الاتفاق النووي والتطبيع.. قلق إسرائيليّ وغياب للمشروع العربي!

ثمة تحوّل عكسي انقلبت فيه الموازين، في الوقت الذي كانت "إسرائيل" تحتفي بذكرى توقيعها اتفاقيات تطبيع مع دول خليجية، وتراهن على تطبيع علاقاتها مع دول جديدة، حتى جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.

  • الاتفاق النووي والتطبيع.. قلق إسرائيليّ وغياب للمشروع العربي!
    انخفضت نسبة تأييد التطبيع في عدد كبير من الدول الخليجية التي طبعت مع "إسرائيل"

حالتا الإحباط واليأس الكبيرتان اللتان تسودان الأوساط الإسرائيلية في ظل الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي بين إيران وأميركا والدول العظمى، والكشف عن بعض التفاصيل التي تؤكّد تمكّن إيران من تحقيق إنجازات أمام التنازلات الأميركية، وفشل "إسرائيل" في إقناع الولايات المتحدة بتعديل صيغة الاتفاق بالشكل الذي تريده، شكّل كله حالاً من القلق الإسرائيلي تجاه مسار التطبيع الذي بدأته "إسرائيل" قبل أكثر من عامين.

مخاوف "إسرائيل" الكبيرة التي تروّج لها تجاه الاتفاق النووي لم تتوقّف عند حد المخاوف الأمنية من إيران وتطويرها سلاح المسيرات أو حتى منظومتها الصاروخية وبرنامجها النووي، بل ما زاد المخاوف والقلق وحال الإحباط الإسرائيلي هو ما وصفته بالخطر الذي يتهدد مسار التطبيع مع دول عربية وخليجية في المنطقة إزاء توقيع الاتفاق.

ما عبر عنه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق مئير بن شبات يصب في الاتجاه ذاته، إذ شدد على أحد أهم التداعيات السلبية للتوقيع على الاتفاق النووي، وهو أنه سيعرّض اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية والخليجية للخطر، وسيشكل عائقاً أمام تعزيز علاقات معها أو تجاه إمكانية التوصل إلى اتفاقيات تطبيع جديدة مع دول عربية أخرى في المنطقة.

هواجس "إسرائيل" تزايدت أكثر مع قرب العودة إلى الاتفاق النووي نتيجة المتغيرات الأخيرة في المنطقة، والتي تمثلت بقرار كلٍ من الامارات والكويت إعادة سفيريهما إلى طهران، ورفض سلطنة عُمان السماح لشركات الطيران الإسرائيلية باستخدام نطاقها الجوي، وحال الترحيب الواضح التي أعلنها مجلس التعاون الخليجي تجاه مباحثات جهود العودة إلى الاتفاق النووي.

تخشى "إسرائيل" أكثر من أيّ وقت مضى العودة إلى الاتفاق النووي وما أسمته حال الاندفاع الأميركية ورغبتها في إحياء الاتفاق الذي تنصَّلت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لخوفها من أن يجعل دولاً في المنطقة كانت تفكر في نسج وتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" في إعادة التفكير في العلاقات مع إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر، من وجهة نظر إسرائيلية، في كل مبادرات التطبيع التي تهدف إلى فتح علاقات مع دول جديدة.

اللحظة الّتي يتم فيها الإعلان الرسمي عن العودة إلى الاتفاق النووي تعدّ نقطة تحول جديدة في المنطقة، عنوانها تصاعد القوة الإيرانية في المنطقة أكثر، وستحمل في ثناياها تغيير مسارات سياسية لدول بعينها تجاه التقارب مع إيران، وهذا يعني أنَّ مكانة إيران وقوّتها ونفوذها سيزداد بعد التوقيع على الاتفاق في مقابل تراجع نفوذ أميركا و"إسرائيل" الواضح في المنطقة.

قلق "إسرائيل" من عودة إحياء الاتفاق النووي نابع من التأثير المباشر في جهودها المتواصلة والمبذولة مع عدد من الدول التي كانت تطمح إلى إبرام اتفاقيات تطبيع جديدة معها أو حتى جهودها المبذولة لتوسيع علاقاتها مع دول خليجية طبّعت سابقاً معها أمام توقف عجلة التطبيع عند ما وصلت إليه من دون ضمّ المزيد من الدول، ما يعني أنها بدأت فعلياً تدفع ثمناً سياسياً حتى قبل الإعلان النهائي عن توقيع الاتفاق النووي، وهذا ما أكّدته وذهبت إليه مؤخراً المستشرقة الإسرائيلية سمدار بيري، التي تحدثت في مقالة حديثة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" عما أسمته حلول "السلام البارد" وقرب انتهاء حدة شهر العسل الإسرائيلي مع دول الخليج.

ثمة تحول عكسي انقلبت فيه الموازين، في الوقت الذي كانت "إسرائيل" تحتفي بذكرى توقيعها اتفاقيات تطبيع مع دول خليجية، وتراهن على تطبيع علاقاتها مع دول جديدة، حتى جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ أعادت دول خليجية علاقتها الدبلوماسية بإيران من جهة فجأة، وانخفضت نسبة تأييد التطبيع في عدد كبير من الدول، وفق آخر استطلاع للرأي أجراه "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، والذي كشف فيه عن تراجع ملحوظ في نسبة مؤيدي اتفاقيات التطبيع في كل من السعودية والبحرين والإمارات وتزايد نسبة الخليجيين الذين يرفضون اتفاقيات التطبيع مع "إسرائيل".

وأكّد الاستطلاع أنّ نسبة الأشخاص الذين ينظرون إلى اتفاقيات التطبيع بشكل إيجابي في كل من السعودية والبحرين والإمارات انخفضت خلال العام الماضي، حيث بات ثلثا المواطنين في الدول المذكورة آنفاً ينظرون إلى اتفاقيات التطبيع بشكل غير إيجابي.

تتعامل "إسرائيل" مع المنطقة ضمن مشروع واضح لها، وتريد الحفاظ على هيمنتها في الشرق الأوسط بما يضمن لها التهديد الوجودي لإيران ولكل الدول العربية والخليجية، ومشكلتها في الوقت ذاته أنها تتجاهل الواقع الجديد لإيران منذ الثورة الإسلامية وحتى يومنا هذا، فقد أصبحت إيران قوة متصاعدة تمتلك أقوى الجيوش على مستوى العالم، من خلال امتلاكها صواريخ بالستية ومنظومات رادار وطائرات من دون طيار وسفناً عسكرية وأسراباً من المقاتلات الحربية والغواصات العسكرية، ناهيك بنهضتها العسكرية التي جعلها تتبوأ مكانة متقدمة في المنطقة.

وضوح مشروع "إسرائيل" الحقيقيّ وأهدافه من جهة، ومشروع إيران في المنطقة من جهة أخرى، وقيام دول خليجية وعربية بإعادة فتح علاقات دبلوماسيّة معها بعد ترحيبها بجهود عودة إحياء الاتفاق النووي من جهة ثالثة، يجعلنا نتساءل: ما المشروع العربي الموازي لهذه المشاريع؟ هل سيبقى غائباً أم سيبقى يردد رواية "إسرائيل" التي تحرّض باستمرار على مواجهة إيران بعد كلّ المتغيرات، والتي تنصبّ في الدرجة الأولى على تبريد جبهات المنطقة وتصفير المشاكل؟ وهل يمكن أن يتبدل المشروع العربي كي يصبح مشروعاً قائماً على مواجهة المشروع الإسرائيلي؟ 

ثمة وقفة مهمّة أمام هذه المتغيرات الحاصلة تجعل الدول العربية والخليجية مجتمعة أمام ضرورة ملحّة لفتح حوار بنّاء وجاد مع إيران، تناقش فيه كل القضايا الخلافية، ويكون عنوانه إنهاء حالة التوتر والتهديد وتصويب مفاهيم تبنتها تلك الدول، وبرغبة إسرائيلية، تجاه إيران على مدار الفترات الماضية، وتكون فيه لغة الحوار هي اللغة السائدة أمام كيفية مواجهة مشروع "إسرائيل" الَّذي يعمل لأجل تهديد إيران ومعها دول المنطقة كلها.

تستطيع الدول العربية والخليجية، إذا أرادت ذلك، مع توفّر الرغبة والإرادة، استغلال حال التبريد الحاصلة في المنطقة بالتزامن مع قرب إحياء الاتفاق النووي مع إيران واستغلال هذه الفرصة وتحويلها إلى مكسب يضمن إعادة القيمة والاعتبار للمنطقة العربية التي انتهكتها "إسرائيل" وأميركا، وإعادة التموضع من جديد، وتبني مشروع عربي واضح يضمن مصالح الدول العربية والخليجية كافة، إلى جانب مكانة وقوة إيران السياسية والعسكرية التي تعد مصدر قوة لا يمكن تجاهلها، ويبقي حال القلق واليأس والإحباط لـ"إسرائيل" وحلفائها.