السوريّون وطوفان الفخر والأمل: إنّها مقاومتنا، إنّه نصرنا

ثمّة عوامل عديدة رفعت من ثقة السوريين بمقاومتهم الفلسطينية والعربية، وبصوابية موقف قيادتهم وتموضعها الثابت والأصيل في قلب محور المقاومة.

  • موقف سوريا من عملية طوفان الأقصى.
    موقف سوريا من عملية طوفان الأقصى.

"من الجنوب السوريّ، تحيّة من الجيش العربيّ السوريّ إلى أبطال فلسطين. نحن معكم بسلاحنا ودمائنا".

جندي سوريّ على جبهة الجولان المحتل  

في هذه اللحظات، وبينما تعلن إحدى قنوات التلفزة في كيان الاحتلال الصهيوني (القناة 14) خبر سقوط قذائف صاروخية على مستعمرة "رمات مغشيميم" في الجولان السوريّ المحتل، مصدرها الداخل السوريّ، تكتظّ الجامعات السورية بآلاف الطلبة الشباب الذين يهتفون لفلسطين وللمقاومة الفلسطينية ويرفعون أعلامها، ويتفاعل جميع أطفال سوريا في المدارس الرسمية مع الحدث الفلسطينيّ العظيم، حيث يستمعون من مُعلّميهم إلى شروحات مفصّلة عن قضيّتهم الرئيسية العادلة، وعن تفاصيل الإجرام الإسرائيلي في غزّة على مدار الساعة، وعن جدارة المقاومين وبسالتهم التي تحمل الأمل كلّه لهم وللأمة. 

هؤلاء الأطفال يعبّرون بدورهم عن مواقفهم وآمالهم وتطلّعاتهم ومشاركاتهم الرمزيّة في الحدث، ثم سيخرجون بعد قليل إلى الساحات لمشاركة عموم أبناء الشعب السوري في الداخل، في مسيْرات حاشدةٍ تعمّ جميع مدن وبلدات المحافظات السورية هذا الصباح، ابتهاجاً بإنجازات المقاومة الفلسطينية، وتضامناً مع الأهل في غزّة، الذين يواجهون أبشع آلة قتل استعماريّ عرفها التاريخ.

منذ اللحظة الأولى لانطلاق ملحمة "طوفان الأقصى" بتوقيت المقاومة الفلسطينية الباسلة، يختبر الشعب السوري في الداخل مشاعر فخر واعتزاز وأمل لا يمكن وصفها أو اختزالها بكلمات: إنّها معركتنا، معركة كلّ سوريّ خصوصاً، كلّ عربيّ، وكلّ حرّ في هذا العالم، هذا ما تسمعه من الجميع الذين يتسمّرون أمام شاشات التلفاز ويتنقّلون عبر هواتفهم في مختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ، لالتقاط كل خبر قادم من فلسطين أو عن الجبهات في الجنوبين السوريّ واللبنانيّ، ثمّ للتعليق والتعبير وإعلان الموقف الحازم والجازم مع المقاومة. 

ولعلّ في ردود أفعال السوريين على الأخبار التي تداولتها بعض المواقع حول تحذيرات أميركية للقيادة السورية، ونواياها القاضية بتدمير سوريا إذا ما تدخّلت، هي أو المقاومة في لبنان، في الحرب إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ما يوضح موقف الشعب السوري النهائيّ في هذا الصراع المشرّف ضد المحتل، فناهيك عن عدم التفاتهم أو اهتمامهم بتصريحات المستعمر الأميركيّ الراعي للإجرام الإسرائيلي، فإنّ أرواح ومُهج وعقول الجميع هنا، تتسامى فخراً مع كلّ قذيفة سوريّةٍ تنطلق باتّجاه الأرض المحتلة، بل يؤكّد العديد منهم باعتزاز شديد، أنّ تلك القذائف تنطلق بأمرٍ مباشر من الرئيس السوريّ الذي تهدّده الولايات المتحدة الأميركية باستهدافه شخصيّاً، إذا ما دخلت بلاده المعركة.

بدايةً، ومع ورود الأخبار الأولى في إثر إطلاق المقاومة الفلسطينية معركة "طوفان الأقصى" صباح الـ 7 من هذا الشهر، تشرين الأول/أكتوبر، لم يستوعب العديد من السوريين، كما غالبية الناس في المنطقة والعالم، ما يحدث، جاء الأمر بالنسبة إليهم، أشبه بحلمٍ بديعٍ طال انتظار تحقّقه في الواقع، ففي الوقت الذي كان السوريون يستعيدون أمجاد حرب الـ 6 من تشرين من العام 1973، انهمرت على قلوبهم أخبار سيطرة شباب المقاومة الفلسطينية البواسل على العديد من مستوطنات غلاف غزة، وتكبيد جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه مئات القتلى والجرحى، وسقوط عشرات الأسرى في قبضة المقاومين، وبدا أنّ هذا تماماً ما يحتاجه السوريون، وأن ليس ثمّة أخبار في الدنيا كلها، تُثلج صدورهم، أكثر من هذه الأخبار.

فالشعب الذي عملت قوى التدمير والهمجيّة الاستعمارية وأدواتها، وعلى رأسها كيان الاحتلال الصهيوني الغاشم، على مدى أكثر من 10 سنوات، على قتله وتدمير بلاده وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وصرفت مئات مليارات الدولارات في الإعلام وعلى الأرض، لتحويل من نجا من أبنائه إلى جماعات طائفيّة وعرقيّة بائسة ويائسة ومتحاربة ومتكارهة وكارهة للمقاومة ولفلسطين التي يقول لهم المستعمر عبر منابره الناطقة بالعربية وبكلّ اللغات، إنها أول وأهمّ أسباب بؤسه، وإنّ في التخلي عنها منجاته. 

هذا الشعب أثبت للعالم أجمع أنّ فلسطين ليست قضيته الأساسية وحسب، بل هي محور كل تفصيل في حياته، وأنّه مدرك أن لا خلاص له ولبلاده وللأجيال القادمة من أبنائه، إلّا بتحرير فلسطين وطرد الغزاة منها ومن عموم المنطقة. ويستطيع أيّ متابع لما يجري الآن داخل المجتمع السوريّ، أنْ يقرأ كل هذه المعاني بوضوح تام ولا لبس فيه.

هذا الوعي المتقدّم لدى السوريين الذي يعانون حصاراً خانقاً ومريراً من القوى الاستعمارية ذاتها، ويتلقّون الاعتداءات الإسرائيلية المتتالية على بلادهم منذ سنوات، حوّل "طوفان الأقصى" إلى ملحمة أمل في نفوسهم، ملحمة يريدون أن يكونوا جزءاً أصيلاً منها هذه اللحظات، كما كانوا دائماً في كل معارك حريّة فلسطين.

لذلك لا يمكنك أن تسمع شكوى واحدة، أو حتى توجّساً، من احتمال توسّع الحرب وتوحيد الساحات، وعلى رأسها الساحة السورية، ضد المحتل الصهيوني، أو ضد سيّده الأميركيّ وجميع أدواته في الداخل والمنطقة. بل إنّ الاحتفال بكل قذيفة تُطلق من الأراضي السورية باتّجاه جيش الاحتلال في الجولان المحتل، يُنبئ عن رغبة عارمة في تحقيق حلم انطلاق حرب التحرير الكبرى على مختلف الجبهات. 

ثمّة عوامل عديدة رفعت من ثقة السوريين بمقاومتهم الفلسطينية والعربية، وبصوابية موقف قيادتهم وتموضعها الثابت والأصيل في قلب محور المقاومة، لتبلغ أعلى درجات اليقين بالتحرّر والخلاص والنهضة، وهم يتداولون هذه الأمور في أحاديثهم على مدار الساعة طوال الأيام الثلاثة الفائتة، ولعلّ أوّل ما يُبادرك به المواطن السوري بعد التهنئة بانطلاق هذا الطوفان الشاهق البهيّ، هو الحديث عن هذا التقدّم والتفوّق العلميّ الكبير الذي بلغته مقاومتنا، والذي مكّنها من المبادرة والمباغتة والسيطرة وإرباك العدو ومحاصرته ودفعه إلى الاشتباك مع نفسه كما حصل في الأيام الأخيرة، ثم هذه القدرات العظيمة والمدهشة التي يُظهرها المقاومون في الميدان، لجهة الاقتحام من البرّ والبحر والجوّ، والسيطرة والإمداد وتحقيق المهام بدقّة وبطرائق فذّة جعلت من قوات نخبة العدو لعبة في أيديهم. 

وهذا ما يجعلهم يتحدثون عن التحرير الوشيك بثقة عالية وغير مسبوقة، وهم خلال ذلك، يستذكرون كلمات سيّد المقاومة، السيد حسن نصر الله، ووعوده حول الحرب المقبلة، وعن المفاجآت العظيمة التي لن يصدّقها العدو أو يصمد أمامها، وعن القتال منذ الساعات الأولى داخل أرض فلسطين المحتلة، لا على الحدود، بالطريقة ذاتها التي يتناقلون فيها كلمات القائدين محمّد الضيف وأبو عبيدة، ووعودهما بالمفاجآت الصاعقة وبالنصر الأكيد. 

وهم، إذ يشهدون الآن على أرض الواقع، ترجمةً فعلية لكل كلمات ووعود قادة المقاومة، ويفخرون بالسلاح السوريّ الذي عملت دولتهم على إيصاله إلى الداخل المحتل بوسائل إعجازيّة حقّاً، يُحيّون الضيف وأبا عبيدة ورفاقهما من على الخطوط الأمامية للجبهات السورية مع أدوات المستعمر، وبتّ تشهد عشرات اليافطات التي يرفعها جنود سوريون مرابطون على خطوط النار، تُحيّي قادة المقاومة ومقاتليها الأبطال، وتعلن الاستعداد والتّوق لمشاركتهم معركة التحرير هذه.

بالنسبة لعموم الشعب السوريّ في الداخل، إنّ أحد أهمّ إنجازات ملحمة "طوفان الأقصى" العظيمة ومنذ ساعاتها الأولى، وهو الإنجاز الذي يُسقط، لوحده، مشروعاً استعماريّاً كبيراً في هذه البلاد، هو إثبات وحدة السوريين الصارمة حول القضية الفلسطينية، والتفافهم حول مقاومتهم واعتزازهم وثقتهم بها، وهو تجذّر هذا الوعي بمركزيّة القضية ومحوريّتها وعلاقتها الأساسية بكل مشاريع المستعمر في المنطقة، والإيمان المطلق بأنّ عذاباتهم وتضحياتهم وكل المؤامرات التي تجري الآن أو تحاك لبلادهم، سوف تستمر ما دامت فلسطين محتلّة. والأبهى من ذلك، هو استعدادهم للانخراط المباشر، بكل ما يملكون ويستطيعون، في معركة تحرير فلسطين والجولان وكلّ أرض عربية محتلّة، لأنهم يرون في ذلك خلاصهم الأكيد. 

لقد أسقطت فلسطين ومقاومتها، من جديد، هدفاً استراتيجيّاً كبيراً لقوى الاحتلال والاستعمار على مستوى الأمة، وهو تصفية القضية وإلهاء الشعب العربيّ بمصائبه المباشرة التي سبّبها له هذا المستعمر لإبعادهم عن فلسطين وتنفيرهم من مقاومتها، وها هو الشعب السوريّ تحديداً، بكل ما يختزنه ويختبره من ألم وحرمان وعذابات، يضرب أروع الأمثلة على ذلك الآن.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.