اليمين عبر الأطلسي يتّحد.. هل يطيح حكومات أوروبا وأميركا؟

نجاح اليمين الأوروبي في استخدام "القومية" للصعود والوصول إلى السلطة، لا يعني أن بإمكان الجمهوريين في الولايات المتحدة استخدام "عامل الهوية" بالطريقة نفسها التي يستخدمها الأوروبيون، وبالتالي ما يصح في أوروبا قد لا يصح في أميركا.

  • "مؤتمر العمل السياسي المحافظ" في هنغاريا

للعام الثاني على التوالي، استضافت هنغاريا في 4-5 أيار / مايو الحالي، النسخة الأوروبية لأبرز حدث سياسي يميني في الولايات المتحدة، والمعروف باسم "مؤتمر العمل السياسي المحافظ"، والذي استضاف شخصيات يمينية أوروبية وأميركية، منهم مذيع "فوكس نيوز" المطرود من عمله تاكر كارلسون، والعديد من قادة أحزاب اليمين الأوروبي الذين اجتمعوا لوضع خطة لسيطرة اليمين على أوروبا والوصول إلى السلطة.

مفعماً بالتفاؤل بقدرة اليمين على النجاح في الوصول إلى السلطة، اعتبر رئيس وزراء هنغاريا فيكتور أوربان أن المحافظين "احتلوا مناصب أوروبية كبيرة وهامة"، ودعا الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى العودة إلى البيت الأبيض، متوقعاً أن موجة يمينية كبرى آخذة في الاتساع في جميع أنحاء العالم، ومحفزاً الجميع للعمل على تخليص واشنطن وبروكسل من قبضة الليبرالية التي وصفها بـ "الفيروس الذي سيفتت ويفكك بلداننا"، بحسب وصف أوربان.

وبالإضافة إلى الهجرة والمثلية ورفض الشعارات الليبرالية، كان شعار " فلنصنع الأطفال لا الحروب" أحد أبرز عناوين المؤتمر. ويعدّ هذا العنوان هدفاً أساسياً في أجندة اليمين الأوروبي، إذ صرّحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن الهدف الأساسي لحكومتها، بالإضافة إلى مكافحة الهجرة، زيادة معدلات المواليد وإعطاء حوافز للنساء للإنجاب، ودعت الحكومات الأوروبية إلى إقرار خطة مشتركة لهذا الهدف، كونه يعدّ من أبرز المخاطر التي تواجه أوروبا وتدفعها إلى قبول استقبال اللاجئين "غير الأوروبيين".

وفي إطار "صنع السلام"، يرى أوربان أن عودة ترامب ستجلب السلام، مؤكداً أنه لو "كان ترامب هو الرئيس، فلن تكون هناك حرب في أوكرانيا وأوروبا".

لماذا ترامب؟

يشكّل ترامب وشعاراته "القومية" علامة فارقة في تاريخ الفكر السياسي الأميركي، الذي لم يعرف القومية بمفهومها الأوروبي الذي تسبب بالكثير من المآسي والحروب والفظائع.

تنطلق القومية الأوروبية من تصوّر "أمة" تاريخية متميّزة ومتفوّقة، بينما يستند اليمين الأميركي إلى "أفكار محافظة"، تخطت في كثير من الأحيان الانقسامات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين، فعلى سبيل المثال، أعلن جو بايدن خلال فترة ولايته الأولى في مجلس الشيوخ الأميركي في السبعينيات من القرن الماضي أنه "ليبرالي عندما يتعلق الأمر بالحقوق والحريات المدنية، لكنه محافظ في معظم القضايا الأخرى".

مع ترامب، تحوّل الجدال السياسي الأميركي إلى أبعد من انقسام محافظ/ ليبرالي. وجد ترامب الشعبوي أن "الهوية المحافظة" ليست كافية لكسب المؤيدين وتحفيزهم واستقطابهم، لذلك يجب أن يتم الاستناد إلى أبعد من الفكر المحافظ، إلى فكر "قومي" يجد تصوراته في "قومية مسيحية" أو "قومية بيضاء" تؤمن بتفوق أمة عظيمة شعارها "اجعل أميركا عظيمة مجدداً".

الفرق بين الأفكار المحافظة والأفكار القومية

الفكر المحافظ هو مجموعة أفكار وفلسفة ثقافية واجتماعية وسياسية تسعى إلى الحفاظ على المؤسسات وتعزيز الممارسات والقيم التقليدية في المجتمع، وترفض التغيير الجذري. أما الأفكار القومية فتستند إلى تصور بوجود "أمة" متميزة ومتفوّقة، يشعر من ينتمي إليها بإحساس قوي بالوحدة والتضامن، إذ هناك واجب الحفاظ على "الأرض المقدسة" والتصميم على حماية السيادة والقرار الوطني من تدخلات القوى الخارجية.

هل ينجح "اليمين عبر الأطلسي" في اكتساح الانتخابات كما يطمح؟

لا شكّ في أن اليمين الأوروبي يستند إلى أفكار تاريخية شوفينية عميقة في الوجدان الأوروبي، سوف تحفزها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى الركود التضخمي الذي يُتوقع أن يحصل في العالم في السنتين القادمتين. وهكذا، وكلما طال أمد الحرب في أوكرانيا استفاد اليمين الأوروبي من المشكلات المتأتية منها، للتصويب على الحكومات الحالية لإطاحتها. مع العلم أن اليمين الأوروبي نفسه ليس موحداً، بل يتباين أيضاً في تصوراته لمستقبل الاتحاد الأوروبي، ولحلف "الناتو"، والموقف من روسيا.

وهذا التباين في المنطلقات الفكرية لقوى اليمين الأوروبي، نجده داخل الحزب الجمهوري نفسه في الولايات المتحدة الأميركية، الذي يشهد محاولة ترامبية لنزعة قومية مستجدة.

يتباين الحزب الجمهوري الأميركي في موضوع القومية. فالنائبة مارجوري تايلور غرين عن جورجيا، المعروفة بشعبويتها، ترى أن الحزب الجمهوري يجب أن يكون حزباً قومياً، إذ قالت "أنا مسيحية، وأقول ذلك بفخر، يجب أن نكون قوميين مسيحيين."

بينما يشير العديد من أعضاء الحزب الجمهوري الآخرين إلى تمسكهم بالمبادئ المحافظة فحسب، معتبرين أن قوة أميركا هي في تنوعها وتعددها، وأن الإقصاء بحجة الهوية ورفض الآخر واعتباره تهديداً للبلاد، قد يكون مدمراً لأميركا "العظيمة".

وعليه، إن نجاح اليمين الأوروبي في استخدام "القومية" للصعود والوصول إلى السلطة، لا يعني أن بإمكان الجمهوريين في الولايات المتحدة استخدام "عامل الهوية" بالطريقة نفسها التي يستخدمها الأوروبيون، وبالتالي ما يصح في أوروبا قد لا يصح في أميركا، أي أن صعود اليمين الأوروبي وهو متوقع بقوة، لا يعني بالضرورة نجاح الترامبية في الولايات المتحدة الأميركية.