الصين وسوريا...رفع مستوى العلاقات إلى "الشراكة الاستراتيجية"

تعد زيارة الأسد للصين خطة استراتيجية ذات أهمية تاريخية، وسوف تدفع العلاقات بين الصين وسوريا إلى مستوى جديد، وستساهم أيضاً في إعادة التوازن والاستقرار إلى المنطقة.

  • العلاقات السورسة الصينية.
    العلاقات السورسة الصينية.

في الـ21 من أيلول/ سبتمبر، وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى الصين على متن طائرة صينية خاصة لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الآسيوية في هانغتشو وعقد لقاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وفي اليوم التالي، أعلن رئيسا البلدين عن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين خلال اللقاء، وأكدا أن الجانبين على استعداد لمواصلة تبادل الدعم الثابت في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية لكلا البلدين.

وتعد هذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس سوري إلى الصين منذ ما يقرب من 20 عاماً، وهي أيضاً أول زيارة رئاسية إلى الصين منذ اندلاع الأزمة السورية. وتؤكد هذه الزيارة التوافق بين الصين وسوريا بشأن رفض التدخل الخارجي.

خلال اللقاء، شدد الرئيس شي على دعم الصين الجهود السورية في مواجهة التدخلات الخارجية والتنمّر الأحادي الجانب، وفي الحفاظ على استقلال البلاد وسيادتها وسلامة أراضيها، وكذلك دعمها في إعادة الإعمار وتعزيز بناء القدرات لمكافحة الإرهاب، وفي دفع حل المسألة السورية سياسياً وفقاً لمبدأ "الملكية والقيادة السورية"... كما أكد الرئيس بشار الأسد أن سوريا ترفض رفضاً قاطعاً أي تدخل في الشؤون الداخلية الصينية، وأنه مستعد لأن يكون صديقاً وشريكاً ثابتاً وطويل الأمد للصين.

يمكن القول إن أساس الثقة السياسية المتبادلة بين الصين وسوريا يكمن في رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية. منذ اندلاع الأزمة السورية، ظلت الصين تدعم سوريا بقوة في الدفاع عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها، وصوّتت مرات عديدة ضد القرارات المتعلقة بسوريا التي اقترحتها الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي، وهو أمر نادر للغاية في تاريخ الدبلوماسية الصينية.

وتدعم الصين بقوة الشعب السوري في اتباع طريق التنمية المناسب لظروفه الوطنية، وتدعم السياسات والتدابير التي تعتمدها الحكومة السورية بهدف حماية الأمن والاستقرار والتنمية الوطنية، وتعارض تدخل القوى الخارجية في الشؤون الداخلية لسوريا وتقويض أمن سوريا واستقرارها، وتحث الدول المعنية على الرفع الفوري لجميع العقوبات غير القانونية المفروضة الأحادية الجانب ضد سوريا. وبالمقابل، تدعم سوريا الصين بقوة في القضايا التي تتعلق بالمصالح الأساسية للصين، مثل مسائل تايوان وهونغ كونغ وشينجيانغ. 

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2021، تحدث الرئيس الصيني شي جين بينغ هاتفياً مع الرئيس السوري بشار الأسد، وشدد الجانبان مرة أخرى على تقديم الدعم الثابت لبعضهما البعض. وفي 17 تموز/يوليو 2021، اليوم الذي أدى فيه الرئيس السوري الأسد اليمين الدستورية، زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي دمشق. وهذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها وزير الخارجية الصيني إلى سوريا بعد 12 عاماً، في رسالة واضحة أن الصين تدعم الحكومة السورية والشعب السوري في حماية السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية، وتعارض التدخل الخارجي وسياسة القوة. 

وبعد الوساطة الناجحة في دفع إعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، دعمت الصين أيضاً عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وعملت بنشاط مع الأطراف المعنية من خلال قنواتها الخاصة. وفي نهاية نيسان/أبريل وبداية أيّار/مايو، زار تشاي جيون مبعوث الحكومة الصينية الخاصة لقضية الشرق الأوسط، ومسؤولون آخرون سوريا وبعض الدول العربية الأخرى وتبادلوا وجهات النظر بشكل معمّق مع الأطراف المعنية بشأن تعزيز التسوية السياسية للقضية السورية ودفع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ما لعب دوراً بنّاءً في عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وبالإضافة إلى الدعم السياسي المتبادل، عززت الصين وسوريا بشكل مطرد التعاون الاقتصادي. بعد اللقاء بين الرئيسين، شهدا التوقيع على عديد من وثائق التعاون الثنائي بما يشمل التعاون في بناء "الحزام والطريق" والتواصل حول التنمية الاقتصادية والتعاون الاقتصادي والتقني. وعلى مدى السنوات الماضية، دعمت الصين سوريا في تطوير اقتصادها وتحسين معيشة الشعب. في كانون الثاني/يناير 2022، وقعت الصين وسوريا مذكرة تفاهم حول التعاون في مبادرة "الحزام والطريق"، والتي ستعزز بشكل فعال التعاون الودي بين البلدين في البنية التحتية والطاقة وغيرها من المجالات، والتي تدعم بقوة إعادة إعمار سوريا.

علاوة على ذلك، واصلت الصين تقديم المساعدات الإنسانية لسوريا وقدمت مساهمات كبيرة للتخفيف من الكارثة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري. في السنوات الأخيرة، قدمت الصين لسوريا أنواعاً مختلفة من المساعدات، بما في ذلك اللقاحات والمواد الغذائية والحافلات.

بعد كارثة الزلزال القوي في سوريا في شباط/فبراير من هذا العام، أرسل الرئيس شي جين بينغ على الفور رسالة تعزية إلى الرئيس بشار الأسد، معرباً عن حزنه العميق لسقوط ضحايا وخالص تعازيه لأسرهم.

وقامت الصين على الفور بتفعيل آلية المساعدة الإنسانية الطارئة، حيث قدمت 30 مليون يوان من المساعدات الطارئة لسوريا، بما في ذلك مبلغ مليوني دولار ومواد إغاثة كانت سوريا بأمسّ الحاجة إليها. أعلنت جمعية الصليب الأحمر الصيني أنها قدمت مئتي ألف دولار لجمعية الهلال الأحمر العربي السوري، وأرسلت دفعتين من المساعدات المادية. وشدد السفير الصيني لدى سوريا أيضاً على أنه "في الكارثة الحالية، يجب على الدول المعنية التخلي عن هواجسها الجيوسياسية، وأن ترفع على الفور العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على سوريا، وأن تفتح الباب أمام الإغاثة الإنسانية".

تعد زيارة الأسد للصين خطة استراتيجية ذات أهمية تاريخية، وسوف تدفع العلاقات بين الصين وسوريا إلى مستوى جديد، وستساهم أيضاً في إعادة التوازن والاستقرار إلى المنطقة، وتشكيل عالم متعدد الأقطاب.