الصناعة والتجارة السورية: تعافٍ داخلي وازدهار خارجي
تترقَّب سوريا اليوم عودة أبنائها إليها، وكما قلبوا الأرض الجرداء خضاراً في كل مكان، تنتظرهم لكي يعيدوا بناء حجارتها.
رغم مشاهد اللجوء واللاجئين السوريين والتحديات التي واجهوها في بلاد العالم، انتشر الياسمين السوري والصناعة والتجارة والمطاعم والطعام، وازدهر أغلبها في أغلب البلدان الّتي انتقل إليها السوريون هرباً من الحرب، كما بدأت الصّناعة بالتعافي في البلد الأم، رغم نكسات الحرب والدمار الذي حلّ بسوريا، ودفع البعض إلى الخروج منها قسراً، ومن ثم العودة إليها وفاء وحباً.
ماضي الصناعة في سوريا وحاضرها ومستقبلها
من ماضٍ عريق إلى حاضر مدمّر ومستقبل مشرق حتماً، بيّن رئيس اتحاد غرف الصناعة في سوريا وغرفة صناعة حلب، فارس الشهابي، أنَّ سوريا كان لديها قبل الحرب 133 ألف منشأة صناعية وحرفية، منها حوالى 60 ألفاً في حلب فقط، ومن كل الأحجام والقطاعات، مشيراً إلى فشل محاولات إركاع حلب لسنة ونصف السنة، حتى قام "لواء التوحيد الإخواني المجرم" بغزو المدينة واحتلال كل مناطقها الصناعية ونهبها بالكامل، مثل مناطق الليرمون والشقيف وكفر حمرة والراموسة والشيخ نجار وتيارة والزربة والمنصورة والنقارين، وتم نقل معظم خطوط الإنتاج إلى الداخل التركي.
وأكمل الشهابي الحديث عن الواقع الصناعي اليوم ومستقبل الصناعة في سوريا، وبيّن أن عدد المنشآت وصل إلى 80 ألف منشأة، وأنَّ الصناعة تشهد تعافياً بطيئاً، ولكنه مستمر، لافتاً إلى أنَّ البلد، رغم سوداوية الصورة، لديه فرص واعدة كثيرة، بسبب حجم الخراب الكبير، ووفرة اليد العاملة الماهرة، وموقع البلد الجغرافي المميّز، وقربه من عدة أسواق مهمة، مؤكداً أن ذلك يحتاج إلى محفّزات أفضل وإجراءات أسهل من أجل تسريع عودة رأس المال، ناصحاً الجميع بالعودة والاستفادة من الفرص الذهبية التي لن تتوفر لاحقاً عند مرحلة الاستقرار، ورغم أنّ "وجع الرأس أكبر الآن، فإنَّ الأرباح ستكون كبيرة أيضاً".
ومن قلب الواقع الصناعي السوري عامة، والحلبي خاصّة، أكد التاجر والصناعي صبحي أبو زلام، صاحب إحدى شركات الملابس، أنه بقي في سوريا ولم يغادرها، واستمرّ بإنتاج الملابس الوطنية ذات الجودة العالية، ليساهم في تقوية اقتصاد سوريا، بالتوازي مع الترويج لتلك المنتجات محلياً وعربياً، والتصدير إلى لبنان وليبيا والكويت والعراق، محافظاً على جودة عالية وقطع فريدة.
الصناعة والتجارة السّورية تثمر في مصر
مع بداية الحرب على سوريا وتوقّف المدن الصناعية عن العمل، بسبب ما تعرّضت له من إرهاب، انتقل مئات الصناعيين السوريين إلى دول العالم، وخصوصاً مصر، إذ عادت صناعتهم وإنتاجهم خيراً وازدهاراً على مصر وشعبها، فانتشرت الصناعات النسيجية والملابس وصناعة الستائر ومعامل "الشيبس" السورية، إضافة إلى العطور التي يأتي في مقدمتها محل ماء الذهب الذي أنشأَ 70 فرعاً له في مصر، ناهيك بمعامل البلاستيك وقصب السكر وغيره. وأهم ما انتشر في مصر بنسبة عالية جداً، هو المطاعم السّورية والأكل السّوري الذي أحبّه المصريون واعتادوه.
وفي ظلِّ الحديث عن الاستثمار السوري في مصر، أوضح رجل الأعمال السّوري والأمين العام لجمعية الصداقة السّورية المصرية طلال عطار أنهم كرجال أعمال ومستثمرين سوريين انتقلوا قسراً إلى مصر، نتيجة ما تعرَّضت له سوريا من أحداثٍ دامية، موضحاً أنَّهم توجّهوا إليها لأنها البلد العربي الذي شعروا فيه بالأمان، ولأنها الأقرب إلى سوريا، ولكونها شكلت بيئة حاضنة لهم، وبسبب المحبّة الكامنة لدى الشعب المصري تجاه الشعب السوري، لافتاً إلى أنَّ هذا الانتقال مؤقت، ريثما يعود الأمن والأمان إلى سوريا.
وأوضح عطار أن تجّار سوريا وصناعييها قاموا بافتتاح المطاعم والكثير من الصناعات، إضافةً إلى التجارة، في مصر، مؤكداً أنَّ النجاح في ما قدموه يعود إلى ما رأوه من محبة من الشعب المصري للسوريين والتشجيع الكبير لهم، ما جعلهم يتوسعون في أعمالهم ويفكّرون في الاستثمار بطريقة أكبر، ما عاد عليهم بعائدات مادية ومعنوية واجتماعية كبيرة.
عودة رجال الأعمال المغتربين إلى سوريا والاستثمار العربي فيها
وفي هذا الصّدد، شدَّد عطار على أنَّ هناك أملاً في العودة إلى سوريا، لأنها قبلتهم الأولى والأخيرة، وهي دائماً بوصلتهم، وهم بانتظار هذه العودة في أقرب وقت، مبيناً أنَّه من أوائل الذين عادوا إلى سوريا في العام 2018 بعيد تحريرها، وافتتح مطعمين فيها، لأنه يرى الاستثمارات ناجحة نوعاً ما، إضافةً إلى أنه يرغب في إعادة النبض إلى الشارع الحلبي والسوري، وليقول للسوريين وللعائلات السورية والأهالي إنَّهم موجودون معهم قلباً وقالباً، ولن ينسوا وطنهم الأم.
وأكَّد عطار أنهم كرجال أعمال سيوسّعون أعمالهم في سوريا أكثر في القريب العاجل، وسيعودون ليبنوا سوريا التي يعتبرونها صاحبة الفضل الأول والأخير عليهم، وسبب كلّ نجاح لهم، وهو ما دفعهم كرجال أعمال مغتربين في مصر إلى إنشاء الجالية السورية فيها، وإنشاء جمعية الصداقة المصرية السورية التي شغل العطار منصب الأمين العام فيها.
وبيّن أنَّ رجال الأعمال السوريين في مصر يعملون بشكل دائم على إعادة جسور التواصل بين السوريين ووطنهم الأم من جهة، وتشجيع الإخوة المصريين على الاستثمار في سوريا من جهة أخرى، مؤكداً أنه سيكون هناك مستثمرون مصريون فيها، إضافةً إلى أن الإخوة المصريين الذين شاركوهم النجاح في مصر سوف يشاركونهم إعادة بناء بلدهم في القريب العاجل.
تترقَّب سوريا اليوم عودة أبنائها إليها، وكما قلبوا الأرض الجرداء خضاراً في كل مكان، تنتظرهم لكي يعيدوا بناء حجارتها، ويستثمروا فيها، لتثمر أعمالهم إنتاجاً رائداً، وليعيدوا رونق الصناعات والحياة إلى هذا البلد الذي يحتاجهم اليوم أكثر من أيّ وقت مضى.