بزشكيان هو الرئيس.. وإيران هي الثورة
جاءت الرسالة التي بعثها الرئيس المنتخب بزشكيان إلى السيد حسن نصر الله ليكون أول من يخاطبه حتى قبل أن يستلم منصبه؛ ليثبت للعالم أجمع أن الثورة هي الثورة والرهان على ثوابتها سقط وسيسقط أبداً ودائماً.
منذ 45 عاماً، وبعد كل حدث داخلي أو انتخابات رئاسية، يراهن الغرب وحلفاؤه وأعوانه في المنطقة وخارجها على مستقبل الثورة الإيرانية التي أسقطت كل الحسابات الداخلية والخارجية. وهو ما فعلته هذه الثورة مرة أخرى بعد انتخاب "الإصلاحي" بزشكيان رئيساً للجمهورية التي أثبتت نضجها العقائدي والسياسي، على الرغم من كل المخاطر التي واجهتها طوال السنوات الماضية.
وجاءت الرسالة التي بعثها الرئيس المنتخب بزشكيان إلى السيد حسن نصر الله ليكون أول من يخاطبه حتى قبل أن يستلم منصبه؛ ليثبت للعالم أجمع أن الثورة هي الثورة والرهان على ثوابتها سقط وسيسقط أبداً ودائماً.
وجاءت رسالة بزشكيان الثانية إلى رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية لتؤكد الموقف الثابت للثورة الإيرانية في دعم القضية المركزية لكل العرب والمسلمين ألا وهي فلسطين، ولولا صمود شباب حزب الله ونضالهم لكانت في مهب الرياح الإقليمية والدولية مع استمرار تواطؤ الأنظمة العربية والإسلامية، وتجاهلها لمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
وجاءت الاتصالات الهاتفية التي جرت بين كل من الرئيس السوري بشار الأسد والروسي بوتين والصيني بينغ مع الرئيس المنتخب بزشكيان لتثبت استمرار النهج الاستراتيجي في علاقات طهران مع حلفائها، ولولاهم لكانت إيران في وضع أصعب، ولولا إيران لكانوا هم أيضاً في وضع صعب؛ خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها العلاقات الإقليمية والدولية تحديات معقدة وخطيرة بسبب الوضع في أوكرانيا، والتآمر الإمبريالي الاستعماري الصهيوني على الشعب الفلسطيني، والله شاهد على صبره الإلهي.
وإلا كيف لنا أن نفسر صمود هذا الشعب طوال تسعة أشهر من الحرب الهمجية التي يشنها الكيان الصهيوني تحت أنظار أنظمة وحكومات بل وشعوب الدول العربية والإسلامية، ولولا حزب الله لكانت جميعاً الآن في أسفل السافلين.
فلولا هذا الحزب وعملياته العسكرية على طول الحدود مع فلسطين المحتلة لكان سهلاً على "جيش" الاحتلال أن يحشد كل قواته على الجبهة في غزة ليخترقها بالكامل، ويتوغل عبرها إلى داخل الأراضي المصرية، كما فعل في النصف الثاني من حرب أكتوبر 1973. في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن حزب الله هو مصدر الرعب الحقيقي بالنسبة إلى الكيان الصهيوني الذي يعرف قادته السياسيون منهم والعسكريون أن نهايتهم جميعاً باتت قريبة، وعلى أيدي مقاتلي حزب الله ومن معهم في خنادق الدفاع والهجوم المشترك في لبنان وسوريا واليمن والعراق ومن خلفها جميعاً إيران.
وربما لهذا السبب وضع البعض العديد من السيناريوهات حول مستقبلها السياسي ودورها الإقليمي بعد انتخاب "الإصلاحي" بزشكيان رئيساً للجمهورية، وكأن الإصلاحي يجب أن يكون بالضرورة عميلاً للغرب. وجاءت تصريحات الرئيس إردوغان الذي قال "إن بزشكيان تركي الأصل ويتحدث اللغة التركية في منزله مع عائلته، وسوف تتطور علاقاتنا الجيدة مع طهران بشكل أوسع وأسرع خلال المرحلة القادمة " لتؤكد الأهمية التي توليها أنقرة لانتخابات إيران.
وأما الأوساط الدبلوماسية الغربية فتتوقع، بل تتمنى للرئيس بزشكيان أن يفتح قنوات الحوار مع واشنطن والعواصم الغربية، وهو ما وعد به خلال الحملة الانتخابية، ومن أجل العودة إلى الاتفاق النووي. وتقول إن واشنطن ستشترط على بزشكيان القليل من الفتور في العلاقة بين طهران وكل من بكين وموسكو، ناسية أن من انسحب من الاتفاق النووي هو الرئيس ترامب وليس طهران التي عادتها واشنطن لأنها تصدّت وأفشلت مخططات الغرب الإمبريالي في سنوات "الربيع العربي" الدموي، الذي لو حقق أهدافه لكانت إيران أيضاً في وضع لا تحسد عليه بسبب مؤامرات الغرب الإمبريالي وحلفائه في المنطقة.
ومؤامراتهم جميعاً مستمرة وإلا لما استمر رئيس وزراء بريطانيا المنتخب زعيم حزب العمال "اليساري" كير ستارمر في أحاديثه "عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إرهاب حماس" وهو شيء طبيعي فزوجته يهودية وأولاده يدرسون في المدارس اليهودية. وهو شيء طبيعي أيضاً في بريطانيا، الطرف الآخر في معاهدة "سايكس بيكو" السبب الرئيسي في كل ما تعيشه المنطقة منذ 100 عام بما في ذلك قيام الدولة "العبرية" في فلسطين، وكانت فرنسا من ساعدها في الحصول على تكنولوجيا السلاح النووي بعد قيامها بسنوات قليلة.
وربما لهذا السبب أيضاً كانت الانتخابات الفرنسية محط اهتمام الأوساط السياسية عالمياً وإقليمياً، بعد تصريحات زعيم تحالف الجبهة الشعبية اليسارية جان ميلونشون عن ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية كوسيلة عملية لإنهاء الحرب في غزة وحل المشكلة الفلسطينية.
وهو التصريح الذي سيكون كافياً لمنع هذه الجبهة من تشكيل الحكومة، وعلى الرغم من تقدمها في الانتخابات على معسكر الرئيس ماكرون وكذلك تكتل اليمين المتطرف ومن دون أن يحالفه الحظ في الحصول على الأغلبية الكافية لتشكيل الحكومة وسط المعلومات التي تتحدث عن احتمال انفجار الخلافات الداخلية داخل الجبهة والسبب سيكون الحرب في غزة.
وهو ما ستستغله الأطراف والقوى الموالية للكيان الصهيوني و"لوبياتها" المعروفة التي لعبت دوراً أساسياً في إيصال ماكرون (والدته يهودية) إلى السلطة في انتخابات 2017 ومن بينها "اللوبيات" اليهودية ذات الأصل المغربي، وفي مقدمتها رجل الأعمال المؤثر موريس ليفي وأندريه أوزالاي مستشار الملك المغربي الحالي ووالده سابقاً.
وفي جميع الحالات، وأياً كان الرهان على مستقبل السياسات الإيرانية في عهد الرئيس " الإصلاحي"، يبدو واضحاً أن القوى الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية لا ولن تتخلى عن مخططاتها الخبيثة لإلهاء الرأي العام العربي والإسلامي بقضايا ثانوية لا علاقة لها بالقضايا الرئيسية التي كانت وما زالت السبب الرئيسي في كل ما تعاني منه شعوب المنطقة، التي تقول لها قبل وبعد كل انتخابات إيرانية إنها مهمة وستقرر مصير إيران والمنطقة، وكأن انتخابات فرنسا وبريطانيا بل وحتى أميركا ليست مهمة بالنسبة إلى هذه الشعوب.
ويريد لها الكثيرون في المنطقة وخارجها أن تتجاهل كل ما يعانيه الشعب الفلسطيني، ولولا إيران منذ ثورتها قبل 45 عاماً وبعد عام من "كامب ديفيد" لأغلق الجميع ملفه منذ فترة طويلة شهدت الكثير من التآمر على هذه الثورة.