اتفاق السعودية وإيران يبرز دور الصين في تعزيز السلام
يشكل الاتفاق السعودي الإيراني تطوراً مهماً للمنطقة، إذ إنه يمكن أن يقدم رؤية جديدة لدول الشرق الأوسط ويوفر فرصاً كبيرة للبلدين.
قبل عدة أيام، أعلنت السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية إثر مفاوضات استضافتها الصين. وقد لاقى الخبر ترحيباً دولياً وعربياً، وأشادت الأمم المتحدة بدور الصين في هذه العملية.
وبحسب البيان الثلاثي المشترك لكلٍّ من السعودية وإيران والصين، أكّدت طهران والرياض احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورغبتهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بينهما عام 2001، واتفاقية اقتصادية موقعة عام 1998.
يشكّل الاتفاق السعودي الإيراني تطوراً بالغ الأهمية للمنطقة، إذ يمكن أن يقدم رؤية جديدة لدول الشرق الأوسط، ويوفر فرصاً كبيرة للبلدين، وهو يُعد إنجازاً دبلوماسياً كبيراً للصين، التي قدمت حلولاً للطرفين، وشكلت منصة للحوار بينهما، ومهدت الطريق للمصالحة، وكانت "نصراً للحوار والسلام"، بحسب كبير الدبلوماسيين الصينيين وانغ يي.
عام 2016، انقطعت العلاقات بين الرياض وطهران عندما هاجم محتجّون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في العاصمة الإيرانية بعد إعدام المملكة العربية السعودية رجل دين شيعياً بارزاً.
ومن أجل تحسين العلاقات الثنائية وتخفيف التوترات الإقليمية، استضاف العراق وسلطنة عمان عدة جولات من المحادثات بين إيران والسعودية في الفترة الممتدة بين عامي 2021 و2022.
أما الجانب الصيني، ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفي أثناء زيارة الرئيس الصيني شي للمملكة العربية السعودية، اتفق الجانبان في بيان مشترك صدر في ختام القمة السعودية الصينية على "إيجاد حلول سلمية وسياسية للقضايا الساخنة في المنطقة، وذلك عبر الحوار والتشاور على احترام سيادة دول المنطقة واستقلالها وسلامة أراضيها".
وفي شباط/فبراير الماضي، زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الصين، وأكدت إيران في البيان المشترك الذي صدر بعد لقاء الرئيسين الإيراني والصيني أنها ترحب بمبادرة الصين لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتعزيز الحوار بين دول منطقة الخليج.
مهَّدت كلّ هذه الجهود المبذولة والمسارات طريقاً للخطوة المهمة التي اتخذتها السعودية وإيران، فبعد نحو أقل من شهر من زيارة الرئيس رئيسي إلى الصين، جرت مباحثات بين وفدي السعودية وإيران في بكين، انتهت باتفاقهما على استئناف العلاقات بينهما.
لماذا نجحت الصين في تحقيق المصالحة بين السعودية وإيران؟
يعود نجاح الصين في تحقيق المصالحة إلى أسباب عديدة منها:
أولاً، تعد الصين دولة موثوقاً بها لدى السعودية وإيران، لأنها تحافظ على "علاقات متوازنة" معهما، وتنتهج بثبات السياسة الخارجية السلمية المستقلة، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأيّ دولة أخرى، وليس لها تاريخ من الاستعمار أو التدخل في شؤون الشرق الأوسط. لذلك، تنظر إليها دول إقليمية، مثل إيران والسعودية، بصفتها مقدماً للحلول الأمنية عند السعي لإحلال السلام.
ثانياً، تعد الصين شريكاً مهماً لإيران والسعودية؛ فالأولى من الدول المهمة في مبادرة "الحزام والطريق"، إذ بلغ حجم التجارة بينها وبين الصين 15.8 مليار دولار أميركي عام 2022، بزيادة 7% على أساس سنوي، لتصبح الصين أكبر شريك تجاري لها لمدة 10 سنوات متتالية.
أما السعودية، فقد سارعت في خطواتها إلى الاتجاه نحو الشرق خلال السنوات الأخيرة، فتطورت العلاقات بينها وبين الصين في مختلف المجالات، وذلك مع تعزيز المواءمة بين "رؤية المملكة العربية السعودية 2030" و"مبادرة الحزام والطريق".
منذ عام 2001، أصبحت السعودية أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط. وفي عام 2013، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لها لسنوات متتالية. وبناء عليه، فإن تحقيق السلام والأمن يخدم مصلحة الصين ومصالح دول المنطقة، وهي تدعو دائماً إلى حل النزاعات عبر التنمية وتحقيق الأمن المستدام.
ثالثاً، تتبع الصّين مفهوم الأمن المتمثّل بتحقيق الأمن وتعزيزه عن طريق التعاون. وقد طرحت مبادرات عملية في مجال الأمن العالمي تحترم مصالح جميع الأطراف وتراعيها، وهي تصرح من حين إلى آخر بأنه لا يمكن الوصول إلى الأمن العالمي من دون تحقيق الأمن في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، طرحت عام 2021 مبادرة من 5 نقاط لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، دعماً لجهود الدول العربية في استكشاف الطرق التنموية التي تتناسب مع خصوصياتها الوطنية بإرادتها المستقلة. وقد طرحت مبادرة الأمن العالمي في نيسان/أبريل 2022، التي تدعو إلى إيجاد طريق جديد للأمن يكرّس الحوار والشراكة والكسب المشترك بدلًا من المواجهة والتحالف واللعبة الصفرية.
ومع ازدياد الاستقلال الذاتي الإستراتيجي في الشرق الأوسط، أصبح السعي للسَّلام والتنمية من تطلعات شعوب المنطقة، وساعد نهج الصين على اكتسابها ثقة الشرق الأوسط.
إن الحوار والاتفاق بين السعودية وإيران يمثلان مثالاً جيداً لكيفية حل دول المنطقة النزاعات والخلافات. تقدم الصين رؤية جديدة لدول الشرق الأوسط، وقد يكون لها أثر أكبر في حل خلافات أخرى في المنطقة، وستساهم بأفكارها وحكمتها في تحقيق السلام والهدوء في الشرق الأوسط وحتى العالم.