلة قبل أن يحل الشتاء والبرد القارس، وتفتك الحاجة والفاقة والجوع بالمواطنين الأوروبيين، ويا له من "درسٍ مرير" بات عليهم استيعابه! لقد بات عليهم الاهتمام بمصالح شعوبهم، عوضاً عن الرضوخ والتبعية لمجرمي واشنطن ولندن.
وحدهم فاقدو البصر والبصيرة ما زالوا يراهنون على انتصار زيلينسكي، وهزيمة روسيا في الميدان، بحسب رؤية "العرّاف" ينس ستولتنبرغ، بالتوازي مع الأرباح الكبيرة التي حقَّقها الروبل الروسي أمام الدولار الأميركي، والذي أصبح اليوم إحدى أهم العملات حول العالم، والمستويات القياسية لأرباح الصادرات الروسية في الأسواق الخارجية، والفائض التجاري الروسي القياسي لهذا العام، واستمرار مبيعات النفط والغاز الروسية. أمورٌ بمجملها تلخص نتائج مخطط "تدمير الاقتصاد الروسي" وحصاده، وتعكس ما لم يتوقعه أغبياء أوروبا والاتحاد الأوروبي.
أيّ سرابٍ ما زالت تبحث عنه الماكينات الإعلامية الأميركية بالترويج لـ"الغزو" الروسي لأوكرانيا الّذي تسبّب بانهيار الصناعات في أوروبا وزيادة الأسعار! هل يعقل أن تتلاعب الصحافة الأميركية بعقول شعوب إحدى أقدم القارات في العالم، وهي التي حبلت وأنجبت من رحمها شيطاناً سمّته الولايات المتحدة الأميركية؟
ومع ذلك، لا بد للأوروبيين من أن ينصتوا بجدية وسط هذا الجنون إلى صوت العجوز وثعلب الدبلوماسية، وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق هنري كيسنجر، أمام المنتدى الاقتصادي في "دافوس"، حول "ضرورة الإسراع في إنهاء الحرب الأوكرانية" قبل فوات الأوان، وأن تكون أوكرانيا دولة محايدة، وألا تكون جزءاً من حلف الناتو أو عضواً في الاتحاد الأوروبي.