المغرب و"إسرائيل".. ما وراء صفقات التسليح

يلحق المغرب بالدول المطبّعة لتعزيز التعاون العسكري مع "إسرائيل"، فإنفاقه على التسلّح يتراوح بين 5 و10 مليارات دولار سنوياً.

  • تدرك الدّول التي طبّعت مع
    تدرك الدّول التي طبّعت مع "إسرائيل" أنها ارتكبت خطيئة لا تغتفر، وبالتالي وضعت نفسها أمام تحديات محتملة في عالم متقلّب.

كشفت مجلّة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية المتخصصة في المعلومات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية عن الدول الأفريقية، أنَّ المغرب شرع في تصنيع وتطوير مسيّرات "كاميكاز" الإسرائيلية من دون طيار بعد أشهر من المفاوضات مع مجموعة الصناعات الجوية الإسرائيلية "IAI" المصنّعة لها في الأساس.

وقالت الصحيفة إنَّ المغرب أنشأ وحدة متخصّصة في تصنيع "كاميكاز" وتطويرها في أراضيه، في إطار تعزيز تعاون أمني وعسكري إسرائيلي مغربي، وإنَّ هذه المسيّرات مصمّمة لتدمير قواعد الدفاع الجوي وأنظمة الرادار. 

الإمارات ليست الدولة الوحيدة التي طبّعت مع "إسرائيل" وسعت لتحسين ترسانتها العسكرية، بهدف الحصول على مقاتلات أميركية متطورة، ووافقت إدارة بايدن على صفقة عسكرية معها تشمل مقاتلات حربية تضمَّنت 50 طائرة من طراز "F-35" وغيرها من الأنظمة الدفاعية بقيمة 23 مليار دولار، فدولة البحرين أيضاً سارت على النهج ذاته، وعملت على شراء تكنولوجيا عسكرية متطوّرة من الولايات المتحدة.

يلحق المغرب بالدول المطبّعة لتعزيز التعاون العسكري مع "إسرائيل"، فإنفاقه على التسلّح يتراوح بين 5 و10 مليارات دولار سنوياً، وصفقات الأسلحة بين الطرفين ليست جديدة، لكنها كانت قبل التطبيع قائمة على التعاون الاستخباراتي وتجارة السلاح، إذ يسّجل أنَّ "إسرائيل" باعت المغرب أنظمة عسكرية وأنظمة اتصالات عسكرية وأنظمة مراقبة عبر طرف ثالث. وفي العام 2013، اشترت القوات الجوية المغربية 3 طائرات من دون طيار من نوع "هيرون" من صنع شركة صناعات الطيران الإسرائيلية، بكلفة 50 مليون دولار، وبالتالي يأتي تصنيع مسيرات "كاميكاز" الإسرائيلية في المغرب جزءاً من تاريخ طويل كان طابعه سرياً، وبعد التطبيع، أصبح علانية.

ثمة أسئلة كثيرة تطرح بعد ما كشفته المجلّة الفرنسيّة، وأمام الخطى المتسارعة لدول التطبيع مع "إسرائيل" في توقيع اتفاقيات، إما في نطاق شراء صفقات أسلحة، وإما في مجال التطوير العسكري، فما الهدف من سباق التسلّح هذا؟ هل هو تحضير لخوض حروب بالوكالة أم هو تعبير عن حالة قلق وعدم اطمئنان من متغيّرات قد تحدث فجأة؟ وهل يتماشى امتلاك السلاح الإسرائيلي مع مزاعم "التعايش والسلام" لتلك الدول المطبعة أم أنَّ هناك أهدافاً كامنة وراء هذا السباق؟

الحقيقة الدامغة التي يمكن استنتاجها من سلوك الدول المطبعة وسباقها نحو التسلّح هو الانخراط في محور إسرائيلي عربي يمتلك قدرة عسكرية مؤثرة لمواجهة الدول التي تعارض التطبيع، وتهدد استكمال هذا المشروع في المنطقة. وتحشد الدول المطبّعة من جهة أخرى قدرات عسكرية ضد إيران التي يعتبر هذا المحور (الدول العربية المطبعة و"إسرائيل") أنّها تشكّل تهديداً كبيراً، وتسعى لعزلها تحت عنوان "إيران العدو المشترك"، كما تساند الإدارة الأميركية هذا المخطّط عبر موافقاتها على امتلاك هذه الدول الأسلحة الأكثر قوة وتطوراً، بهدف ترجيح كفة موازين القوة لمصلحة حلفائها الإقليميين.

تدرك الدّول التي طبّعت مع "إسرائيل" أنها ارتكبت خطيئة لا تغتفر، وبالتالي وضعت نفسها أمام تحديات محتملة في عالم متقلّب يموج بالتغيير في أي لحظة، وأصبحت تحسب ألف حساب لقوة إيران، الدولة النووية الرابضة على الضفة الأخرى من الخليج، وتعي يقيناً أن محورها في حالة اتساع وصعود من حيث النفوذ والقوة والتأثير.

إذاً، إن عملية التطبيع مع "إسرائيل" تعود في أساسها إلى بناء تحالف إسرائيلي عربي يستهدف المحور الإيراني في المنطقة في المقام الأول، وهو ما يعد جزءاً لا يتجزأ من مخطط أميركي إسرائيلي سعودي.

من المعروف أنّ المغرب يضمّ أكبر جالية يهودية في شمال أفريقيا، ويبلغ عددها نحو 3 آلاف شخص، فيما يعيش نحو 700 ألف يهوديّ من أصل مغربي في "إسرائيل". من هنا، علينا أن نتوقّف ونرصد التطبيع الذي وقع مع المغرب في مراحله المختلفة، والذي وصف بدايةً بالتطبيع الدبلوماسي مقابل الاعتراف بالصحراء الغربية، مروراً بمرحلة متقدمة وصفت بالتطبيع الشعبي، واستهداف الشعب المغربي وثقافته، وإدخال مناهج عبرية واتفاقيات مع جامعات في وضح النهار، إلى مرحلة التطبيع الأمني الاستخباراتي وتوقيع اتفاق تعاون في الحرب الإلكترونية، إلى مرحلة التطبيع المتقدم، والذي لا وصف له سوى "التطبيع الوظيفي" الّذي ينقل التطبيع إلى مرحلة إعطاء الضوء الأخضر لـ"إسرائيل" لاقتحام المنطقة المغاربية، وصولاً إلى تعبيد الطريق أكثر أمام المشروع الإسرائيلي في أفريقيا والمنطقة المغاربية، بهدف تفتيتها ونهب مقدراتها وخيراتها. 

تسير عملية التطبيع مع المغرب في منحى تصاعدي غير مسبوق. وما يجري في المغرب هو استنساخ لما جرى في الإمارات، ونستطيع القول إنّ المغرب بعد التطبيع يسير على خطى "إمارات جديدة"، لكن سيتم استغلاله وتوظيفه ليؤدي أدواراً مختلفة تماماً في منطقته من حيث القدرات الاستخباراتية والعسكرية. 

لم يعد أحد يصدق أكذوبة المطبعين بالسلام والتعايش الذي تنتظره الشعوب. وفي سباق التسلّح، تنكشف سوءة المطبعين أكثر، فهم الّذين فتحوا عواصم بلدانهم لـ"إسرائيل" بثمن بخس، لتستبيح الأخضر واليابس، وتحقّق أهدافها الخبيثة. إذاً، ما تقوم به "إسرائيل" من دعم قدرات عسكرية يصبّ في الدرجة الأولى بخدمة أهدافها نحو المزيد من السيطرة والتغول على مقدرات المنطقة. 

من وجهة النّظر الإسرائيليّة، إنّ مثل هذه الاتفاقية مع المغرب تأتي كخطوة أولى على طريق تعزيز التحالفات من جهة، وتأخذ بعين الاعتبار موقع "الرباط" الاستراتيجي في منطقة شمال أفريقيا من جهة أخرى، كما تهدف إلى تعبيد الطريق لـ"إسرائيل" أكثر تجاه الساحات الأخرى، فرغم أنَّ التطبيع حصل مع المغرب، لكن "إسرائيل" عينها على الجزائر ومن حولها أكثر. 

ثمة أهداف وراء الإفصاح عن أولى خطوات المغرب لتعزيز قدراته العسكرية مع "إسرائيل"، يضمن تقديمه بوصفه الدولة القوية صاحبة النفوذ أمام الأطراف والدول المناهضة للتطبيع داخلياً وخارجياً، وهذا ليس بعيداً عن التنسيق وعقد الصفقات في المجال الرقمي والإلكتروني للتجسّس على النشطاء السياسيين في المغرب، وتكثيف الجهد الاستخباراتي ضد المعارضة في الداخل، والتجهّز لاحتمال أيّ مواجهة قد تفرض بحكم معارضة دول الجوار، كالجزائر، لمسلسل التطبيع المغربي، إذ أصبحت مواقفها واضحة في هذا الصدد.

 يسعى النظام المغربي لقبول الصفقات والتنسيق إلى أبعد مدى في هذا الصدد، ويراهن على أنه سيصبح داخل اللعبة الدولية للاستفادة على أكثر من صعيد، أهمها الاستفادة من فرص "إسرائيل" ونشاطها في المال والاقتصاد وانعكاسه على الدولة المغربية، وهذا ما تأمله الأخيرة إزاء هذا التوجه للتغطية على حجم الأزمات الاقتصادية المستفحلة داخل المغرب، كما يهدف ذلك إلى التظاهر بمظهر النظام القوي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ليس على الصعيد المحلي أمام الأحزاب المغربية والنخب المغربية فحسب، بل أمام المنطقة المغاربية برمتها أيضاً.

تعمل "إسرائيل" منذ فترة ليست قصيرة على تسويق خطوات ترميمية بين حين وآخر لبيع وتسويق وهم جديد بأنها حققت إنجازات مستمرة في المنطقة الأفريقية، وما زالت قوية وحاضرة، واتفاقياتها تتطور مع مختلف الدول، في محاولة لتجميل صورتها التي كسرت على يد المقاومة الفلسطينية في معركة "سيف القدس"، وهشّمت أمام فعل الأبطال على الجدار في غزة، وفي نفق الحرية في سجن جلبوع، بتوجيه ضربة إلى النظرية الأمنية الإسرائيلية. 

الحقيقة الَّتي يجب أن تدركها الدولة المطبّعة أنَّ ما تقوم به "إسرائيل" من صفقات بشتى أصنافها تصبّ في مصلحتها في الدرجة الأولى، وتوفر لها بيئةً للتغول أكثر في المنطقة، وأنّ كلّ الأسلحة التي يمكن أن تبيعها أو تقدمها للدول المطبعة ستكون أقل تطوراً مما تملكه على قاعدة ضمان التفوق العسكري لـ"إسرائيل"، و"إسرائيل" فقط، تحت أيّ ظرف أو زمان.

وأمام حدّة سباق التسلّح الذي يتصاعد في دول التطبيع، وعلى وقع الأحداث السياسية والأمنية واحتمال تغيير خارطة التحالفات في أيِّ لحظة، سيبقى هذا السباق يشكّل ساحة ملغومة تتداخل فيها حسابات دول وأنظمة سقطت في وحل التطبيع واصطفّت مع المشروع الإسرائيلي في المنطقة.