إنقاذ كهرباء لبنان.. ليكُن عرضاً إيرانياً - سعودياً مشتركاً
في ظل الانهيار التام لقطاع الطاقة في لبنان، رغم عشرات المليارات من الدولارات التي تكبدتها خزينة الدولة خلال المحاولات غير المجدية لإصلاحه، بات لازماً الحديث عن جهة قادرة تقنياً ومالياً على الإمساك بزمام هذا القطاع.
في ظلِّ الأزمات المتلاحقة التي تعصف بلبنان منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 على الصعد السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية، بات لدى اللبنانيين حاجة ماسة إلى أي مساعدة خارجية، عربية كانت أم إقليمية ودولية، لمساعدتهم على النهوض وبناء دولتهم مجدداً؛ فقيامة أي بلد منهار تستوجب بنية تحتية متينة أولاً، تساهم في تأسيس اقتصاد قادر على تحمّل أعباء الانطلاقة الجديدة.
وتكتسب قطاعات عدة، منها الاتصالات والنقل والطرقات والمؤسسات المالية وغيرها، أهمية إستراتيجية في البنية الاقتصادية للدولة، إلا أنّ الطاقة تبقى عمود الأساس والارتكاز لأي خطة تعافٍ.
وفي ظل الانهيار التام لهذا القطاع في لبنان، رغم عشرات المليارات من الدولارات التي تكبدتها خزينة الدولة خلال المحاولات غير المجدية لإصلاحه، بات لازماً الحديث عن جهة قادرة تقنياً ومالياً على الإمساك بزمام قطاع الطاقة، بما يتضمّن توليد الكهرباء وبناء معامل جديدة لإنتاجها وشبكات نقل ومحطات تحويل كافية لإيصالها إلى جميع المواطنين والمقيمين، إضافة إلى توفير الوقود اللازم لتشغيلها وبيع إنتاجها للدولة اللبنانية بسعر مناسب.
وفي عالم الاقتصاد، من المعلوم أنّ توافر أي جهة مستعدّة لفعل ذلك بطريقة الـbot التي لا ترتّب على الدولة أعباء مالية، يعدّ بحدّ ذاته إنجازاً ضخماً، فكيف إذا كانت هذه الجهة من دول الشرق المشهود لنجاحاتها في توليد الطاقة وتغطية مساحاتها الشاسعة، بل وبيع فائض إنتاجها إلى دول أخرى!
بطبيعة الحال، نتحدث هنا عن الجمهورية الإسلامية في إيران؛ الدولة التي لم تملّ من تقديم عروض المساعدة للبنان في قطاع الكهرباء وملفات أخرى منذ عام 2007، من دون أيّ استجابة من الجهات المخولة بذلك، بذريعة إغضاب المملكة العربية السعودية حيناً، وخوفاً من العقوبات الأميركية أحياناً.
الأسبوع الماضي، أعاد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان فتح الملف على مصراعيه خلال زيارة لبيروت استمرت يومين، أكد فيها مجدداً أمام المسؤولين استعداد بلاده لمساعدة لبنان في حلّ هذه الأزمة مرّة واحدة وإلى الأبد، متسائلاً عن سبب خوفهم من الإقدام على خطوة كهذه.
قد يبدو هذا السؤال اليوم أكثر مشروعية، وخصوصاً بعد الاتفاق الإيراني السعودي الذي جرى توقيعه في الصين، والذي من شأنه أن يعيد خلط جميع الأوراق، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً، فالاتفاق التاريخي هذا وُقّع بين أقوى دولتين إقليمياً، اللتين تمتلكان 35% من احتياطي النفط في العالم، وأكثر من 15% من احتياطي الغاز، إضافة إلى المواد الأولية. كما أنّ الناتج المحلي للسعودية وإيران معاً يبلغ نحو 1250 مليار دولار.
فضلاً عن ذلك، فإنّ الدولتين تقدمتا بطلب رسمي للانضمام إلى منظمة "بريكس"، وهما أصلاً من أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون، والمنظمتان تسيطران على 35.5% من الاقتصاد العالمي، ويصل الناتج المحلي لدولهما إلى 29 ألف مليار دولار.
إذاً، الاتفاق الإيراني السعودي وانضمام البلدين إلى هاتين المنظمتين من شأنه خلق حالة اقتصادية جديدة في آسيا والعالم، معاكسة للواقع الذي تخطط له الولايات المتحدة، وسيكون انعكاسها إيجابياً على العراق واليمن وسوريا ولبنان.
وبالعودة إلى العرض الإيراني للبنان، فالجديد اليوم أنّه يأتي في ظل هذه المتغيرات الكبيرة والظروف الجديدة، وإن كان جواب الرافضين في الماضي أنّ عرضاً كهذا يستفزّ السعودية، فإنّ هذه الذريعة باتت بحكم الساقطة. لذا، نراهم يلجأون اليوم إلى التذرّع بـ"الفيتو" الأميركي على أي تعاون مع طهران والتخويف من غضب العم سام.
لكن ما غاب عن بال هؤلاء أنّ المملكة نفسها، وهي حليف مفترض لأميركا، قررت الاستثمار في إيران غير آبهة بالعقوبات الأميركية. وأكثر من ذلك، فإنّ دولاً مثل العراق وباكستان وتركيا، وهي على علاقات متينة بدول الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، تشتري الكهرباء والنفط من إيران، ولم يستطع الأميركيون منعها.
وبناءً على ذلك، فإنّ السؤال البديهي: ماذا يمكن أن تفعل واشنطن مع لبنان الذي تدّعي الحرص على نهوضه الاقتصادي إذا قبل بالعرض الإيراني؟ ببساطة، لا تستطيع فعل شيء، فلماذا لا يُقدم المسؤولون اللبنانيون على ذلك؟
هناك احتمالات عدة، منها الكيدية السياسية الداخلية واعتبار بعض الجهات أنّ نجاح إيران في بناء قطاع الطاقة في لبنان مكسب لخصومهم في الداخل، وهم غير مستعدين لمنحهم هذا "الانتصار"، ولو اضطروا إلى حرمان البلاد والعباد من أي فرصة للنهوض والتعافي.
وهناك احتمالات أخرى، مثل خشية الجهات نفسها من أي انتقام أميركي يفتح على مصراعيه أبواب ملفات الفساد المتورطة بها أو أنّ بعض المسؤولين لا يريدون إغضاب كارتيلات النفط والمولدات، وهم شركاء بعضهم وأزلام آخرين.
وهنا، لا بد من أن يعلم اللبنانيون مدى تأثير إصلاح قطاع الكهرباء في بلادهم خلال عام واحد، كي يتمكنوا من تحديد حجم الضرر الذي يُلحقه الرافضون لأي عرض آتٍ من الشرق:
1- يوفّر 1.5 مليار دولار كلفة استيراد فيول.
2- يوفّر 1.2 مليار دولار يدفعها المواطنون والمقيمون كلفة مولدات كهرباء.
3- يقوي السياحة ويزيد دخلها بحدود 2.5 مليار دولار.
4- يمنح قوة للاقتصاد الرقمي والمعرفي بما لا يقل عن 900 مليون دولار.
5- يوفّر كلفة 2.5 مليار دولار تدفع لاستيراد المازوت.
6- يشجع الشركات على الاستثمار بالاتصالات بـ2 مليار دولار على الأقل.
7- يخفض الفاتورة الصحية بنسبة 50%.
8- يخفض كلفة الأمن الغذائي الاجتماعي بنسبة 30%.
9- يخفف الضغط على الدولار بنسبة 50%.
10- يزيد الناتج المحلي بنحو 19 مليار دولار.
أخيراً، وجب القول إنّ لدى لبنان أوراق قوّة اعتاد ألا يلعبها، ومنها مقاومته، إلا أنّ الوقت حان لذلك، وعلى القوى الوطنية أن تتحرّك لمنفعة اللبنانيين، ولمَ لا يكون هذا التحرّك على شكل مبادرة يحملها وفد نيابي رسمي إلى السعودية وإيران على حد سواء، بأن يكون عرض الكهرباء مشتركاً بينهما لمصلحة لبنان؟