الائتلاف الإسرائيلي.. حكومة لــ "جمهورية الموز!"

استقالة عيديت سيلمان أوقعت "إسرائيل" في أزمة سياسية جديدة أعادتها إلى عام 2019، وهذا يعني أن البيئة السياسية عادت إلى المربع الأول، ودخلت في دوامة ستعطل تشكيل أي حكومة.

  • الائتلاف الإسرائيلي حكومة لــ
    تعكس استقالة عيديت أزمة تعيشها "إسرائيل"، ليست أزمة نظام سياسي فحسب، بل أزمة وعي وأمن

بينما كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، يؤدي دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، لم يكن يعلم بأن رئيسة الائتلاف في حزبه، عيديت سيلمان، تنوي القضاء على الائتلاف الحكومي بتوجيهها طعنة سياسية قاتلة له في ذروة وساطته التي يقوم بها بين روسيا وأوكرانيا، وعقده عدة قمم شرق أوسطية، ووقوع سلسلة عمليات فدائية فلسطينية متتالية ضربت العمق الفلسطيني المحتل عام 1948، وهو ما أحدث زلزالين كبيرين، أحدهما أمني فرض معادلة جديدة في الصراع، والآخر سياسي ضرب عصب حكومة الائتلاف الإسرائيلي، الأمر الذي جعل الخريطة السياسية الإسرائيلية عاجزة عن التفاعل مع مثل هذه الوقائع والوساطات التي تقوم بها، في وقت استيقظت على أزمة داخلية إسرائيلية غير متوقعة خطّطها بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة الإسرائيلية. 

صحيح أن الاستقالة جاءت على خلفية خلافات أيديولوجية عميقة مع وزير الصحة في حكومة نفتالي بينيت، وبعد عشرة أشهر على تشكيل الائتلاف الأسرائيلي، لكنها تعكس في الحقيقة أزمة تعيشها "إسرائيل"، ليست أزمة نظام سياسي فحسب، بل أزمة وعي وأمن، وها هي الأزمة تتعمق لتصل إلى أزمة ائتلاف حكومي يعيد المشهد السياسي الإسرائيلي إلى المربع الأول. 

لأول مرة في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي شخص مثل نفتالي بينيت يترأّس حكومة، بلا حزب ولا قاعدة ولا حتى ائتلاف يقود الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما سيضعها في أزمة كبيرة تُنذر بتفككها وقرب انهيارها في أي لحظة، إذ أصبحت فاقدة للأغلبية التي تضمن نجاح عملها، في الوقت الذي تعهدت عيديت سيلمان مواصلةَ إقناع سائر أعضاء حزبها بالعودة إلى معسكر اليمين الإسرائيلي، وتشكيل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، وهو ما سيرفع أسهم بنيامين نتنياهو باحتمال عودته مرة أخرى إلى صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي قريباً. وهذا المسار يغذي طموحاته السياسية إلى العودة إلى الحكم مع حالة الترنح التي أصبح يعيشها الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي بزعامة بينيت. 

انسحاب عيديت سيلمان من الائتلاف الحكومي ودعوتها إلى تشكيل حكومة يمينية جديدة جاءا تزامناً مع دعوة موجَّهة إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف إلى تنظيم مسيرة لاقتحام المسجد الأقصى، وإعلان بنيامين نتنياهو مشاركته فيها. وحدث ذلك فعلاً، وهو ما يؤكد أن ما يجري من اهتزازات، ضربت ائتلاف نفتالي بينيت، جاء بتخطيط مسبَّق من زعيم المعارضة الإسرائيلية نتنياهو، عرّاب هذه الخطوة، والذي يهدف إلى خلط الأوراق وتوظيف هذه الأزمة السياسية ورقةً سياسية داخلية من أجل تحقيق مكاسب خاصة به. كيف لا، وهو الذي عمل قبل عام تقريباً على تصعيد المشهد في المسجد الأقصى، وتنظيم مسيرة الأعلام ("القدس موحدة عاصمة لإسرائيل") من أجل ضمان مستقبله السياسي، وها هو يكرر السيناريو مجدداً لفتح الطريق أمام عودته إلى زعامة حكومة الاحتلال الإسرائيلية، وإنهاء مرحلة نفتالي بينيت.

حكومة الائتلاف بزعامة بينيت لم تعد تتمتع بأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، وأصبحت متساوية في المقاعد مع المعارضة وهو ما يجعلها حكومة مشلولة سياسياً، وغير قادرة على اتخاذ أيّ قرارات، أو سَن أيّ قوانين، أو تمرير ميزانية الدولة. وهذا أدخلها في حالة عد عكسي يقرب نهايتها مع انسحاب أي عضو جديد في الائتلاف، بل سيقضي تماماً عليها. وأمام ذلك يكون المشهد الإسرائيلي أمام خيارات متعدّدة:

الخيار الأول: استحضار خيار الانتخابات الإسرائيلية الرابعة أصبح مطروحاً بقوة خلال الفترة القليلة المقبلة، على الرغم من أن استطلاعات الرأي الأخيرة والتي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية، أظهرت أنها تعزز صورة المشهد السياسي بحالة من عدم الاستقرار السياسي خلال المرحلة المقبلة، وأن نتائج أي انتخابات قد تجري ستكون مشابهة تقريباً لنتائج الانتخابات الأخيرة.

الخيار الثاني: نجاح بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة الحالي، في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، وهذا خيار يُعَدّ صعباً إلى حد ما، بسبب حاجته إلى أحزاب إسرائيلية أخرى ليصبح ذا أغلبية.

الخيار الثالث: أن تبقى حكومة نفتالي بينيت أشبه بجمهورية الموز، حكومة بلا حكومة أو أشبه بحكومة مترنحة مجمدة، لا قرارات ولا قوانين ولا كنيست بأغلبية. وبذلك، يكون بينيت نجح في إبعاد شبح الانتخابات عنه خلال المرحلة المقبلة. لكن مثل هذا الخيار يُعَد خياراً ضعيفاً أمام أطماع نتنياهو التي بدأت تتكشف بعد انسحاب عيديت سيلمان، إذ بات واضحاً أنه سيبقى يعمل حتى الرمق الأخير لإسقاط نفتالي بينيت وائتلافه. 

استنتاج مهم في المشهد السياسي الإسرائيلي يشير إلى أن أي سيناريو سيكون حاضراً من تلك السيناريوهات لن يعيد كتلة التغيير (بقيادة نفتالي بينيت - يائير لبيد) إلى الحكم بأغلبية، وخصوصاً أنها فشلت في تحقيق الأمن في مجتمع الاحتلال، كما أنها لم تشكل أي بديل سياسي أو اقتصادي قوي خلال الأشهر العشرة السابقة.

ثمة تداعيات يمكن تسجيلها نتيجة لحالة الترنح التي أصبحت تعيشها حكومة نفتالي بينيت بعد هذه التطورات، إذ إن ما حدث يعطي مؤشراً واضحاً على أن النظام السياسي الإسرائيلي لم يعد يتمتع بحالة الاستقرار السياسي، بل فقد حالة التوازنات الموقتة التي كان يعيشها على مدى 10 أشهر مضت، وهو ما يعزز حالة الضعف التي يعيشها من جهة، وحالة اللاتجانس والهشاشة، والتي على أساسها شكل هذا التحالف منذ يومه الأول، سوى أنه يشتمّ مصدر قوته الوحيدة من بعض السقوط العربي، الذي أقام علاقات به عبر اتفاقيات التطبيع.   

إذا تعمّقنا أكثر في استطلاعات الرأي المنشورة مؤخراً، فسنجد أن حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو يتصدر المشهد، غير أنه لن يتمكن من تشكيل حكومة، وهو أمر مشترك مع الكتلة المناوئة له، والتي ستفشل بدورها في الحصول على أغلبية برلمانية، وبالتالي ستذهب "إسرائيل" إلى انتخابات جديدة ستكون السادسة خلال ثلاثة أعوام.

استقالة عيديت سيلمان أوقعت "إسرائيل" في أزمة سياسية جديدة أعادتها إلى عام 2019، ومثل هذا المشهد يعني أن البيئة السياسية الإسرائيلية عادت إلى المربع الأول، ودخلت في دوامة ستعطل تشكيل أي حكومة في ظل الانقسامات والتفكك بين الأحزاب والمعسكرات.

هذا يُقرأ في سياق مهم، مفاده أن "إسرائيل" ستعود مجدداً إلى حالة اللااستقرار السياسي المزمن مرة أخرى. وهذه الحالة يعيشها مجتمع إسرائيلي مفكك، وأحزاب سياسية تتناحر، وحكومة هشّة تترنح، وقادة إسرائيليون في صراع مستمر على السلطة. يعني أن كيان الاحتلال الاسرائيلي آخذ بالتلاشي والتبدد، وسيكون مصيره حتماً الزوال.