المناورات العسكرية.. هل يحتوي "البازلت" رسائل "ذو الفقار"؟

ليس ثمة فرق بين اعتبار مناورات "سنديانة البازلت" الأميركية/الإسرائيلية برنامجاً عسكرياً موجهاً ضد إيران أو رسالة تتوجب قراءتها إيرانياً، ما دام الأميركي يشارك فيها بكثافة غير مسبوقة.

  • المناورات العسكرية.. هل يحتوي
    المناورات العسكرية.. هل يحتوي "البازلت" رسائل "ذو الفقار"؟

تتسارع رحى المناورات العسكرية في الشرق الأوسط بنحو يبعث على سيل من الاحتمالات، وكل طرف يُبرز احتماله المرغوب فيه، فالإسرائيلي يجد نفسه في غمرة حرب هجينة مع محور المقاومة، أو هي حملة ما بين الحروب، بحسب التسمية الرسمية، بما يعكس هاجس الرعب الذي يسكنه بسبب انشغال الأميركي بالحرب في أوكرانيا، وهو الذي يشارك بهذه المناورات باعتبارها رسالة يتوجب على إيران قراءتها، مع حرصه على نفي اعتبارها برنامجاً عسكرياً مباشراً ضد إيران.

وليس ثمة فرق بين اعتبار مناورات "سنديانة البازلت" الأميركية/الإسرائيلية برنامجاً عسكرياً موجهاً ضد إيران أو رسالة يتوجب قراءتها إيرانياً، ما دام الأميركي يشارك فيها بكثافة غير مسبوقة، بنحو 6400 جندي أميركي مع 140 طائرة، من بينها قاذفات "بي-52" النووية، وطائرات "إف-35"، و12 قطعة بحرية وراجمة صواريخ، مع 1100 جندي إسرائيلي.

"إن الولايات المتحدة بمثل هذه المناورة الواسعة تظهر لخصوم مثل إيران أن واشنطن ليست مشتتة للغاية بسبب الحرب في أوكرانيا والتهديد من الصين"، والكلام لمسؤول دفاعي "كبير" نقلت عنه شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، وأضاف: "نعتقد أن هذا التمرين يظهر أننا نستطيع المشي ومضغ العلكة في الوقت نفسه".

هذا عند أميركا وفي الكيان الإسرائيلي، فماذا عن إيران المستهدفة صراحة من هذه المناورات، وخصوصاً أن ذروتها ستكون محاكاة مهاجمة منشأة نووية إيرانية، بإسقاط الطائرات نحو 100 طن من القنابل المختصة باختراق التحصينات على هدف محدد في صحراء النقب، مع تدريب الطائرات على الخروج السريع بعد استهداف المنشأة النووية خوفاً من إسقاطها؟

في إيران، أنهت القوات المسلحة منذ 3 أسابيع مناورات "ذو الفقار". وقد بلغت ذروتها بظهور السفينة الحربية الإسرائيلية "ساعر 6" في مياه الخليج، ولكن يرفرف فوقها العلم الإيراني، إلى أن اختفت فجأة، لأن طائرة مسيّرة إيرانية قصفت المجسم الذي يحاكيها، بحسب ما تناولته "جروزاليم بوست" الإسرائيلية، متسائلةً عن مغزى ذلك.

أجرت إيران منذ عام 2020 سلسلة مناورات عسكرية، كشفت فيها عن أحدث ما أبدعه العقل التكنولوجي في مختبراتها العسكرية. وقد أزاحت الستار عن منظومة صواريخ "باور 373" التي يبلغ مداها 450 كم، وافتتحت خط إنتاج صاروخ "صياد بي 4" بعيد المدى، في خطوة جاءت بعد تجربة إطلاق صاروخ "قائم-100" الحامل للأقمار الصناعية والعابر للقارات، الذي يبلغ مداه 12500كم، ويقدر على حمل رؤوس نووية.

كما أنّ طبيعة هذا الصاروخ الثلاثي المراحل الذي يعمل بالوقود الصلب تجعل تعقبه ورصده مهمة معقدة وشبه مستحيلة. وقد أضحت منظومة "باور 373" قادرة على رصد الصواريخ البالستية والمقاتلات الحديثة وتدميرها، ومنها "إف-35" الأميركية، إضافةً إلى ما كشفته عن أحدث صواريخها الإستراتيجية الذي أطلقت عليه اسم "كاسر خيبر"، ويصل مداه إلى 1450 كم.

تصاعدت وتيرة المناورات العسكرية الإيرانية، من "خيبر" حتى "ذو الفقار" مروراً بـ"اقتدار"، ولكل اسم دلالته الرمزية النابعة من عمق التاريخ الإسلامي، فـ"خيبر" أعظم حصن يهودي فتحه القائد عليّ بن أبي طالب حامل سيف "ذو الفقار"، في وقت ترى إيران نفسها تجسيداً معاصراً لهذا القائد، في مقابل "خيبر إسرائيل"، التي تستشعر هذا الخطر الوجودي، وترى أنها مع أميركا أو من دونها ستتخلص من هذا الخطر، رغم أن مجلسها الأمني القومي أوصى الحكومة منذ أيام بلزوم العمل مع أميركا بهذا الخصوص، لعجزها عن النجاح في مهمة كهذه، ولكن نتنياهو العائد إلى زعامة الكيان يتبجّح بقدرة كيانه على ذلك من دون الأميركي إذا تطلّب الأمر.

هي مناورات تحمل في حدها الأدنى رسائل مزدوجة، إن لم تكن تحضيرات فعلية للمبادرة إلى الهجوم وفق تطورات الأحداث الإقليمية والدولية، فهل بوسع "سنديانة البازلت"، على ضخامتها غير المسبوقة، تجاوز الرسائل الإيرانية الممهورة بهذا التنوع الهائل مما أزيح عنه الستار من قدرات عسكرية بالغة التطور؟

تضارب المصالح بين الشريكين الأميركي والإسرائيلي، على محدودية هذا التناقض، يعكس ارتباكاً في إستراتيجية الطرفين، بين إسرائيلي يحرص على دفع الأميركي لإعطاء أولوية في مواجهة إيران عسكرياً، وأميركي يرى أولويته في مواجهة روسيا والصين ضمن العقد الحالي، مع استعداده للالتفات نحو إيران إذا اقتضى الأمر. لذا، يبادر عبر هذه المناورات إلى طمأنة شريكه الإسرائيلي من جهة، مع الاستعداد الفعلي للتحرك السريع من جهة أخرى. 

التصميم الإيراني على دعم قوى المقاومة خيار لا رجعة فيه، وإن لم يرتقِ إلى مرحلة المبادرة بحرب شاملة مباشرة، إلا إذا غامر الإسرائيلي وبدأها، سواء مع الأميركي أو من دونه. هذا التصميم مع تطوير القدرات العسكرية، في ظل تنظيم ميدان المحور وتجاوز مرحلة الدفاع مع تجدد الخطط الأميركية في الساحات الخلفية لمراكز المحور، بما فيها قاعدته إيران، سواء عبر تحريك الأدوات الاستخبارية أمنياً أو تفعيل القوى المرتهنة للغرب للتشويش على المحور سياسياً أو اقتصادياً، يضع المحور في حال نجح في تجاوزها في وضع المبادر، ولو نسبياً، بما يؤهله ربما لتفعيل قرار وحدة الجبهات أو تغيير قواعد الاشتباك في سوريا.

ثمة ارتباك أميركي/إسرائيلي في تحديد رسالة المناورات وهدفها، رغم محورية طبيعتها الميدانية قتالياً، في موازاة الوضوح الإيراني باعتبار مناوراتها دفاعية لحماية مشروع دعم قوى المقاومة من ناحية، بحسب ما ترمز إليه المسميات، وجذرية العلاقات وحماية تطوير برنامجها النووي من ناحية أخرى، وخصوصاً في ظل تعثر المفاوضات بخصوصه والإصرار الإسرائيلي الصريح على تدميره في أنسب فرصة، بما يعطي المناورات الإيرانية قدرةً على تحقيق أهدافها، رغم الفارق العسكري الهائل.

بين مناورات عسكرية مرتبكة سياسياً، وأخرى على النقيض تبدو متماسكة، رغم خطورة التحديات ومحدودية الإمكانيات، فإن فرصة "سنديانة البازلت" ضئيلة في لجم طموحات "ذو الفقار" الدفاعية في ميدان، والمبادرة في ميدان آخر، وهي طموحات تقارب الواقع، وإن بتعثر، ولكنه تعثر لا يرتد عن بوصلته الأساس نحو "خيبر".