الخشية الإسرائيليَّة من الحرب الإقليميَّة
تتعزّز خشية العدو من حرب إقليمية، بعد ما اعتبره إشارات ضعف خلَّفتها حربه الأخيرة على غزة، وأقرّ بأنها أدت إلى تراجع قوة ردعه.
يحرص العدو الإسرائيلي منذ نشأته على تجنّب خوض المواجهات العسكرية على جبهات متعددة، فهو لم يعد قادراً على حسم عملياته العسكرية على جبهة واحدة، كما لم يعد قادراً على مواجهة جبهات متعددة.
فشل العدو في 5 معارك أمام المقاومتين اللبنانية والفلسطينية منذ حرب تموز/يوليو 2006 مع المقاومة اللبنانية، وحتى معركة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021 مع المقاومة الفلسطينية، ولم يخض مواجهة على أكثر من جبهة منذ حرب أكتوبر/تشرين 1973 على الجبهتين المصرية والسورية.
يواجه العدو تهديداً من عدة جبهات وساحات، ويعتبر الجبهة الشمالية الأكثر خطراً، وجبهة غزة الأقل استقراراً والأكثر اشتعالاً، والضفة ساحة ذات مستوى محتمل للتصعيد، والأراضي الفلسطينية المحتلّة العام 1948 تهديداً استراتيجياً للجبهة الداخلية، ويضيف جبهة العمق في العراق واليمن كأحد مكونات التهديد في حال اندلعت حرب متعددة الجبهات، وتُصنّف الجبهة الإيرانية كتهديد وجودي في حال امتلكت إيران القنبلة الذرية، وهي التي تعتبر دولة الارتكاز لقوى المقاومة في المنطقة.
برزت إشارات الدعم والإسناد والتنسيق بين الجبهات والساحات أثناء معركة "سيف القدس"؛ فقد أشارت مصادر حزب الله اللبناني إلى التعاون الاستخباري مع قيادة "القسام" أثناء المعركة. وصرّح قائد حركة "حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، عقب وقف إطلاق النار، أن المعركة شهدت تنسيقاً رفيع المستوى مع قيادتي حرس الثورة في إيران وحزب الله في لبنان.
أُطلقت خلال معركة "سيف القدس" صواريخ من الجبهة الشمالية، ووصلت طائرة إيرانية مسيرة إلى شمال فلسطين، وأطلقت التهديدات من قوات "أنصار الله" في اليمن. وبحسب المصادر، تم السعي للحصول على حيثيات لمواقع عسكرية إسرائيلية لمهاجمتها.
تحرّكت الجبهة الداخلية الفلسطينية، وتصاعدت المواجهات مع قوات الاحتلال والمستوطنين، وعرقل المنتفضون وصول القوات والدبابات والعربات المصفحة إلى جبهة القتال على تخوم غزة، ويعتقد العدو أنَّ المواجهة القادمة ستشهد تصعيداً أكبر وأعنف بين الفلسطينيين والمستوطنين داخل المدن الفلسطينية المحتلة العام 1948.
تصاعدت المواجهات ونقاط الاحتكاك الشعبية والمسلَّحة ضد الحواجز العسكرية الإسرائيلية في الضفة المحتلة منذ معركة "سيف القدس"، ودلّت الأحداث والمواجهات التي تندلع بين الحين والآخر في ساحة الضفة على الأثر العميق الذي تركته المعركة من جهة، وعلى فشل سياسات التنسيق الأمني والتدجين الممارس ضد المواطنين من جهة أخرى.
اعترف العدو بأن أحد عوامل قبوله وقفَ إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هو خشيته من تطور المواجهات إلى حرب متعددة الجبهات بات يخشاها ويستعد لها أكثر من أي وقت مضى.
زادت خشية العدو من الحرب الإقليمية، بعد ما اعتبره إشارات ضعف خلَّفتها حربه الأخيرة على غزة، وأقرّ بأنها أدت إلى تراجع قوة ردعه، وزادت من ثقة محور المقاومة، وعززت مكانته وثقته بقدراته على المواجهة.
يخشى العدو من تصاعد المقدرات العسكرية لقوى المقاومة في المنطقة وتراكمها، ويعتقد أنّ حرباً متعددة الجبهات، إذا ما اندلعت، ستمتلئ فيها سماء فلسطين المحتلة بالطائرات المسيّرة الهجومية، وأن الصواريخ ستنهمر بالآلاف يومياً على كل بقعة من أقصى شمال فلسطين حتى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ومنها صواريخ دقيقة نجحت المقاومة في تخزينها في مواقع مختلفة من لبنان وسوريا، ويسعى العدو للحدّ منها وإجهاض مشروع بناء قواعد عسكرية متقدمة على الحدود السورية الفلسطينية أو إبعادها إلى العمق السوري بأكثر من 50 كلم، من خلال تكثيف العدوان على سوريا.
يعتقد العدو أنَّ الحرب الإقليمية القادمة ستعرّض الجبهة الداخلية لخطر غير مسبوق وخسائر فادحة، وخصوصاً في البنية التحتية الداخلية، مثل محطات الكهرباء وخزانات المياه والغاز والوقود. وهو يحاول أن يستفرد بالجبهات، ليتلاشى أكبر قدر من التهديدات والمخاطر التي تحيط به، ما أدى إلى تقييد أكبر لسياساته في الرد والعدوان، خشية تدهور غير محسوب وتصعيد غير مرغوب قد يتدرج إلى مواجهة على أكثر من جبهة.
سعى العدو مؤخراً إلى العمل على الحدّ من عوامل التوتر والتصعيد التي أدت إلى اندلاع معركة "سيف القدس"، وتحديداً تجاه القدس والمسجد الأقصى والأسرى، فلم يسارع إلى تنفيذ مخططاته لتهجير أهالي الشيخ جراح المهددين بالترحيل، وتراجع عن قرار محكمة تابعة له بأداء صلوات تلمودية للمستوطنين في باحات المسجد الأقصى، وتراجع عن عقوباته تجاه الأسرى بعد حادثة نفق الحرية.
كما يهدف العدو إلى شراء الهدوء على جبهة غزة، ولم يتمسَّك قادته بشروط ما بعد وقف إطلاق النار، ووافق على الفصل بين ملفّي إعادة إعمار قطاع غزة والقضايا الإنسانية عموماً، وصفقة تبادل الأسرى والمفقودين، عوضاً عن تخلّيه عن مطلبه القديم بنزع السلاح.
على صعيد الجبهة اللبنانية، سعى العدو لفحص قوة الردع، وحاول تغيير قواعد الاشتباك مع حزب الله قبل عدة أشهر، وقصف مواقع في عمق الأراضي اللبنانية لأول مرة منذ 15 عاماً، ليردّ الحزب بقصف محيط مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا المحتلة، من دون رد إسرائيلي، ما اعتبر عودة لتثبيت قواعد الاشتباك وفشلاً للعدو في تغييرها من جهة، وخشيته من الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة من جهة أخرى.
ومع ذلك، يعتبر العدو أنّه يتمتّع بعوامل قوة تقلّص من سيناريوهات المواجهة، أبرزها تعاونه الأمني والاستخباري غير المسبوق مع الأنظمة العربية التي وقعت معه اتفاقيات "أبراهام"، والدول التي عقد معها اتفاقيات ومعاهدات كمصر والأردن، والتنسيق الأمني العالي المستوى بينه وبين السلطة الفلسطينية. وقد شهدت المنطقة مؤخراً لقاءات واتصالات إسرائيلية/عربية مكثفة على المستويين السياسي والأمني.
يراهن العدو على إضعاف الجبهة اللبنانيّة، من خلال إشغال حزب الله في شؤون لبنان الداخلية، مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة، والتوتر السياسي مع السعودية ودول خليجية، وقضية سحب السفراء بحجة تصريحات الوزير قرداحي.
يرى العدوّ أنَّ الجبهة السّورية هي الخاصرة الرخوة التي يرسل من خلالها رسائل التهديد إلى محور المقاومة، وتحديداً إيران وحزب الله، ويبرّر هجماته التي زادت مؤخراً بالعمل على إجهاض مشاريع التطوير العسكرية الخاصة لحزب الله، وإنشاء مواقع ومصانع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، ويسعى لإضعاف التواجد الإيراني في سوريا.
من الواضح أنَّ قيادة العدو تخشى الدخول في مواجهة عسكريّة على أيّ جبهة، فتتلقّى ردّاً من جبهة أخرى، وتخشى اندلاع حرب إقليمية تعيد كيان الاحتلال عشرات السنين إلى الوراء، وربما تؤدّي إلى هزيمة استراتيجية له.
هذا السيناريو يبدو واقعياً أكثر من ذي قبل. وقد بدأت مخاوف العدو واضحة إزاء ذلك، في ظل تصريحات قادة محور المقاومة حول ضرورة توحيد جبهات القتال والمقاومة ضد العدو.