انعكاسات نتائج الانتخابات الإسرائيلية على المشهد الفلسطيني
على الرغم من أن سياسة حكومة لابيد لن تتباين جوهرياً عن السياسات التي سيتّبعها نتنياهو وكتلته المصنَّفة "يميناً متطرفاً" تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه، فإن شكل السلوك سيبدو أكثر وضوحاً وتعبيراً عن السياسات الإسرائيلية.
حقّقت كتلة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، بيبي نتنياهو، فوزاً حاسماً ضد ما عُرف بكتلة التغيير بقيادة رئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، في الانتخابات الخامسة التي جرت خلال أقل من أربعة أعوام. وبحصول كتلة نتنياهو على 64 مقعداً من أصل 120 مقعداً في "الكنيست" الإسرائيلي، ستتشكّل، في الغالب، حكومة أكثر استقراراً بقيادة نتنياهو، تضمّ، إلى جانب حزب الليكود، حزب الصهيونية الدينية بقيادة إيتمار بن غفير، الذي يدعو إلى ترحيل الفلسطينيين، بل إبادتهم، وحزب شاس، الذي يمثّل اليهود المتدينين الشرقيين، وحزب يهودت هاتوراه، الذي يمثل اليهود المتدينين الأشكناز (الغربيين).
على الرغم من أن سياسة حكومة لابيد لن تتباين جوهرياً عن السياسات التي سيتّبعها نتنياهو وكتلته المصنَّفة "يميناً متطرفاً" تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه، فإن شكل السلوك سيبدو أكثر وضوحاً وتعبيراً عن السياسات الإسرائيلية. فكتلة لابيد، التي ضمت خليطاً من أحزاب مصنّفة بين يمين، ويمين وسط، ويسار، ويسار وسط، حافظت على خطاب دبلوماسي "مخادع" تجاه المسار السياسي وتجاه السلطة الفلسطينية، وتحدّث لابيد عن حلّ الدولتين من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، من دون تغيير في السياسات العدوانية والاستيطانية والتهويدية على الأرض.
وفي المقابل، نجح في الحصول على قبول دولي، وحظيت حكومته بمستوى أعلى من "الشرعية" في البيئة الدولية، على رغم أن حكومة "التغيير"، بقيادة لابيد وسلَفه نيفتالي بينيت، قتلت أكثر من 200 فلسطيني خلال أقل من عام ونصف عام، وشنّت عدواناً على قطاع غزة، وسُجِّلت في عهدها أرقامٌ قياسية في عدد المستوطنين المقتحمين باحات المسجد الأقصى، ولم تمنح قيادة السلطة أيَّ مكتسبات سياسية، إلّا في الشكل من دون المضمون. ومن المشكوك فيه أن تتمكّن حكومة نتنياهو المقبلة من المحافظة على المستوى نفسه من الرضا الدولي، كونها ستعبّر عن وجه "إسرائيل" الحقيقي، من دون "ماكياج" ومساحيق تخدع العالم، وذلك من خلال الخطاب العنصري الذي يتبناه نتنياهو، وحلفاؤه، ولاسيما حزب الصهيونية الدينية، وزعيمه بن غفير.
أبرز الانعكاسات التي ستجد صداها في المشهد الفلسطيني بعد تسلم تحالف أحزاب الليكود والصهيونية الدينية والحريديم، الحكم، على النحو التالي:
- المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني المحتل:
ستزيد الاحتكاكات والمواجهات بين أجهزة أمن العدو والفلسطينيين في منطقة النقب المحتل، التي تشهد عمليات هدم متواصلة للبيوت العربية في القرى البدوية، في ظل تعهّد بن غفير إعادة السيطرة والسيادة على النقب، الأمر الذي سيعزز الصحوة الوطنية في مواجهة العنصرية الصهيونية. كما سيساهم فشل الأحزاب العربية في التأثير في سلوك العدو تجاه المواطنين العرب في الداخل المحتل عبر بوابة العملية السياسية الإسرائيلية ("الكنيست" والحكومة) في إعادة قطاع عريض من قاعدتهم الانتخابية التفكيرَ في جدوى المشاركة، التي لم تساهم إلّا في تبييض وجه الاحتلال القبيح، وتصدير صورة عن ديمقراطيته الكاذبة، الأمر الذي سيفتح الباب أمام تفعيل وسائل وأدوات شعبية وإنشاء مؤسسات مدنية تمثّل الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل، وتدافع عن قضاياه الوطنية والمطلبية، بعيداً عن بوابة المشاركة في انتخابات "كنيست" العدو.
- الضفة الغربية والقدس المحتلّتان:
ستشهد الضفة الغربية المحتلة مزيداً من الاعتداءات، وإقامة مزيد من البؤر الاستيطانية، ولاسيما من قطعان المستوطنين، أتباع بن غفير وسموتريتش. كما ستعمد حكومة نتنياهو إلى القضم المتزايد من مكانة السلطة الفلسطينية، عبر تكثيف عمليات السطو على الأراضي الفلسطينية والاستيطان، وتصاعد عمليات اقتحام المدن الفلسطينية، التي تقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وتنفيذ مزيد من عمليات الاغتيال ضد المقاومين الفلسطينيين، الأمر الذي سيُضعف السلطة الفلسطينية وسيضعها أمام تحديات صعبة في الضفة المحتلة أمام الشعب الفلسطيني، الذي سيطالبها بالدفاع عنه وحمايته والتخلي عن التنسيق الأمني، ولاسيما بعد انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية في تشكيلات المقاومة العسكرية، وتنفيذ عمليات مسلّحة أدت إلى قتل وإصابة عدد من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
كما ستزداد حدة اقتحامات قطعان المستوطنين لباحات المسجد الأقصى، والمضي في سياسة تقسيم المسجد، زمانياً ومكانياً، وتكثيف الاعتداءات على المقدسيين، والسيطرة على بيوتهم، ولاسيما في حيَّي الشيخ جراح وسلوان وحيّ بطن الهوى، والإقدام على عمليات انتقامية من مخيم شعفاط بعد تنفيذ العملية الجريئة للشهيد عدي التميمي، ابن المخيم.
ستساهم السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو/بن غفير، تجاه الضفة والقدس المحتلتين، في مزيد من الغليان الشعبي، وستُشعل الانتفاضة المسلحة المندلعة منذ عدة أشهر، وتزيد في حدتها ورقعة انتشارها، الأمر الذي سيُفقد العدو السيطرة على الموقف الميداني، الأمر الذي قد يتطوّر إلى اندلاع مواجهات في الداخل الفلسطيني المحتل، الذي بات أكثر قابلية واستعداداً لمواجهة مخططات الاستئصال والترحيل، التي يتبناها بن غفير "وزعرانه".
- قطاع غزة:
تمكّنت المقاومة الفلسطينية من تطوير قواعد اشتباك مع العدو، تردعه عن استباحة قطاع غزة. وبات المستويان العسكري والسياسي لدى العدو، يتبنّيان سياسة أكثر حذراً تجاه قطاع غزة. ومن المستبعد أن تغيّر حكومة نتنياهو سياستها تجاه القطاع، إلّا أنّ تصاعد مستويات العدوان على الضفة الغربية والقدس المحتلتين، سينعكس على جبهة قطاع غزة، الأمر الذي يُبقي سيناريو المواجهة العسكرية قائماً.
على رغم ما تحمله نتائج انتخابات العدو من تهديدات، فإنها لن تكون إلّا امتداداً لسياسات حكوماته المتعاقبة، والتي تنكّرت لحقوق الشعب الفلسطيني، ومارست ضده كل أنواع الإرهاب والعدوان، سواء كانت حكومات تُصنَّف بأنها يمين أو وسط أو يسار (الحزب اليساري الوحيد هو حزب ميرتس، الذي فشل في اجتياز نسبة الحسم). وبينما تمتعت حكومات "يمين الوسط" و"يسار الوسط" في تسويق نفسها أمام العالم، ستكون المهمة أكثر صعوبة على تحالف نتنياهو/بن غفير، وهو ما يشكّل فرصة للقيادة الفلسطينية وللقوى المساندة للقضية الفلسطينية في بدء مسار يُفضي إلى عزل "إسرائيل" ونزع الشرعية عنها وتفعيل حركات المقاطعة ودعمها في أكثر من مستوى، والعمل على كبح مسار التطبيع في المنطقة.
ومن جهة أخرى، يجب أن تدفع نتائج الانتخابات الإسرائيلية إلى بدء مراجعة شاملة للحالة الفلسطينية، ولاسيما تصويب المسار السياسي، الذي تتبنّاه قيادة السلطة الفلسطينية، والتنسيق مع قوى المقاومة، بحيث تتناغم أدوات الفعل الفلسطيني، دبلوماسياً، عبر قضم مكانة "إسرائيل" وشرعيتها، وشعبياً، عبر تثوير الحالة الشعبية ضد الاحتلال والعدوان، وعسكرياً، عبر استنزاف العدو من خلال العمليات الفدائية المسلّحة، وسياسياً، من خلال شرعنة الفعل الفلسطيني المقاوم وتشكيل غطاء وحماية له في ظل بيئة دولية رافضة للسياسات التي يتبناها حلفاء نتنياهو، زعماء الصهيونية الدينية، والذين كانوا يُوصَفون بفتيان التلال، في إشارة إلى البؤر الاستيطانية التي شيّدوها في مساحات عشوائية في الضفة الغربية. وبعد أن كانوا على هامش الخريطة الحزبية الإسرائيلية، أصبحوا ثالث أكبر حزب سياسي لدى العدو، وسيتقلّد بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير موقعين وزاريَّين، في حكومة نتنياهو، الأمر الذي سيضعه أمام معضلة في تسويقها أمام الرأي العام العالمي.
لذا، سيحرص نتنياهو على إبعاد حزب الصهيونية الدينية قدر الإمكان عن صنع القرارات المهمة، وخصوصاً العسكرية منها، وسيسعى لإبعاد بن غفير عن وزارة الأمن الداخلي، أو تقليص صلاحياتها، في حال أُسندت إليه، على نحو يعكس الضرر في صورة العدو الخارجية، والذي تسبّبت به نتائج الانتخابات، الأمر الذي يفتح للعرب والفلسطينيين نوافذ فرص من أجل إغلاق مساري التسوية والتطبيع مع حكومة أبارتهايد، وكيان إحلالي استيطاني عنصري، يسعى لاستئصال شعب يعيش في أرضه منذ آلاف الأعوام.