تركيا والعلاقة مع الصين وروسيا في ظلّ مجموعة البريكس
الشراكة بين واشنطن وتركيا أصبحت أقوى من أيّ وقت مضى بحسب السفير الأميركي في أنقرة، فتركيا لا تزال "راسخة في الغرب" برغم استمرار الانقسام مع واشنطن بشأن الحرب على غزة.
لم تأتِ زيارة وزير الخارجية التركي إلى الصين لمجرد طلب زيادة الاستثمارات الصينية، بل أتت لتعبّر عن رغبة تركيا في أن تصبح عضواً في مجموعة البريكس. أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان اتصالات في الصين وزار روسيا من أجل استكشاف الإمكانيات.
قال إن تركيا ترفض الإرهاب والحرب التجارية والتدخّل الأجنبي والتهديدات بالحرب، وتدعم سياسة "صين واحدة" وسلامة أراضيها وسيادتها.
تصريح يتعارض مع سياسات الغرب بالتدخّل عبر شينجيانغ وتايوان والتيبت، ألقى فيدان كلمة في مركز "الصين والعولمة" حول "العلاقات التركية الصينية في النظام العالمي المتغيّر"، عبّر عن الرغبة في استكشاف فرص تعاون جديدة مع شركاء مختلفين في منصات مختلفة مثل البريكس. قد تأخذ الصين في الاعتبار توقّعات أنقرة بشأن المشاركة في مشروع مسار التنمية، وقد تركّز أيضاً مرة أخرى على الممر الأوسط المرتبط بجنوب القوقاز وبحر قزوين وآسيا الوسطى، وهو ما تريده تركيا، حيث تتعامل بكين مع هذا الممر ببطء.
لكن في النهاية، فإن بناء الثقة المتبادلة لن يحدث بالسرعة المتوقّعة لأنّ الصينيين يقيّمون الأمور انطلاقاً من الأفعال وليس الأقوال، ولا يمكن الجزم إذا ما كان إقليم شينجيانغ الصيني الذي زاره فيدان وصلّى في أحد مساجده، حيث يعيش الأتراك الإيغور الذين لديهم روابط عرقية ودينية وثقافية مع تركيا، أهمّ من العلاقة مع الحكومة الصينية أم أنها رسالة إلى هؤلاء بأنّ المصالح التجارية لا تؤثّر على علاقات القرابة.
في الواقع، يمكن أن تكون الزيارة قد جذبت اهتمام الصحافة أو بعض النخب الثقافية، لكن من المؤكد أن إقليم شينجانغ والعلاقة مع الإيغور تعدّ مسألة سياسية داخلية تتعامل معها الصين من منظور السيادة والسلامة الإقليمية. وفي البحث عن أسباب عدم زيادة الصين استثماراتها في تركيا يظهر أنّ السبب الأول هو في سياسة تركيا تجاه الإيغور، وثانياً، بسبب الأنظمة التركية المتغيّرة باستمرار التي تعمل على زعزعة استقرار بيئة الاستثمار.
تركيا واستكشاف الدخول إلى مجموعة البريكس
أنقرة ليست لديها تجارة كبيرة مع دول البريكس، باستثناء الصين، ولا تزال تجري أكثر من نصف تجارتها السنوية مع الاتحاد الأوروبي. فهي لديها سجل جمركي مع الاتحاد الأوروبي، وهي ترى أنّ مجموعة البريكس ليست بديلاً عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، لكن عضوية الاتحاد الأوروبي أصبحت بعيدة المنال، والإطار الذي وضعه الاتحاد الأوروبي حدّد العلاقات مع تركيا وأصبح واضحاً؛ علاقة شراكة تجارية مستقرّة معها وإقامة حاجز يوقف تدفّق اللاجئين، والابتعاد عن موسكو مع الإخلاص للناتو.
لكن من الصعب على تركيا أن تظلّ غير مبالية بالإمكانات التي يوفّرها الجنوب العالمي، بينما تتآكل القدرة الاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي، الذي فقد سيطرته أمام الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي يتوقّع فيه خبراء أن تهيمن البريكس على الاقتصاد العالمي في العقود المقبلة، وأن تمثّل تحوّلاً كبيراً في ديناميكيات القوة العالمية، تسعى تركيا، لتصبح أول دولة في حلف شمال الأطلسي تنضمّ إلى المجموعة في أعقاب قرار البريكس بالتوسّع.
بدأت وزارة الخارجية التركية في تقييم الفوائد والتكاليف المحتملة للعضوية والانضمام إلى مختلف التكتلات ما يمكنه أن يحلّ بعض مشاكل تركيا الاقتصادية، تريد تركيا تطوير شبكة علاقات مكمّلة لعلاقاتها مع الغرب للتغلّب على الصعوبات الاقتصادية، وبناء التعاون مع كلّ من الغرب والدول والتكتّلات الرئيسية في بقية العالم بما يحقّق مصالح تركيا من أجل الانضمام إلى البريكس، ويتماشى مع سياستها المتمثّلة في الحفاظ على العلاقات التجارية مع روسيا، حتى بعد الحرب مع أوكرانيا في 2022 ، ولا سيما أنّ مجموعة البريكس ليست شاملة ومؤسسية مثل الاتحاد الأوروبي؛ وهي لا تقدّم نفسها على أنها معادية للغرب. إلا أنها تسلّط الضوء على التعددية القطبية وهي ضدّ الهيمنة الليبرالية والتدخّل الغربيّ.
تركيا في روسيا والاجتماع الوزاري لمجموعة البريكس
شارك وزير الخارجية التركية هاكان فيدان في الاجتماع الوزاري لمجموعة البريكس، وكان الفتور في العلاقة الروسية التركية ملحوظاً، بوتين لم يقم بزيارة تركيا التي كانت مقرّرة عام 2023، لكنه استضاف فيدان في قصر الكرملين. ونادراً ما يلتقي بوتين بوزراء الخارجية، وأعلن أنه سيلتقي بإردوغان في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أستانة يومي 3 و4 تموز/يوليو، وأنه "ستتاح الفرصة لمناقشة جميع القضايا".
أثار بوتين رغبة تركيا في عضوية البريكس ورحّب باهتمامها بعمل المجموعة، من دون ذكر الانتماء أو العضوية. الانخفاض في حجم التجارة بين البلدين وإتاحة الفرصة لتوسيع الناتو والخضوع للضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على البنوك التركية التي تتعاون مع روسيا، مند كانون الأول/ديسمبر الماضي، التي أدت إلى الإعراض عن تحويل الأموال من روسيا إلى تركيا والعكس كانت واضحة.
كذلك فإنّ التوترات في العلاقات بين موسكو وأنقرة بانت في خطاب بوتين في المنتدى الاقتصادي في سانت بطرسبرغ، حيث انتقد تركيز فريق الرئيس رجب طيب إردوغان الاقتصادي على جذب الموارد من المؤسسات المالية الغربية، ما يؤدي إلى قبض ثمن التنازلات التي أضرّت ويمكن أن تضرّ بالعلاقات الروسية التركية.
وأشار بوتين في خطابه إلى تعاون تركيا مع أوكرانيا، بينما تحاول كييف ضرب خطوط الأنابيب التي تنقل الغاز إلى تركيا، والتي ما زالت تبيع السلاح إلى أوكرانيا بشكل نشط.. واعتبر أن تركيز الإدارة الاقتصادية في تركيا على تلقّي القروض والاستثمارات والمنح من المؤسسات المالية الغربية ليس أمراً سيئاً، لكن إذا كان ذلك ثمن تقييد العلاقات مع روسيا، فإن الاقتصاد التركي سيخسر أكثر مما يكسب.
تركيا ومغريات العلاقة مع الولايات المتحدة
فاجأ اهتمامُ تركيا بالانضمام إلى تكتل اقتصادي تقوده الصين وروسيا بعض العواصم وأثار رفضاً أوروبياً، يضع الأوروبيون تركيا على المحك لضمان عدم انتهاك العقوبات المفروضة على روسيا. كانت الولايات المتحدة قد جدّدت موقفها من عودة تركيا إلى برنامج الإنتاج المشترك للمقاتلة "أف 35" وربطتها بتخلّيها عن منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس 400" التي حصلت عليها من روسيا في صيف عام 2019.
الشراكة بين واشنطن وتركيا أصبحت أقوى من أيّ وقت مضى بحسب السفير الأميركي في أنقرة، فتركيا لا تزال "راسخة في الغرب" برغم استمرار الانقسام مع واشنطن بشأن الحرب على غزة.
تأييد تركيا لتوسيع حلف شمال الأطلسي والاتفاق على بيع مقاتلات "أف 16" بلوك 70 الأميركية دليل على ميلها نحو الغرب الذي سيمهّد الطريق لزخم دائم في التجارة والاستثمار.
وقّعت تركيا مع شركة "لوكهيد مارتن" المنتجة لطائرات "أف 16"، اتفاقية تسمّى "خطاب العرض والقبول"، بموجبها سيتمّ إنتاج الطائرات الجديدة التي طلبتها تركيا (40 طائرة)، وسيتجدّد تزويدها بمعدات تحديث النماذج القديمة. ترى الولايات المتحدة أنه على تركيا عدم الانضمام إلى دول مجموعة "البريكس"، لكنّ حدوث ذلك لن يؤدي إلى تغير دبلوماسي كبير في علاقات تركيا بالغرب.