الصّراع الصيني الأميركي وأثره في مباحثات مكافحة تغير المناخ

منذ أن تولى الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئاسة عام 2013، أجرى مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مباحثات مكثفة حول التغير المناخي مهدت للوصول إلى اتفاقية باريس للتغير المناخي.

  • الصّراع الصيني الأميركي وأثره في مباحثات مكافحة تغير المناخ
    الصّراع الصيني الأميركي وأثره في مباحثات مكافحة تغير المناخ

عندما وقّع الرئيسان الصيني شي جين بينغ والأميركي باراك أوباما اتفاق باريس للتغير المناخي، خلال لقائهما على هامش قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في الصين عام 2016، تأمَّل العالم خيراً في نجاح الاتفاق والحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة وارتفاع درجة حرارة الأرض.

تتحمل الصين والولايات المتحدة الأميركية معاً مسؤولية ما يقارب 40% من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وتشير بيانات نشرت في شهر شباط/فبراير الماضي إلى أنَّ هناك 16 منطقة من أصل 20 في العالم أكثر عرضة لتغيرات المناخ. 

هذه المناطق تقع في الصين، فيما جاءت ولاية فلوريدا الأميركية في المركز العاشر، واحتلت كاليفورنيا المرتبة الـ19. وتُعد مقاطعة جيانغسو الساحلية الصينية المنطقة الأكثر تعرضاً في العالم للتغير المناخي، تليها مقاطعة شاندونغ.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي العام الماضي، يُعرّض تغير المناخ المدن الساحلية المنخفضة المكتظة بالسكان والمهمة اقتصادياً في الصين للخطر. هذه المدن تعدّ موطن ما يقدّر بخمس سكان الصين، وتساهم في ثلث إجمالي ناتجها المحلي.

وأشار التقرير إلى أن تغير المناخ، في حال استمر، قد يؤدي إلى خسائر في إجمالي الناتج المحلي بنسبة يُقدّر بأنها تتراوح بين 0.5% و2.3% بحلول عام 2030. وشهدت الصين خلال الصيف الماضي درجة حرارة عالية لم تشهدها منذ عام 1961، وشهدت مقاطعات أخرى أمطاراً غزيرة هي الأشد منذ 60 عاماً.

أما الولايات المتحدة الأميركية التي شهدت خلال السنوات الأخيرة زيادة في الكوارث الطبيعية، فقد تكبَّد اقتصادها على مدى السنوات السبع الماضية خسائر بأكثر من تريليون دولار، وشهدت وفاة ما لا يقل عن 5 آلاف شخص. وكشف البيت الأبيض العام الماضي أن تأثير تغير المناخ بحلول نهاية القرن يمكن أن يسبب خسائر بنحو تريليوني دولار.

منذ أن تولى الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئاسة عام 2013، أجرى مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مباحثات مكثفة حول التغير المناخي مهَّدت للوصول إلى اتفاقية باريس للتغير المناخي عام 2015؛ ففي عام 2013، أثناء زيارة الرئيس الصيني للولايات المتحدة الأميركية، أعلن الرئيسان الصيني والأميركي أنه سيتمّ استهداف مركبات الهيدروفلور الكربونية التي تساهم في انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون عالمياً.

وعام 2014، أجرى الرئيس الصيني ونطيره الأميركي مباحثات في بكين حول قضية التغير المناخي، وذلك على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي في آسيا. وخلال المؤتمر الدولي حول المناخ المنعقد في باريس عام 2015، تعهد الرئيسان بالعمل معاً للدفع قدماً باتفاقية تغير المناخ.

وعندما زار الرئيس السابق باراك أوباما الصين لحضور قمة العشرين عام 2016، قدّم ونظيره الصيني وثائق توقيعهما على اتفاق تغير المناخ إلى الأمين العام للأمم المتحدة السابق بان كي مون الذي زار الصين خصيصاً لحضور إعلان توقيع أكبر دولتين ملوثتين للبيئة في العالم على الاتفاق. وفي إثر ذلك، قال الرئيس أوباما إن اتفاق باريس للمناخ سيكون نقطة تحول لكوكب الأرض في اتجاه خفض انبعاثات غاز الكربون.

لقد شهدت حقبة الرئيس باراك أوباما تعاوناً كبيراً بين الصين وأميركا حول تغير المناخ، إذ إنّ العلاقات بين البلدين حينها، وإن كانت متوترة، لم تصل إلى الحد الذي وصلت إليه اليوم.

أما مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، فقد توقفت المباحثات حول المناخ بين البلدين تقريباً، إذ انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من اتفاقية باريس للتغير المناخي، وزادت العلاقات توتراً بين أكبر اقتصاديين في العالم، فلم يكن هناك مجال للتباحث حول تغير المناخ.

وحذا الرئيس الحالي جو بايدن حذو الرئيس السابق باراك أوباما، فاستأنف المباحثات مع الصين حول التغير المناخي، وأعاد الولايات المتحدة الأميركية إلى اتفاق باريس.

وكان الاتفاق الأول بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في عهد جو بايدن حول التغير المناخي قد تم في الاجتماع الذي عُقد بين البلدين في مدينة أنكوريج في ولاية ألاسكا الأميركية خلال شهر آذار/مارس 2021. وبعد ذلك، عقد جون كيري، المبعوث الأميركي الخاص بشؤون المناخ، مباحثات مع نظيره الصيني شيه تشن هوا.

وفي قمة المناخ التي عُقدت في غلاسكو عام 2021 (كوب 26)، أعلن الطرفان قبل ساعات قليلة من نهاية قمة المناخ عن اتفاق بشأن التعاون بينهما في مجال التغير المناخي، إلا أن توتر العلاقات بين الجانبين أثر في تعاونهما. وكانت الصين واضحة في هذا الأمر، إذ قالت إنَّ قضايا المناخ لا يمكن فصلها عن العلاقات العامة بين بكين وواشنطن.

وعندما زارت رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي تايوان العام الماضي علّقت بكين مباحثات تغير المناخ مع واشنطن، ولم يعاود الجانبان التواصل حول المناخ إلا بعد لقاء الرئيسين الصيني والأميركي على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي في إندونيسيا في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وفي إطار آخر، أثرت القيود المفروضة بين البلدين، تحت مزاعم الأمن القومي، في الحد من التعاون بينهما. مثلاً، عام 2018، شنّت الولايات المتحدة الأميركية حرباً تجارية ضد الصين، ولا تزال التعريفات الجمركية على منتجات التكنولوجيا النظيفة الصينية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب مستمرة مع الرئيس جو بايدن.

وقد أقرت واشنطن تشريعاً يعرف باسم "قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي" الذي يسمح للجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأميركية بمراجعة مجموعة واسعة من الصفقات، إضافة إلى قانون منع العمل القسري للإيغور الذي يحظر استيراد جميع المنتوجات المصنوعة في منطقة شينجيانغ ذات الأغلبية الإيغورية المسلمة، ما لم يثبت المستوردون أن المنتجات غير مصنوعة باستخدام العمل القسري.

وبناءً على هذا القانون، صادرت إدارة الجمارك وحماية الحدود الفيدرالية الأميركية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي 1000 شحنة من مكونات ألواح الطاقة الشمسية المصنوعة في شينجيانغ. وفي حزيران/يونيو، صادرت 1053 شحنة من معدات الطاقة الشمسية وألواحها.

كما أن إدارة بايدن فرضت قيوداً على تصدير الرقائق الإلكترونية المتطورة إلى الصين، ما من شأنه أن يؤثر في صناعة التقنيات الصديقة للبيئة كالسيارات الكهربائية.

من جانبها، فرضت الصين العديد من اللوائح الصارمة التي حدَّت من التعاون في مجال التكنولوجيا النظيفة مع الولايات المتحدة. على سبيل المثال، أقرت الصين قانون مراقبة الصادرات في تشرين الأول/أكتوبر 2020، الأمر الذي وفّر لها مبرراً لتقييد المعاملات التجارية الأجنبية على أساس الأمن القومي.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2020، أصدرت الصين الإجراءات الخاصة بمراجعة الأمن القومي للاستثمار الأجنبي وتعزيز الرقابة الحكومية والقدرة على تقييد أو رفض الاستثمار الأجنبي، وأدرجت بعض التقنيات النظيفة المتقدمة في قائمة التقنيات المحظورة أو المقيدة للتصدير أو للاستثمار. وتدرس وزارة التجارة الصينية حالياً تقييد صادرات تكنولوجيا تصنيع الطاقة الشمسية الرئيسية إلى الولايات المتحدة الأميركية.

في ظلِّ التوتر الشديد الذي يسود العلاقات الأميركية الصينية، من غير المأمول أن يتعاون الطرفان حول تغير المناخ، رغم أنهما يعيان تماماً أن مكافحة هذه الأزمة غير ممكنة من دون التعاون بينهما؛ فالرئيس الصيني شي جين بينغ أكد خلال قمة المناخ التي عقدت افتراضياً خلال شهر نيسان/أبريل 2021 أن بلاده مصممة على العمل مع الأسرة الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لمعالجة أزمة التغير المناخي، ولكنْ تسير الرياح بما لا تشتهي السفن، ويبدو أن المشكلات بين البلدين أرخت بظلالها على علاقاتهما في مسألة التغير المناخي.

إنَّ اتفاق الولايات المتحدة الأميركية والصين ضروري وأساسي لنجاح الجهود الدولية للحدّ من الانبعاثات الكربونية التي تسبب الاحتباس الحراري. ومن غير المتوقع نجاح هذه الجهود ما لم تتفق بكين وواشنطن على وضع خلافاتهما جانباً والتركيز على قضية المناخ التي يؤثر في العالم أجمع.