الرئيس الإيراني في العراق: الأولوية الاستراتيجية
يكتسب العراق أهمية في سياسة إيران الإقليمية. فهل التسابق إلى العراق، إقليمياً ودولياً، سيسمح لطهران بالحصول على المكتسبات الاستراتيجية التي تريد؟
عكست زيارة الرئيس الإيراني، مسعود بيزشكيان، للعراق يومي الـ11 والـ13 من أيلول/سبتمبر، توجهات السياسة الخارجية الإيرانية وأولوياتها، بحيث يكتسب العراق أهمية في سياسة إيران الإقليمية. فهل التسابق إلى العراق، إقليمياً ودولياً، سيسمح لطهران بالحصول على المكتسبات الاستراتيجية التي تريد؟
ركّزت الزيارة على المسائل السياسية والأمنية. كما أن الاقتصاد حظي باهتمام فاق المعتاد. ملف المقاومة العراقية، المنبثقة من الحشد الشعبي، والقريبة من إيران، شكل أحد محاور النقاش. أما العلاقة بإقليم كردستان العراق فأخذت حيزاً مهماً في المحادثات الأمنية، ونالت العلاقة الجديدة بين تركيا والعراق نصيبها في النقاش. تريد طهران وضع العلاقات المتنامية مع العراق في إطار استراتيجي، ولاسيما مع خروج العراق من السيطرة الأميركية. وتطمح إلى إعادة العراق النظر في سياسة العقوبات الأميركية والابتعاد عن محاولات البحث في أهمية فصائل المقاومة الإسلامية العراقية، وفي الشراكة ضد المحور الإسرائيلي الأميركي. وهي من الأساسيات بالنسبة إلى إيران. واحتل موضوع منع "إسرائيل" و"الموساد" من الاقتراب من الحدود الإيرانية، انطلاقاً من إقليم كردستان، وأهمية إبعاد الأحزاب الكردية الإيرانية الأولوية في زيارة الرئيس الإيراني لكردستان.
العلاقة الاستراتيجية هدف أساسي
تسعى إيران لحلف استراتيجي مع العراق في كل المجالات، إلا أن الانقسام بين الأحزاب واضح فيما يخص العلاقة بالأميركي، وموضوع دمج الحشد الشعبي في النظام، وقضية إبعاد تأثير حرب غزة عن العراق. وهناك قوى عراقية لا تتوافق أجندتها مع سياسة إيران في هذا الصدد، وترى أن التنسيق بين اليمن وحماس والمقاومة العراقية سيسبب لها مشكلات. ويتلقى هؤلاء دعماً سياسياً من الأميركي وبعض الدول العربية.
يعطي رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الأولوية في سياسته لمراعاة حساسيات الولايات المتحدة، وهو يتجنب انتهاك العقوبات الأميركية بشأن مدفوعات الغاز والكهرباء لإيران، كما أنه يتباطأ في استعجال قضية الانسحاب الأميركي من العراق، ويحاول تحقيق التوازن بين إيران وتركيا في مشروع مسار التنمية والاتفاقيات الموقعة في المجال الأمني. وهو يعمل على التطبيع مع الدول العربية، وتستفيد طهران من سياسة التطبيع مع جيرانها العرب بعد أن توسط العراق بين إيران السعودية، وأدى دوراً في جولات المحادثات بينهما، الأمر الذي سمح للصين باختتام هذا الجهد باتفاق بين الطرفين. كذلك، سعى لمحادثات بين إيران وكل من الأردن ومصر.
ومع أن مجيء السوداني إلى الحكم كان بإجماع الإطار التنسيقي الشيعي، إلا أن مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي السابق، قام، بفضل اتصالاته القوية بالعواصم العربية، بجهود الوساطة بين الدول العربية وطهران، والتي استكملها السوداني وعمل على التحايل على نظام العقوبات الأميركي من أجل حصول إيران على بعض مستحقاتها بفضل علاقاته الواسعة. وعلى الرغم من أن السوداني يريد الاستمرار في هذا الدور، فإنه لا يتمتع بالعلاقات الدبلوماسية نفسها، التي كان يتمتع بها سلَفه.
وعلى الرغم من قرب السوداني من إيران فإنه لا يحبذ آليات التهرب من العقوبات، ولا يعرض على إيران نهجاً يضيف بعداً استراتيجياً إلى العلاقات بها، إلا أن الرئيس الإيراني بزشكيان تفاوض معه من أجل الإفراج عن أصول إيرانية، قيمتها 10 مليارات دولار.
أما مشروع السكك الحديدية بين البصرة وشلمجة فهو يُعَدّ إحدى القضايا الرئيسة التي تم التركيز عليها. وهذا المشروع عبارة عن طريق سيربط العراق بروسيا وآسيا الوسطى عبر إيران. ويجري النظر في المشروع فيما يتعلق بالممر الشمالي الجنوبي، والذي توليه إيران أهمية كبيرة، الا أن الجانب العراقي يريد إعطاء الأولوية لطريق التنمية الذي سيربط الميناء العربي بتركيا براً، وعبر سكك حديدية، ومن هناك إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط وأوروبا. وعرض السوداني الشراكة على إيران في مسار التنمية خوفاً من العرقلة. قد يكون مشروع سكة حديد البصرة –شلمجة، الجاري تنفيذه، أحد الحلول التي ستربط إيران بمسار التنمية. لكن العراق أراد أن يقتصر هذا الخط على نقل الزوار والركاب فقط. ويبدو أنه تم، خلال الزيارة، التوصل إلى اتفاق بشأن استكمال مشروع البصرة شلمجة.
زيارة كردستان وأهم نتائجها
سعت إيران لاتخاذ مزيد من الخطوات وفقاً للاتفاقية الأمنية الموقعة في آذار/مارس 2023. دعمت أربيل هذا الاتفاق، وبهذه الطريقة تم إخراج الجماعات الكردية الإيرانية من المعسكرات القريبة من الحدود. بالنسبة إلى هذه الأحزاب، لم تعد كردستان ملاذاً آمناً. وتواصل طهران الإصرار على نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية بالكامل، وإرسالها إلى دول ثالثة.وطالبت بتسليمها 118 من أعضاء التنظيم من العراق. تريد إيران تعاوناً يمنع أنشطة هذه الجماعات داخل إيران.
المطالب قاسية جداً بالنسبة إلى إدارة كردستان. وكان بزشكيان عقد اجتماعات برئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس إدارة كردستان نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء مسرور بارزاني، ومسؤولين حكوميين آخرين، في أربيل. ودعا مسعود بارزاني إلى زيارة إيران.
والدة بزشكيان من أصول كردية، وهو يتقن اللغة الكردية، وتعلم في مدينة مهاباد التي وُلد ونشأ فيها. وهو من المدينة نفسها التي نشأ فيها البرزاني. تحدث باللغة الكردية في المؤتمر الصحافي المشترك مع نيجيرفان بارزاني، الذي وصف الزيارة والعلاقات بالتاريخية، وأكد أن كردستان لن تكون مصدر أي تهديد لدول الجوار. وأكد التزام الاتفاقية الأمنية الإيرانية العراقية. توجه بزشكيان إلى السليمانية، وزار قبر الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، ثم التقى رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني. حاول بزشكيان إقامة التوازن بين طرفي كردستان.
ومع أن للحزب الديمقراطي الكردستاني علاقات متميزة بتركيا، ويحافظ الاتحاد الوطني الكردستاني على علاقات ودية بإيران، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني حاول تحسين العلاقات بكل من إيران والأحزاب الشيعية العراقية. لقد أصبحت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين أقوى. وعندما أوقفت تركيا شحن النفط عبر خط الأنابيب، بعد قرار التعويض الصادر عن التحكيم الدولي في باريس، توجه نفط كردستان إلى إيران عبر الناقلات. إضافة إلى ذلك، اكتسبت العلاقات بالمسؤولين الشيعة أهمية من أجل تجاوز أزمة الميزانية في بغداد، وإيجاد صيغة مشتركة لبيع النفط. وكان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حصل على مقعد محافظ كركوك بفضل علاقاته الجيدة بالجهات الفاعلة في كل من إيران وبغداد، الأمر الذي اثار غضب تركيا.
يبدو أن إيران تحقق النتائج المرجوة في العلاقة بكردستان. لكن، على الرغم من قرب طالباني من إيران، فإنه يعلق أهمية على الشراكة مع الولايات المتحدة، نظرا إلى العلاقة التي تربطه بـ"قسد"، وهو ما يثر حنق تركيا.