الحاخامات وصناعة الكراهية
شواهد فتاوى الحاخامات لصناعة التطرف والكراهية، فكراً وممارسة، أكثر من أن تُعدّ أو تحصى.
إن تنامي سيطرة الحاخامات على مفاصل صنع القرار واتخاذه في كيان الاحتلال، واستيلاءهم وتلاميذهم على مراكز سياسية رئيسية وتنفيذية، وتأثيرهم في مسار الانتخابات الإسرائيلية، وتغزّل الساسة بهم والاقتراب منهم وتقريبهم؛ كلها شواهد تدفع إلى تدحرج منسوب التطرّف والعنف، وعلى أن صناعة الكراهية في فتاوى الحاخامات مستمرة وتتمدّد.
يدّعي كيان الاحتلال الإسرائيلي أن نظامه السياسي علماني؛ أي يقوم على فصل الدين عن الدولة، بينما تذهب الشواهد وتؤكد أن فتاوى الحاخامات اليهود تحتل موقعاً مركزياً كأحد أهم مكوّنات هذا النظام في إدارة المجتمع والدولة، بل يحظى الحاخامات بنفوذ كبير في المراكز القيادية السياسية والعسكرية والأمنية على وجه الخصوص. ومن دلائل ذلك أن جميع الحاخامات، إما أنهم يتقاضون رواتب مجزلة من حكومة الاحتلال، وإما أن مؤسّساتهم الدينية والتعليمية تحظى بدعم وتمويل كبيرين من وزارات الحكومة.
وإلى جانب الدعم المالي، فإن هناك دعماً سياسياً يحظى به الحاخامات من أصحاب فتاوى القتل. فقد مدح رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو الحاخام ليئور - الذي يعدّ أبرز المرجعيات الدينية لحزب "البيت اليهودي"، وقد شرعن جريمة إحراق عائلة دوابشة التي دلّت التحقيقات مع عناصر التنظيم الإرهابي "شارة الثمن" المسؤول عن تنفيذ الجريمة، على أن القاسم المشترك بينهم هو انتماؤهم جميعاً إلى مدارس تديرها مرجعيات حاخامية بارزة-، ووصفه بأنه "الكتيبة التي تقود شعب إسرائيل". وفي التاسع عشر من آب/أغسطس 2015، نشرت صحيفة "هآرتس" أن نتنياهو وافق على إلقاء كلمة في مؤتمر نظّمه الحاخام إسحاق غيزنبيرغ، الذي أصدر مطلع عام 2013 ما يمكن وصفه بالمسوّغ الفقهي الذي تعمل على أساسه مجموعات "شارة الثمن" الإرهابية، التي نفّذت عشرات الاعتداءات في المدن الفلسطينية، وأحرقت عدداً كبيراً من المساجد والكنائس في الضفة الغربية وأراضي عام 48.
وتنبع خطورة فتاوى غيزنبيرغ من أنه يُعَدّ من أهم المرجعيات الدينية اليهودية على مستوى العالم، ويتبعه عشرات الآلاف من الشباب اليهود، وسبق له أن ألّف كتاباً بعنوان "تبارك البطل"، خصّصه لكيل المديح للإرهابي باروخ غولدشتاين، الذي أطلق النار في الخامس والعشرين من شباط/فبراير 1994 على المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل، أثناء ركوعهم في صلاة الفجر، فقتل 29 منهم وأصاب العشرات.
لقد بات هؤلاء الحاخامات يتحكمون ويؤثرون ليس في مراكز صناعة واتخاذ القرار في كيان الاحتلال فقط، بل وفي تنفيذه؛ فرئيس الموساد السابق يوسي كوهين، ورئيس الشاباك السابق نداف أرغمان، ومفتش الشرطة السابق روني الشيخ، هم من النخب الدينية التي تتلمذت في مدارس دينية أشرف عليها وأدارها الحاخامات المتطرفون.
ومن شواهد تغلغل الحاخامات في مفاصل القرار كافة، ما كشفته دراسة أعدّها قسم العلوم الاجتماعية في جامعة "بار آيلان" الإسرائيلية، المعروفة بتوجهاتها الدينية، عن مدى انصياع المجندين المتدينين لأوامر الحاخامات، بأن أكثر من 90% ممّن يصفون أنفسهم بأنهم متدينون، يرون أنه إذا تعارضت الخطوات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية مع رأي الحاخامات، فإن الأولى هو تطبيق رأي الحاخامات، وأكد أكثر من 95% من الجنود المتدينين أنه لا يمكنهم الانصياع لأوامر عسكرية تصدر إليهم، من دون أن تكون متّسقة مع الفتاوى الدينية التي يصدرها الحاخامات والسلطات الدينية.
تُعدّ فتاوى الحاخامات المؤثّر الأساس في تكوين عقلية الأفراد، داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، فتحكم طرق تفكيرهم وتصرّفاتهم تجاه "الأغيار"، لتصبح تلك الفتاوى بمنزلة آليات التحكم والسيطرة على "المجتمع الإسرائيلي".
إن شواهد فتاوى الحاخامات لصناعة التطرف والكراهية، فكراً وممارسةً، أكبر وأكثر من أن تُعدّ أو تُحصى، ونوجز في ما يلي عيّنة لبعض منها:
ففي عام 2000، وخلال انتفاضة الأقصى، نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية نص رسالة وجّهها تلاميذ المدارس الحكومية الدينية الإسرائيلية، للجنود الإسرائيليين الاحتياط، عند هجومهم على طولكرم، تقول: "عزيزي الجندي، تجاوز كل القوانين واقتل أكبر عدد من العرب، فالعربي الطيّب هو العربي الميّت، فليحترق كل الفلسطينيين ـ كما الربّ ذكرهم ـ في جهنم".
وفي السابع من أيلول/سبتمبر 2005، أصدرت مجموعة من الحاخامات فتوى ضمّنتها رسالة وُجّهت إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أرييل شارون، حثّته فيها على عدم التردّد في المسّ بالمدنيين الفلسطينيين، وجاء في الفتوى: "نحن الموقّعين أدناه، ندعو الحكومة الإسرائيلية والجيش الاسرائيلي إلى العمل بحسب مبدأ: من يُقدم إليك لقتلك، سارع واقتله".
ووصلت الفتاوى إلى جيش الاحتلال، فالحاخام الرئيس الأسبق مردخاي إلياهو دعا في أيار/مايو 2007 - ضمن نشرة "عالم صغير" وهي عبارة عن كتيّب أسبوعيّ يوزّع في المعابد اليهودية كل يوم جمعة - جيش الاحتلال إلى شنّ حملة على غزة، معتبراً أن المس بالفلسطينيين الأبرياء أمر شرعيّ.
وفي الثالث عشر من حزيران/يونيو 2008 أصدر خمسة عشر حاخاماً برئاسة الحاخام يعكوف يوسف (نجل الحاخام عوفاديا يوسف)، فتوى صريحة تدعو إلى المسّ بالمدنيين الفلسطينيين بعد كل عمل مقاوم يستهدف يهوداً مستوطنين. حيث أجازت الفتوى أيضاً تدمير ممتلكات المواطنين المدنيين الفلسطينيين، على اعتبار أن هذا السلوك يمثّل عملاً "رادعاً يوضّح للفلسطينيين الثمن الباهظ الذي تنطوي عليه محاولة المس باليهود". وبحسب هذه الفتوى، فإنه ليس شرطاً أن يقوم الفلسطينيون بتنفيذ عمل مقاوم ضد اليهود حتى يصبح واجباً القيام بعمليات انتقامية ضدهم، بل يكفي أن تكون هناك دلائل على وجود "نية" لديهم للقيام بهذا العمل.
وفى أثناء الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2009، كشفت صحيفة "هآرتس" أن الحاخامية العسكرية وزّعت على الجنود المتدينين فتوى للحاخام شلومو أفنير، تحثّ على قتل الفلسطينيين. وجاء في الصحيفة أن حاخامات في الجيش أبلغوا القوات التي هاجمت غزة أنهم يخوضون "حرباً دينية" على غير اليهود.
تدحرجت فتاوى الحاخامات من مجرد رسائل وتوصيات فردية إلى كتب مشتركة. ففي عام 2009، أصدر الحاخامان يتسحاق شابيرا ويوسى إيليتسور كتاب "عقيدة الملك"؛ يحتوي مجموعة من الفتاوى تبيح قتل "الأغيار"، استناداً إلى تفسيرات العهد القديم والتشريع اليهودي. وأجاز الكتاب قتل غير اليهود من غير الأعداء، وسمح بقتل المدنيين "الأغيار" لمجرد تشجيعهم على الحرب على اليهود أو "إضعاف موقف اليهود حتى بالكلام"، وأفتى بقتل الأطفال إذا كان وجودهم سيضرّ اليهود بعد بلوغهم، وأخطر ما أكده الكتاب هو أن القتل أمر فرديّ لا يخضع "لقرارات الدولة والجيش".
القتل بطريقة أشد إيلاماً فحوى فتوى أصدرها الحاخام "بن تسون موتسيبي"، أحد كبار الحاخامات، ونشرها موقع واللا العبري في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر 2016، تقول بجواز قتل الفلسطينيين بطريقة "الإمساك برأسه وضربه مراراً بالأرض حتى يتفتت".
وفي آب/أغسطس 2017، أفتى الحاخام "شموئيل الياهو" الذي يعمل حاخاماً لمدينة صفد، في برنامجه الأسبوعي الذي يُذاع على إذاعة "أمواج إسرائيل"، وهي إذاعة تابعة لليمين المتطرّف، "بتحريم جلوس اليهود مع العرب على الطاولة نفسها، وتناول اليهود الطعام والشراب مع العرب"، داعياً إلى الابتعاد عنهم وعدم التعامل معهم.
أما عن موقع العرب، فقد أفتى الحاخام أليعزر كشتئيل، في عام 2019، لطلابه بأن: "السادة هم اليهود والعبيد هم العرب؛ والأفضل بالنسبة إليهم أن يكونوا عبيداً لليهود؛ هناك شعوب في محيطنا لديها خلل وراثي؛ فالعربي يُحبّ أن يكون تحت الاحتلال؛ فهم لا يستطيعون إدارة الدول، وغير قادرين على فعل أي شيء؛ نحن نؤمن بنظرية التفوّق العرقي".