الخبث الصهيوني.. هل يخرّب علاقات تركيا مع شقيقتها أذربيجان
الأوساط القومية التركية المعروف عنها تعاطفها القومي مع أذربيجان تتهرب من التعليق على التحالف بين باكو و"تل أبيب" كما هي لم تعلّق على ردّ فعل باكو على تصريحات الرئيس التركي.
على الرغم من مرور ثلاثة أسابيع على تصريحات الرئيس إردوغان التي هدّد فيها الكيان الصهيوني حيث قال "كما ذهبنا إلى ليبيا وكاراباخ فإننا لن نتردّد بالذهاب إلى إسرائيل"، في إشارة منه إلى ردّ الفعل التركي العنيف على المجازر الصهيونية في غزة، فما زال الشارع الأذربيجاني ومعه التركي يتحدّث عن هذا الموضوع، خاصة بعد المقال الذي نُشر في إحدى الصحف الأذربيجانية الموالية للرئيس إلهام عالييف وهو ما عدّه البعض بياناً رسمياً من باكو.
وجاء في المقال باختصار "أنّ الجيش الأذربيجاني هو الذي ذهب إلى كاراباخ وحرّرها، وأنّ الدولة الأذربيجانية اشترت الأسلحة من تركيا وسدّدت قيمتها بالكامل".
ردّ الفعل الأذربيجاني الرسمي هذا جاء بعد يومين من أقوال وزير الخارجية الإسرائيلي كاتز الذي هدّد وتوعّد تركيا وهو ما أثار انزعاج الأوساط الرسمية التركية التي شبّهت نتنياهو بهتلر، ولكنها تهرّبت من التعليق على الموقف الأذربيجاني. وجاءت زيارة الرئيس بوتين إلى باكو ومباحثاته المهمة مع الرئيس إلهام عالييف (على حساب العلاقة مع تركيا)، الذي أولى ضيفه الروسي اهتماماً بالغاً ليزيد من حجم الفتور بين تركيا وشقيقتها أذربيجان، وهي بوابة أنقرة للانفتاح على آسيا الوسطى حيث الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي، وهي تركمنستان وأوزبكستان وقرغيزيا وكازاخستان، حيث رفع الرئيس الراحل تورغوت أوزال بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 شعار "أمة تركية واحدة من حدود الصين إلى البحر الأدرياتيكي".
وعودة للفتور الأخير بين باكو وأنقرة فلا بدّ من الإشارة إلى علاقات التعاون بل والتحالف الاستراتيجي بين باكو و"تل أبيب"، التي وقّعت على العديد من اتفاقيات التعاون العسكري والاستخباراتي مع أذربيجان، والهدف من كلّ ذلك هو الجارة إيران. وأدّى زواج أحد رجال الأعمال اليهود من ليلى ابنة الرئيس عالييف ثم طلاقه منها (ما زال مقرّباً من الرئيس عالييف) دوراً مهماً ومؤثّراً في العلاقات الأذربيجانية -الإسرائيلية بمعطياتها وتفاصيلها الدقيقة والمعقّدة في المجالات كافة.
فـ "تل أبيب" تغطي نحو 60% من احتياجاتها من المشتقات النفطية من أذربيجان وهو ما يصلها عبر أنبوب النفط الذي يمتد من باكو إلى ميناء جيهان التركي على الأبيض المتوسط، ويتمّ نقل هذا النفط بواسطة السفن التركية.
في الوقت الذي تتهرّب فيه الأوساط القومية التركية المعروف عنها تعاطفها القومي مع أذربيجان من التعليق على التحالف بين باكو و"تل أبيب" كما هي لم تعلّق على ردّ فعل باكو على تصريحات الرئيس إردوغان.
مع التذكير أنّ هذه الأوساط لا تفوّت أي فرصة لشنّ هجومها القومي التقليدي على إيران، وهو ما فعلته خلال حرب كاراباخ الأخيرة حيث اتهمت طهران بالتحالف مع باريفان ضدّ باكو وأنقرة، في محاولة منها للتغطية على المعلومات التي تحدّثت آنذاك عن نقل المرتزقة من سوريا إلى كاراباخ.
وفي المحصّلة يبدو أنّ الخبث الصهيوني قد نجح وعلى الأقل حتى الآن في مساعيه للحصول على موقع قدم استراتيجي في أذربيجان البلد المهم جداً بالنسبة لتركيا، لأنّ أكثر من 70% من الشعب الأذربيجاني بمن فيهم الرئيس عالييف هم من الشيعة، ويقول البعض إنه أي الرئيس عالييف من أصل كردي.
في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الكيان الصهيوني قد نجح دائماً في استغلال كل هذه التناقضات في الجغرافيا العربية بسبب تواطئ وعمالة العديد من الأنظمة والمتحدّثين باسمها في السياسة والإعلام، وهو الآن يستغلّ تناقضات الجغرافيا التركية من خلال وجوده في أذربيجان ودول آسيا الوسطى الإسلامية. ولا تختلف في الجوهر عن الدول العربية حيث تواطأ البعض من حكّامها مع أميركا وحليفاتها الإمبريالية والاستعمارية في الغرب الذي خدم وما زال كلّ المشاريع والمخططات الصهيونية، كما هو الحال خلال سنوات "الربيع العربي"، والآن في الحرب الإجرامية على غزة، وقبل ذلك في كل الملفات الكردية عراقياً وتركياً وإيرانياً والآن سورياً.
ومن دون أن يكون واضحاً هل وكيف سيعالج الرئيس إردوغان أزمة الفتور وقليلاً من التوتر في علاقاته مع شقيقه إلهام عالييف، وجاء رده على تصريحات إردوغان بإطلاق الرحلات الجوية بين باكو ومطار لارنكا في الشطر الجنوبي من قبرص والمعترف به دولياً. في الوقت الذي لا تعترف فيه أذربيجان ومعها الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي بجمهورية شمال قبرص التركية، ولا تسمح لخطوطها الجوية بالسفر إلى الشطر الشمالي التركي من الجزيرة.
وتساهم شركة النفط الأذربيجانية بنسبة 10% في عمليات التنقيب واستخراج الغاز قبالة الشواطئ الإسرائيلية، في الوقت الذي تساهم فيه قطر حليفة تركيا استراتيجياً بنسبة مماثلة في عمليات التنقيب واستخراج الغاز قبالة الشواطئ القبرصية اليونانية.
ويبقى الرهان في نهاية المطاف على الموقف المحتمل للرئيس عالييف وإمكانياته في تحقيق التوازن في علاقاته مع أنقرة و"تل أبيب" من جهة، وبين موسكو و"تل أبيب" أيضاً حيث يقف الكيان الصهيوني في الجبهة المعادية لروسيا، ليس فقط في الجغرافيا العربية والإسلامية بل وحتى في أفريقيا وأوكرانيا، والأهمّ من كل ذلك في آسيا الوسطى والقوقاز، وهي الحديقة الخلفية لروسيا وسنرى معاً كيف ستتصدّى للخبث الصهيوني الذي حقّق معظم أهدافه وعلى الأقل حتى الآن عربياً وإسلامياً!