بعد قرار "أوبك+".. مصير التحالف الأميركي السعودي
النظام السعودي يعتقد أنّ الخيارات أمامه محدودة، ما يقلّص هامش التغير في سياسته الخارجية، في حين تتجه إدارة الرئيس الأميريك جو بايدن إلى إعادة تقويم العلاقة بالرياض، بما يحقّق مصالحها.
هل اقترب التحالف الأميركي السعودي من نهايته؟ وهل القرار الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك+" الذي تتحكم به السعودية وروسيا، القاضي بتقليص استخراج النفط مليوني برميل يومياً، ورفض المطلب الأميركي زيادة الإنتاج، يعدان نقطة انقلاب جيوسياسي في الشرق الأوسط؟ وتحوّلاً في السياسة الخارجية السعودية تجاه الولايات المتحدة؟ وهل يعكس الرد الأميركي على القرار إعادة صياغة للعلاقات بالسعودية؟
شنّت الأوساط الأميركية هجوماً حاداً على السعودية ورأت أن قرار "أوبك+" يعود إلى دوافع سياسية لمصلحة روسيا، وأنه عبء آخر على التضخم العالمي، وهدّد رئيس لجنة العلاقة الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بتجميد مبيعات الأسلحة والتعاون الأمني مع المملكة، فيا نفت السعودية الاتهامات الأميركية ووصفتها بأنها تصريحات عاطفية للتأثير في الانتخابات النصفية.
تحوّل ملف الطاقة ليصبح أحد أكبر مصادر الخلاف بين واشنطن والرياض منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، واستمر الخلاف في عهد جو بايدن الذي أخفق في زيارته الأخيرة للسعودية في منع خفض الإنتاج، ولم تنجح أيضاً الضغوط التي مارستها إدارته على السعودية في الأسابيع الأخيرة، ولا سفر كبير مبعوثي بايدن لشؤون الطاقة آموس هوكستين بمرافقة مسؤولي الأمن القومي إلى السعودية، الشهر الماضي، لمناقشة قضايا الطاقة، ومن بينها قرار "أوبك +".
تسعى السعودية لاستغلال ملف الطاقة للضغط على الولايات المتحدة التي لم توفر لها الدعم اللازم في محاربتها جماعة أنصار الله في اليمن، التي استخدمت في هجماتها على المملكة طائرات مسيّرة استهدفت بها شركة أرامكو ومواقع مختلفة، كذلك تحاول القيادة السعودية عرقلة توقيع الاتفاق النووي مع إيران، واستثمار أزمة الطاقة العالمية كأداة للضغط على إدارة بايدن، إضافة إلى مساومة الإدارة الأميركية للكف عن انتقاد السعودية في ملف حقوق الإنسان.
ولا تخلو الأزمة من دوافع شخصية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تجاه بايدن، فعندما كان مرشحاً للرئاسة، قال بايدن إن السعودية "دولة مجذومة" وليس لقيادتها أيّ قيمة إضافية إيجابية، ووعد بأن يعزل ويقصي محمد بن سلمان على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018.
تاريخياً، نشأ الحلف الأميركي السعودي على مصالح استراتيجية مشتركة، وهي ضمان تزويد النفط بانتظام، وصد الاتحاد السوفيتي، وتعزّز التحالف في عهد الرئيس الأميركي جيمي كارتر على خلفية الثورة الإسلامية في إيران، وغزو الاتحاد السوفياتي أفغانستان، ولكن منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001، وبفضل إنتاج الوقود الصخري الأميركي وتراجع الاعتماد الأميركي على النفط السعودي، طرأ عدد من التغيّرات على السياسة الأميركية تجاه السعودية، انعكست تغيراً في العلاقة القائمة على تبادل النفط في مقابل الأسلحة والحماية.
لا تعكس السياسة الأميركية مساراً موحّداً تجاه السعودية، فقد تراجع مستوى العلاقة في ولاية الإدارات الأميركية الديمقراطية في عهدي باراك أوباما وجو بايدن، فيما تطوّرت تلك العلاقة في عهد الجمهوريين، لا سيما إدارتا جورج بوش ودونالد ترامب.
تعزَّزت العلاقات الأميركية السعودية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتقت مصالح الطرفين تجاه ملفات المنطقة، وتحديداً الملف النووي الإيراني، ما مهّد الطريق لانسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، الذي أُبرم عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وابتزّت إدارة ترامب النظام السعودي مالياً واقتصادياً، ودفعته إلى توقيع اتفاقيات بمئات المليارات معها.
ازدادت التخوّفات السعودية منذ تولي الإدارة الديمقراطية بقيادة الرئيس الأميركي جو بايدن، وانسحابها من أفغانستان، وتبنّي بايدن سياسات مغايرة لسياسات سلَفه ترامب، أبرزها: العمل لخفض التصعيد في المنطقة، والعودة إلى التفاوض مع إيران في شأن الملف النووي، واستبعاد الخيار العسكري، وتراجع الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط، والتركيز على التهديدين الصيني والروسي.
بدأت السعودية تدرك ببطء أن التحالف الأميركي السعودي ليس قَدَراً، وأن مصالح الولايات المتحدة هي المحدِّد لسياستها الخارجية، ما يعني أن الحماية الأميركية للسعودية مهدَّدة، وليست حتمية.
الإدراك البطيء وحال انعدام اليقين بشأن مصير التحول في السياسات الأميركية ونتائجه، دفعا صُنّاع القرار في المملكة إلى بدء مقاربات جديدة، ما زالت محدودة وهامشية ومرحلية، فيما يتعلّق بعلاقاتها البينية في المنطقة، وفتحت لها الأزمة الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية نوافذ فرص، تسعى لاستثمارها، من خلال تبني مواقف أقرب إلى الحياد، وعدم تبني الموقف الأميركي والغربي تجاه الأزمة، ولكن التلويح بالعصا الأميركية، دفع السعودية إلى إعلان دعم أوكرانيا بما يقارب نصف مليار دولار كمساعدات "إنسانية" ، وهو ما لا يعكس تحوّلاً استراتيجياً تجاه الولايات المتحدة، وإنما تحوّلاً مرحلياً ذا صلة بإدارة بايدن الديمقراطية للتأثير في الانتخابات النصفية لمصلحة الحزب الجمهوري، وعلى الأغلب ستعود العلاقات بين الطرفين إلى عهدها السابق في حال فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد نحو عامين، ما يعكس قراءة سعودية غير معمّقة للتطورات في البيئة الدولية.
يعاني النظام السعودي ارتباكاً في قراءة مستوى التحولات العالمية والإقليمية، ويعتقد أن البدائل والخيارات أمامه محدودة، في حال قرّر إعادة التموضع، ما يقلّص هامش التغير في سياسته الخارجية، فيما يتضح أن السلوك الأميركي في عهد بايدن سيتجه إلى إعادة تقويم العلاقة بالسعودية، بما يحقق المصالح الأميركية، وقد تتحوّل الأقوال الأميركية إلى أفعال، ما قد يعيد السعودية إلى بيت الطاعة الأميركي مجدّداً.